كشفت معطيات رسمية صادرة عن وزارة الصحة أن معدل المتبرعين بالأعضاء بالمغرب يبلغ 0.4 متبرع في كل مليون مواطن، فيما كشفت نفس المعطيات أن أغلب حالات التبرع المسجلة، تتعلق بالكلي والنخاع العظمي ثم القرنية. على مدى 11 سنة، سجل 820 مغربيا أنفسهم في السجل الخاص بالتبرع بالأعضاء بعد وفاتهم وهو رقم ضئيل بالمقارنة مع الحاجات، هذا وبلغ التبرع بالكلي 268 حالة إلى غاية أبريل 2012، 60 بالمائة منها بمستشفى ابن رشد بالدار البيضاء، و30 بالمائة بمستشفى ابن سينا بالرباط، و10 بالمائة بكل من مستشفى الشيخ زايد بالرباط والمستشفى العسكري بالرباط وفاس ومراكش. وتبرع بالنخاع العظمي منذ شتنبر 2004، قرابة 215 حالة، 69 بالمائة منها بمستشفى ابن رشد بالدار البيضاء، فيما بلغت حالات التبرع بالقرنية منذ 2009 إلى أبريل الماضي 418 حالة مستوردة، و8 تبرعات في حالة موت دماغي و14 تبرع في حالة كلي. علماء يجيزون التبرع بالأعضاء «التبرع بالأعضاء» كان موضوع نقاش العلماء منذ سنوات وصدرت بخصوصه فتاوى من عدد من المجامع الفقهية والعلماء، أولى القرارات الفقهية في الموضوع صدرت سنة 1985 من قبل المجمع الفقهي الإسلامي إذ خلص المجمع في دورته الثامنة بمكة المكرمة إلى أن « أخذ عضو من جسم إنسان حي، وزرعه في جسم إنسان آخر مضطر إليه لإنقاذ حياته أو لاستعادة وظيفة من وظائفه الأساسية، هو عمل جائز لا يتنافى مع الكرامة الإنسانية بالنسبة للمأخوذ منه، كما أن فيه مصلحة كبيرة وإعانة خيرة للمزروع فيه». وفي سنة 2009، وبعد جدل دام سنوات، اتفق أعضاء مجمع البحوث الإسلامية على جواز نقل الأعضاء من الإنسان «الذي يثبت موته موتا حقيقيا يقينيا طبيا وشرعيا وأن يقر ذلك 3 من كبار الأخصائيين بالإجماع على أن يكون التبرع بدون مقابل مادي ويحقق المنفعة للشخص الذي يستفيد منه». وأكد علماء الدين والأطباء في بيانهم الخاص بالتبرع بالأعضاء أنه «يجوز أن يوصي الإنسان بموافقته على نقل أعضائه أو بعضها عند وفاته بما ينفع الآخرين، و أنه يجوز التبرع بدون مقابل من المسلم العاقل البالغ لآخر، وفق ما يرضاه ويختاره بدون مقابل مادي، كما يجوز التبرع للأقارب وغير الأقارب وفق ما تقتضيه المصلحة العامة». ورفض العلماء رفضا باتا بيع الإنسان لأي جزء من أجزاء جسده، مؤكدين أن ذلك «باطل ومحرم شرعا» ولكن «يجوز تبرع الحي بجزء من جسده لإنقاذ حياة شخص آخر أو لتحسين صحته»، وفق ما أقره جمهور الفقهاء، الذين أكدوا أن «أخذ جزء من جسد الحي أو الميت لإنقاذ حياة شخص آخر يجوز مع إقرار الأطباء ذوي الثقة الدينية والعلمية بذلك للتحقق من وفاته ومفارقته الحياة بشكل شرعي». في المغرب لم يصدر المجلس العلمي الأعلى بعد قرارا حول «التبرع بالأعضاء» بشكل عام لكنه تطرق إلى هذا الموضوع في فتوى أصدرها سنة 2009 بناءا على طلب تقدمت به «الجمعية المغربية لجراحة قرنية العين والمياه البيضاء وزرع العدسات» بالدار البيضاء، والتي التمست فيه استصدار فتوى من المجلس ببيان حكم شرع الإسلام في الوصية بالتبرع بقرنية العين في الحياة، وأخذها من المتبرع حين وفاته لفائدة زرعها في عين شخص آخر. وخلصت اللجنة بالمجلس العلمي الأعلى إلى الفتوى بالرأي الفقهي الذي يرى جواز أخذ قرنية العين من إنسان متوفى، أذن بها وتبرع بها في حياته، لغاية أخذها منه حين وفاته وزرعها في عين شخص آخر محتاج إلى الانتفاع بها في حياته، وأن التبرع بها من صاحبها يكون له أجره وثوابه عند الله تعالى، ويعد من الصدقة الجارية، إذا تم وفق الشروط الشرعية المطلوبة في كل من المتبرع، والمشرف على العملية المباشر لها، وكان عن نصح ونية خيرة حسنة، وإخلاص لله تعالى، الذي لا يضيع أجر من أحسن عملا. ومن هذه الشروط الشرعية التي وضعها المجلس العلمي الأعلى التي ينبغي أن ينضبط بها هذا النوع من التبرع والعملية الطبية والإنسانية المفيدة: 1- بالنسبة للمتبرع: ينبغي أن يكون تبرعه مجانيا، دون أخذ عوض أو مقابل، وناويا به وجه الله تعالى، وادخار مثوبته للحياة الأخرى، وقاصدا به نفع الغير في الدنيا. ذلك أن جميع أعضاء جسم الإنسان وسائر أنسجة بدنه ليست سلعة مادية تباع وتُشترى، وإنما هي كلها مخلوقة لله تعالى وملك له سبحانه 2 - وبالنسبةِ للقيام بإجراء هذه العملية، ينبغي أن تكون هناك مصلحة محققة يقينا، أو تغليب للظن ورجحانه، الذي يعتبره الفقه الإسلامي في عديد من الأمور والأحوال بمثابة اليقين المتأكد 3 - أن يقع التثبت والتأكد يقينا كذلك أو تغليبا للنظر بنجاح العملية وإفادتها للمتبرع عليها بالقرنية، وقابلية عينه لها، باعتبارها نسيجا جديدا يدخل جسمه، حتى لا تكون النتيجة عكسية. بنحمزة: التبرع جائز حتى لغير المسلمين الدكتور مصطفى بنحمزة رئيس المجلس العلمي المحلي لوجدة وعضو المجلس العلمي الأعلى ذهب أبعد من ذلك حين قال بجواز التبرع بالأعضاء لغير المسلمين كذلك، وهو الاجتهاد الذي قدمه بنحمزة سنة 2006 خلال مؤتمر بهولندا حول التبرع بالأعضاء. وخلص بنحمزة في تناوله لهذا الموضوع إلى أن دخول المسلمين مع غيرهم في تبادل التبرع بالأعضاء البشرية أمر جائز يقتضيه منطق العدل الذي يلزم الآخذ بأن يكون معطيا، ويلزم المستفيد بأن يكون مفيدا، كما يجوز هذا التبادل بناءا على أصل آخر هو أصل مراعاة المآلات وعواقب الأمور، لأن اقتصار المسلمين على الأخذ من غيرهم دون العطاء، يجعلهم الخاسر الأكبر حينما يمتنع الآخرون عن منحهم أعضاء ليعوضوا بها أعضاءهم التالفة. وانتقد بن حمزة الآراء الفقهية التي تبيح أخذ الأعضاء من غيرهم وتحرم على المسلمين إعطاءها إليهم ووصف مثل هذا الموقف بأنه غير عادل ولا منسجم مع منطق تقابل الأخذ بالعطاء، وهو موقف - يقول بنحمزة - يضر بصورة المسلمين «إذ يقدمهم على أنهم يتناقضون في مواقفهم ويعبثون بدينهم حين يبيحون الأخذ من الآخرين ويحرمون التبرع عليهم. في مقابل صورة الآخرين الذين يتبرعون لفائدة من يخالفونهم في الدين وفي الانتماء». وأضاف أن معالجة هذه القضية «تبدأ من الإشارة إلى ضعف هذا الموقف من الناحية الأخلاقية على الأقل، إذ لا يقبل أي مجتمع بفئة تأخذ ولا تعطي» واعتبر التبرع بأعضاء المسلمين لغير المسلمين من أجل العلاج، مندرجا ضمن وجوب إحياء النفس المنصوص عليها في الآية الكريمة: «ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً «، مشيرا إلى أن القرآن الكريم قصد بالإحياء جميع النفوس، وليست جميع النفوس نفوسا مؤمنة فقط، إذ فيها نفوس مؤمنة وأخرى غير مؤمنة. وقال عضو المجلس العلمي الأعلى: «إن الآية تعلمنا وحدة البشر وحرص كل منهم على حياة الجميع «. وأضاف بن حمزة في الفتوى أن استبقاء النفوس والحفاظ عليها تعتبر من مقاصد الشريعة الإسلامية وأن ذلك هو الأصل في تعامل المسلمين مع غيرهم.