قال سمير بودينار، رئيس مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماية بوجدة، لا يمكن اليوم في واقع متحرك حسم قضية المرجعية خارج المجتمع، «وواهم من يظن أن حسمها يمكن أن يتم فقط في إطار القانون أو الانتخابات والمؤسسات»، وأكد بودينار مساء أمس بالقنيطرة أن المجتمع ينبغي أن يبقى إطارا يحتكم إليه وأن المرجعية هي التي تحدد وتجيب عن سؤال القصدية بالنسبة للمجتمع. وأضاف بودينار، في إطار ندوة للتجديد الطلابي حول «أهمية الفكرة المرجعية في تجاوز معضلات الأمة الحضارية»، أن الأفكار التي تطرح خارج المرجعية تعد عبثية، وأنه لا بد من تجديد مصادر الفكر ليتجدد السلوك والفعل «التأصيل قبل التنظير»، وأضاف أن المرجعية هي التي تأسس عليها منظومة القيم الحاكمة والموجهة لسلوك الأفراد في المجتمع. وأردف أن جزء من الأنانيات الفردية وسيادة ثقافة اللامعنى يعود إلى غياب المرجعية. وقال أيضا أنه دون مرجعية ثابتة لا يمكن للفرد بناء منظومة قيم، كما أن من سماة هذه المرجعية أن تكون مطلقة لدى معتنقيها وذلك سواء أكانت المرجعية دينية أو غير دينية، ثم أن تكون ضرورية لاستمرار المجتمع، ثم العنصر الثالث أن تكون عمومية. وأضاف أستاذ علم الاجتماع السياسي، بالقول إنه لا يمكن لمجتمع أن يعيش حياة مشتركة دون مرجع جامع وضابط لأبنائه، وأن القوانين تأتي كمتمم للانتماء الأصلي للمجتمع وأنه لا ينبغي حدوث العكس كما هو في الغرب حيث بني القانون على حساب الانتماء. من جهته اعتبر حسن العلمي السجلماسي، في ذات الندوة التي احتضنتها كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن طفيل، (اعتبر) أن تخلف الأمة الإسلامية هو نابع أساسا من عناصر ذاتية وأن هلاك الأمم الأخرى لن يكون سببا في تقدم المسلمين، كما انتقد السجلماسي، سيطرة نظرية المؤامرة على فكر الكثير من المسلمين والمتمثلة في تعليق فشلهم على الآخر. وأضاف مدير معهد الغرب للأبحاث والدراسات، أن من يريد الانطلاق من الصفر لن يجني سوى المهالك، وأنه لا مناط من دراسة ما سبق من التجارب والانطلاق إلى تجديد الفكر الديني، وأيضا استكناه السنن الكونية والتي لا تحابي أحد بالنظر إلى دينه أو لونه أو عرقه. وقال السجلماسي، أيضا بأن المسيء لأصول الدين لا يمكن أن يجدد فيه في إشارة منه إلى بعد التيارات الشيعية، كما قال أنه يشترط العلم بالتطورات ومتطلبات العصر، وذلك ضمن حديثه عن شروط المجدد، وذلك إلى جانب صدق الانتماء وحسن التنزيل. وعن التراث الإسلامي، قال السجلماسي صاحب مؤلفات مختلفة حول تجديد الفكر الإسلامي والنقد الذاتي للحركة الإسلامية وغيرها، إن هذا الأخير اختلط فيه الحابل بالنابل وقال أنه اختلط بأمور دخيلة عن هذا الدين وتنتمي إلى عقائد وثنية، كما قال أن من مقاصد الإصلاح والأولويات الانطلاقة الصحيحة، معتبرا أن من ضيع نقطة الانطلاق لا يمكنه الوصول إلى حيث يريد، كما أكد على ضرورة اختيار الرجال الأقوياء لأن الفكرة والمشاريع وحدها غير كافية لنهضة الأمة وتقدمها. إلى ذلك ركزت مريم آيت أحمد، العضو المؤسس للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في مداخلتها ضمن الندوة الصباحية لليوم الثالث من فعاليات المنتدى الوطني 14 للحوار و الإبداع الطلابي، (ركزت) على الحاجة الملحة إلى قيام ثورة ثقافية حقيقية، معتبرة أن الثورة على الذات هي منطلق لإنجاح المشاريع النهضوية، والتي سطرت مراحلها في مرحلة الصحوة ثم مرحلة اليقظة، قائلة: « النهضة لا تتأتى إلا من خلال تنظيم لعالم الأفكار التي تم اكتسابها في مرحلة اليقظة». كما أشارت الدكتورة مريم التي تعد عضوا مؤسسا أيضا في المنتدى العالمي للوسطية، إلى أسباب تأخر المشاريع النهضوية في العالم الإسلامي من تعصب للاتجاه و جمود فكري، وهو ما أدى حسبها إلى تغييب العقل وتكريس سياسة الإتكالية و الإتباع. داعية إلى ضرورة الابتعاد عن الاختلاف ومحاولة الانفتاح، وكذا ضرورة إيجاد الفكرة المحفزة لشحن الهمم و تجديد الثقة الذاتية. وقالت مخاطبة عموم الحضور من أساتذة و باحثين و طلبة، «الطالب هو النخبة المثقفة التي تحمل مشعل النهضة»، مشيرة إلى ضرورة الاهتمام بالشباب و ترشيدهم. في ختام كلمتها طرحت الأستاذة في جامعة ابن طفيل بعض المقترحات للإجابة عن سؤال: كيفية إعداد رواد النهضة؟ و التي لخصتها في ضرورة العودة إلى الذات من خلال المعرفة الحقيقية للقدرات والبحث والتقويم، وكذا تحديد إستراتيجية خطة عمل وتفعيل المعرفة و إنتاجها وإنشاء حزمة من المؤسسات والجامعات ومراكز البحث. من جانبه عبر الطالب الباحث والرئيس الأسبق لمنظمة التجديد الطلابي، مصطفى الفرجاني، في مداخلته عن اتفاقه مع المتدخلة آيت أحمد، حول كون أهم أسباب تراجع المشروع الحضاري الإسلامي راجع إلى التجزئة، حيث تم تكريس الأنا من خلال تحجيم و إقصاء الآخر. كما نوه الفرجاني بطرح المنظمة لموضوع النهضة نظرا لأهميته، خاصة مع موجة الربيع الديمقراطي التي تعيشها معظم دول العالم الإسلامي، داعيا الشباب إلى ضرورة تقديم إضافات نوعية للتراكمات السابقة، من أجل الإسهام في المشروع الحضاري الإسلامي، مستدلا بالثورة الفرنسية التي لم تجد لها تطبيقا إلا بعد مرور قرن من الزمن تقريبا. كما سلط الفرجاني الضوء على أسباب فشل تنزيل مشروع النهضة والتي لخصها في: الاستعمار غير المباشر والتدخل الغربي بدعم من الحركة الصهيونية لمنع أي نهوض حضاري إسلامي وأيضا إلى عدم وجود توازن و تكافئ بين السلطة والمجتمع. وطرح الفرجاني إشكالية عدم وجود أجوبة شافية لإخفاقات الفترة الماضية، مع وجوب الوعي الأساسي بهذه اللحظة.