يعتبر المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة، أن إصدار تقرير الحالة الدينية في المغرب في نسخته الثانية، مشروعا علميا ممتدا، يهدف إلى إحداث تراكم كمي وكيفي في دراسات العلوم الاجتماعية للتدين في المغرب، وعلى المستوى البعيد إلى تأسيس نموذج تفسيري قادر على تقديم معرفة علمية دقيقة بأهم التحولات ورصد الاستمراريات والقطائع في المجال الديني، الأمر الذي يحتاج إلى تأن ودقة في الوصف والتحليل والاستشراف. يأتي مشروع تقرير الحالة الدينية كما يقدمه المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة، ليعزز البحث في قضايا الحقل الديني من منظور العلوم الاجتماعية، وتقديم وصف وتحليل واستشراف الحالة الدينية في المغرب، وتقديم معرفة دقيقة إلى الفاعلين وصناع القرار من أجل العمل على التأثير في السياسات العمومية في هذا المجال. وقد سمحت الفترة الممتدة من إصدار التقرير الأول للحالة الدينية في المغرب إلى اليوم، لمنتجي التقرير الاستفادة من تراكم علمي ومعرفي في هذا الموضوع، من خلال اللقاءات التي جمعتهم بعدد من الفاعلين الدينيين والأكاديميين وصناع القرار، مكنت من تعميق النقاش والفهم للقضايا المتعلقة بالحالة الدينية في المغرب، وقد ساهمت هذه النقاشات في توسيع إدراك أبعاد جديدة في موضوع الدراسة، مما سيساعد في تقوية القدرة التحليلية والتفسيرية للتقرير. انطلاقا من الملاحظات المنهجية النظرية والإجرائية الإمبريقية، التي توصل إليها الفريق البحثي لتقرير الحالة الدينية الثاني عن طريق النقاشات الداخلية، أو من خلال الملاحظات الخارجية من طرف مختلف الفاعلين، أو البحوث الميدانية المنجزة في هذا الإطار، استطاع الفريق البحثي إعطاء هذا التقرير بعدا تحليليا أعمق، من خلال تجاوز بعض النقائص التي اعترت الإصدار الأول من تقرير الحالة الدينية في المغرب. لقد كان المقصد الأساسي من التقرير الأول، هو إطلاق ورش بحثي كبير، اكتفى بعملية وصف ورصد الوقائع الخاصة بالحالة الدينية في المغرب، من دون الدخول في تحليلها، وهو اختيار منهجي مقصود ومفكر فيه، يعكس تقديرا سليما لتفادي المغامرة في الرغبة في التقدم في التحليل من دون التوفر على المعطيات الكافية، مما يجعل القدرة التعميمية للدراسة محدودة، وقد تأكدت صوابية هدا الاختيار لاحقا. إذ إن هدف إصدار تقرير حول الحالة الدينية في المغرب، يتجلى أولا وبشكل أساسي في رصد الوقائع معلوماتيا، ثم بعد ذلك العمل على فتح نقاش علمي داخل « الجماعة العلمية» في العلوم الاجتماعية حول الموضوع بمختلف مرجعياتهم الفكرية وتحيزاتهم المعرفية، ثم أيضا العمل على فتح نقاش عمومي حول الموضوع مع مختلف الفاعلين. وقد خلص التقرير الى توجهات: 1. استمرار مؤشرات صعود التدين 2. تواصل المبادرات المؤسساتية 3. سعي الفاعلين الإجتماعيين في المجال الديني للتكيف مع التحولات 4. استمرار تحديات محدودية أثر صعود التدين على العلاقات الاجتماعية، حيث اصبح 5. تنامي تأثير قضايا الحقل الديني على السياسات الوطنية والدولية للمغرب. المحور الأول: الواقع الديني بالمغرب يقوم هذا الفصل برصد التوجهات الدينية الكبرى للمغاربة، وإعطاء صورة أولية لحركية هذه التوجهات، عبر استثمار التطور الحاصل في البحث الاجتماعي في هذا المجال، فقد تميزت سنتا 2009 و2010 بإنتاج عدد من الدراسات الميدانية الكمية حول موضوع التدين والهوية والقيم، بشكل يسمح بالاستمرار في مراكمة المؤشرات الرقمية حول تطور الممارسات والتمثلات الاجتماعية حول الدين والتدين عند المغاربة خلال السنوات الأخيرة، بشكل يسمح لنا بإنجاز مقارنات جغرافية وتاريخية بين الدراسات المنجزة حتى تتسنى معرفة التطورات التي عرفتها الحياة الدينية في المغرب خلال هذه السنتين، وقد توقف التقرير عند أربع دراسات سوسيولوجية ميدانية، واحدة أنجزها المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة حول الشباب المغربي والتدين، وثلاث دراسات أجنبية، أولا: دراسة أنجزتها جامعة ماريلاند حول الرأي العام العربي وقضايا الهوية والقيم، ثم ثانيا تقرير أنجزه معهد غالوب سنة 2010 حاول مقاربة التدين من خلال إبراز العامل الاقتصادي من جهة والتركيز على مؤشرات خاصة بالثقة في المؤسسات وممارسة الشعائر الدينية من جهة ثانية، ثم أخيرا تقرير صادر عن مؤسسة آنا ليند سنة 2010 تمت مقاربة مسألة الجانب المتعلق بالتنشئة الدينية للأبناء. وحسب دراسة الشباب والتدين التي أنجزها المركز فقد وصل عدد الشباب الذين يؤدون صلاهم بانتظام إلى 47 في المائة، ويظهر من خلال النتائج تفوق الإناث على مستوى أداء شعيرة الصلاة حيث وصلت إلى حوالي 59 في المائة، في حين وصلت بالنسبة للذكور إلى 36 في المائة. كما يعتبر إمام المسجد المصدر الرئيسي للمعرفة الدينية عند الشباب بنسبة 40 في المائة، تليه الأسرة بنسبة 23 في المائة. وبغية رصد تجليات هذا التوجه الديني، تناول التقرير في البداية المؤشر الأول الخاص بالمساجد، بحيث تمثل حركة بناء المساجد والإقبال عليها أحد التجليات الأبرز للتدين المغربي، إن على مستوى إسهام المحسنين في بنائها أو الإقبال عليها وكذا تنامي الإشعاع العام للمساجد، إذ يوجد في المغرب حوالي 49 ألف و 700 مسجد: منها 18 ألف و300 مسجد جامع و9000 مصلى للعيدين، كما عرفت سنتا 2009 و2010، تخصيص حوالي 130 مليون درهم خلال سنتين كإعانة لدعم القيمين الدينيين، و860 مليون درهم منحة سنوية للأئمة، 78 مليون درهم لتأهيل القيمين الدينيين، و19 مليون درهم كتعويضات لمتعهدي أجهزة التلفاز في المساجد. كما تم في سنة 2009 تخصيص ميزانية قدرها 1.13 مليار درهم في إطار الخطة الوطنية للارتقاء بالمساجد، وفي سنة 2010 تم إصدار الظهير المنظم لمؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للقيمين الدينيين ،أما المؤشر الثاني فيعالج موضوع صيام رمضان وقد توقف التقرير عند مميزات تدين المغاربة في رمضان، من ارتفاع وتيرة الإقبال على المساجد وتضاعف عدد رواد حلق قراءة الورد القرآني اليومي في المساجد، وكثافة الأنشطة الإحسانية والتكافل الإجتماعي عن طريق ما يسمى «قفة رمضان» وتنامي برامج وعظ تشرف عليها المجالس العلمية المحلية، وقد رصد التقرير في المؤشر الثالث الحج، باعتباره يمثل حدثا استثنائيا في حياة المغاربة بالنظر إلى تراث تاريخي من الارتباط به وإلى تقاليد متجذرة في التعلق به حيث أدى نظام القرعة إلى التمكن من تدبير الطلب المتزايد، وبعض التحديات المرتبطة بتدبيره، حيث حددت حصة المغرب: 32 ألف مقعد (حاج)، كما ارتفع عدد طلبات الحج من 120 ألف طلب سنة 2007 إلى 220 ألف طلب سنة 2009 و أزيد من 270 ألف طلب سنة 2010، وتم تخصيص 15 في المائة من المقاعد لكبار السن.والمؤشر الرابع يتعلق بالإفتاء الرسمي والتوجيه الديني من خلال رصد تنامي الأنشطة الخاصة بالوعظ والإرشاد في المساجد والدروس الحسنية وغيرها، أما المؤشر الخامس، فقد هم العناية بالقرآن الكريم والتعليم العتيق ودور القرآن من خلال رصد الأنشطة والمبادرات الشعبية بالحفاظ على دور القرآن والعناية برواده، والمؤشر السادس ركز على حركة الإصدار الديني عبر رصد تنامي الاهتمام بنشر الكتاب الديني في مواضع مختلفة، حيث تم إنتاج حوالي300 كتاب في مختلف صنوف المعرفة الدينية خلال 2009 و2010، وقد تصدرت الرابطة المحمدية للعلماء مجال الإنتاج الديني في المغرب بحوالي 40 كتابا خلال هذه السنتين. المؤشر السابع، ركز على موضوع الوقف حيث عرفت هذه السنة جمع النصوص الخاصة بهذا المجال ووضعها في مدونة للوقف الإسلامي، وكذا الأنشطة والمبادرات التي همت الاعتناء به والرفع من مردوديته واستثماره في مبادرات نوعية، وأخيرا المؤشر الثامن، تضمن موضوع التمويلات البديلة والمستجدات التشريعية المرتبطة به وأنواعه والتحديات المرتبطة بتدبيره على المستوى الاقتصادي والاجتماعي. المحور الثالث: تحديات التدين بالمغرب يتناول هذا المحور مختلف الجوانب التي تعترض تحقيق تدين قريب من النموذج المعياري، قد تم تحديد هذه التحديات انطلاقا من مجموعة من الاعتبارات المنهجية الناظمة للتقرير، وقد تم رصد 9 مستويات لرصد التحديات نعرض لها على الشكل التالي: أولا: على المستوى الأخلاقي والقيمي وتضم عدد من المؤشرات الفرعية هي: الدعارة والاتجار في البشر، والعلاقات الجنسية،.والمخدرات، و.القمار، والجريمة، والرشوة بالمغرب، ثم ثانيا: على المستوى الأسري من خلال رصد واقع الأسرة المغربية وتحدياتها، والتحولات الديمغرافية التي عرفتها، وتأثير الهجرة النسوية الداخلية، ومقاربة ظاهرة الإجهاض وظاهرة الأمهات العازبات في المغرب والعنف ضد النساء، ثم أثر تعديلات مدونة الأسرة على المجتمع، من خلال تنامي ظاهرة الطلاق وأخيرا التفاعلات الدولية الخاصة بالأسرة المغربية. التحدي الثالث يتعلق بالجانب الطفولي وما يرتبط به من استغلال الجنسي للأطفال بالمغرب حيث عرفت سنتا 2009 و2010 حراكا دالا بخصوص التحرش الجنسي والاعتداء الجنسي على الأطفال، عكسه حجم الوقائع والأحداث الخاصة بهذا الموضوع في المغرب، فقد تناولت عدد من المجلات والجرائد موضوع التحرش الجنسي سواء من خلال ملفات أو ربورتاجات وشهادات أو مقالات للرأي، كما عرفت الظاهرة أيضا حراكا شعبيا ومدنيا من خلال البيانات والعرائض المنددة بهذه الممارسة المشينة. رابعا: التحديات على المستوى اللغوي والثقافي، فقد شكل النقاش اللغوي محور اهتمام مختلف الفاعلين السياسييين والعلميين والمجتمعيين خلال سنتي 2009 و2010 . فمنذ ندوة المجلس الأعلى للتعليم خلال شهر أكتوبر 2009 حول موضوع: « تدريس اللغات وتعلمها في منظومات التربية والتكوين: مقاربات تشخيصية واستشرافية»، توالت الأنشطة والندوات والملتقيات والمحاضرات التي تعالج السؤال اللغوي بالمغرب أو قضية من قضاياه المتشعبة. التحدي الخامس، التعليمي، حيث عرفت سنتا 2009 و2010 حركية دالة على المستوى التعليمي، بحيث برزت مجموعة من الظواهر في الفضاء المدرسي، خصوصا ظاهرة الغش وتعاطي المخدرات والرشوة في المدارس المغربية والتحرش الجنسي بالتلميذات، مما يعكس حجم التحولات القيمية التي أصبحت تعيشها المدرسة المغربية. سادسا التحدي المذهبي، فقد عرفت سنتا 2009 -2010 تطورا نوعيا في الملف الشيعي بالمغرب حيث شهد تدخلا من طرف الدولة لإيقاف المد الشيعي الذي كانت ترعاه حسب المسئولين المغاربة السفارة الإيرانية بالرباط ، وقد جاء ذلك اثر توتر العلاقة بين البلدين حيث وصلت إلى درجة القطع وإغلاق السفارتين. التحدي السابع، التحدي التنصيري، حيث شهدت سنتا 2009 و 2010 حملة تنصيرية استهدفت المغرب، انتقلت من استهداف الفئات الاجتماعية الهشة والهامشية واستغلال الفقر والأمية والجهل من اجل نشر التنصير في المغرب، إلى استهداف التيارات التنصيرية للأطفال والقاصرين، وهو ما دفع بالسلطات المغربية إلى القيام بإجراءات للتصدي لهذه الظاهرة، مما أثار جدلا محليا ودوليا بخصوص الحريات الدينية في المغرب. التحدي الثامن والأخير: التحدي التطبيعي، اتخذ مسلسل التطبيع المغربي مع الكيان الصهيوني مسارات متعددة ومتفاوتة من حيث درجة الأهمية، إلا أنها متداخلة ومتكاملة، تجمع بين المعلن والمخفي وتتفاوت وتيرتها من سنة لأخرى. وقد عرفت سنتا 2009 و 2010 العديد من اللقاءات بين المغرب وإسرائيل، سواء الرسمية وغير الرسمية، من طرف شخصيات حكومية ومدنية. كما تنوعت مداخل التطبيع بين عدة مجالات: التطبيع السياسي الديبلوماسي، والفلاحي، والفني، والجمعوي المدني، والفكري الثقافي، والسياحي، والاقتصادي، والرياضي. المحور الثاني: الفاعلون الدينيون سعى التقرير في هذا المحور إلى رصد أداء الفاعلين في الحقل الديني بالمغرب واستجلاء توجهاتهم وأنماط تفاعلاتهم، وآثار هذا الفعل على باقي مناشط المجتمع والدولة، ويتشكل الحقل الديني من شبكة من الفاعلين، تتعدد رهاناتهم ومسارات فعلهم وتأثيرهم ومستويات اشتغالهم ووتيرة حركيتهم، مما يستدعي ضرورة رصد قدرتهم التأثيرية في أنماط التدين ومدى تأثيرهم على مسارات تطور حالة التدين بالمغرب.يتكون من مؤسسات هي أولا: مؤسسة إمارة المؤمنين، ثانيا: العلماء، ثالثا: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، رابعا: الطرق والزوايا الصوفية، خامسا: الحركات الإسلامية. المحور الرابع: تفاعلات الديني الاقتصادي السياسي الثقافي في هذا المحور حاول التقرير العمل على رصد تفاعلات الحقل الديني مع باقي الحقول الاجتماعية الأخرى، والآثار الناجمة عن هذا التفاعل، وقد تم اختيار ثلاث تفاعلات أساسية، وهي أولا: تفاعلات الاقتصادي -القيمي حيث أشار تقرير منظمة الشفافية الدولية حول مؤشر الفساد: بأن المغرب قد احتل الرتبة 89 سنة 2009 و85 سنة 2010، وبأن الفساد في المغرب يلتهم 2 بالمائة من الناتج الداخلي الخام. كما صدر تقرير في يونيو 2009 عن البنك العالمي اعتبر أن غياب سياسة تقديم الحساب لا تساعد على بلوغ الأهداف، بل بل تؤدي تبذير الأموال العمومية والاختلاس والرشوة بالمغرب، وبالتالي تراجع الحماس لفعل التنمية. الفصل الثاني يتعلق بالتفاعل الديني -الثقافي، حيث أثارت قضية المرجعية وموقع الدين في الحياة العمومية جدلا خلال سنتي 2009 و2010. وقد ارتكز الخطاب العلماني على 3 مقولات أساسية، أولا: الدعوة لسمو المرجعية الدولية على القوانين الوطنية، ثانيا: الدعوة إلى فصل الدين عن السياسة، ثالثا: التخويف من الإسلاميين. أما الفصل الثالث فقد تناول التفاعلات الدينية-السياسية، أولا تناول الأحزاب وقضايا الهوية، حيث عرفت سنتا 2009 و2010. توجيه حوالي 133 سؤال كتابي وشفوي إلى وزارة الأوقاف، مقابل حوالي 177سؤال كتابي وشفوي إلى باقي القطاعات الأخرى. ثانيا التفاعل السياسي-الأمني مع التيارات الدينية، خصوصا تفاعلات ملف السلفية الجهادية، ورصد الخلايا المفككة واشتباه الارتباط بالقاعدة، ثم المساندة الحقوقية والجمعوية لمعتقلي السلفية الجهادية، وأخيرا مسألة الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية ووضعيتها القانونية، والمتمثلة في البديل الحضاري، حزب الأمة. المحور الخامس: اليهود المغاربة وفي الفصل الأخير من التقرير، يرصد التقرير وضعية اليهود المغاربة، الذي ينطلق من الإطار التاريخي للجماعات اليهودية المقيمة بالمغرب، وتشكلات الهوية اليهودية المغربية، وتاريخ هجرة اليهود المغاربة، وجرد لأهم المواسم اليهودية، وتفاعل اليهود المغاربة في الحياة العامة بصفة عامة، ووضعيتهم في مدونة الأحوال الشخصية، وأخيرا موقف اليهود المغاربة من العدوان الأخير على غزة، ويسجل التقرير وجود مسارين من ناحية التقلص العددي لليهود المغاربة بفعل الهجرة والتي تطال الشباب بشكل خاص حيث لا يتجاوز العدد حاليا 3000 يهودي مغربي، وفي المقابل غياب تسجيل حالات توتر بين اليهود وباقي المغاربة إلا من استثناءات نادرة تتداخل فيها اعتبارات غير دينية، كما سجل التقرير عودة متنامية للاهتمام الروحي إحياء المناسبات الدينية في مزارات اليهود المغاربة.