أكد ناشطون وشهود عيان في سوريا أنهم عثروا على جثث ما يقرب من 60 شهيدًا معظمها لأطفال ونساء في حيَّي كرم الزيتون والعدوية في مدينة حمص، يأتي ذلك بعد ارتقاء نحو 80 شخصًا بنيران جيش «الأسد» وقوات الأمن التابعة له، معظمهم في إدلب، بينهم 20 أعدموا بجانب أحد مساجد المدينة. في وقت أعلن فيه المبعوث الأممي العربي إلى سوريا كوفي عنان أنه متفائل، وأنه قدم حزمة مقترحات، رغم إقراره بصعوبة الوضع، وعدم التوصل بعد إلى اتفاق بعد لقائه بالرئيس السوري ومسؤولين حكوميين، فيما جدد وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل مطالبته بتسليح الشعب السوري لحماية نفسه من اعتداءات ميليشيات بشار الأسد، مؤكداً عدم وجود موقف عدائي تجاه دمشق، بالتوازي مع إعلان العراق تأييده لتغيير النظام في سوريا من دون تدخل عسكري. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان لوكالة «فرانس برس»، أمس، بأن مئات العائلات نزحت من بعض أحياء حمص، لاسيما حي كرم الزيتون، بعد المعلومات عن المجزرة. وأكد رئيس المرصد رامي عبد الرحمن وقوع «مجزرة» راح ضحيتها نساء وأطفال في حي كرم الزيتون دون أن يحدد عدد الضحايا. وقال هادي عبد الله، الناشط المحلي في الهيئة العامة للثورة السورية، ل»فرانس برس»: «عثر على جثث ما لا يقل عن 26 طفلاً و21 امرأة في حيي كرم الزيتون والعدوية بعضهم ذبحوا وآخرون طعنهم الشبيحة». وتابع عبد الله أن «عناصر من الجيش السوري الحر تمكّنوا من نقل الجثث الى حي باب سباع في حمص الأكثر أماناً. وقال: «لقد تعرّض بعض الضحايا للذبح بالسكاكين وآخرون للطعن. وغيرهم، خصوصاً الأطفال، ضربوا على الرأس بأدوات حادة. وتعرضت فتاة للتشويه، بينما تم اغتصاب بعض النساء قبل قتلهن». وأظهرت صور متداولةً على شبكة الإنترنت لجثث 20 امرأة و25 طفلاً على الأقل تبدو عليها آثار طعن. وقال الناشطون لقناة «الجزيرة» الإخبارية: إن مليشيات موالية للنظام السورى «الشبيحة» ذبحوا 20 امرأة و25 طفلا فى حيي «كرم الزيتون» و»العدوى» في مدينة حمص. وعرضت «الجزيرة» صورا للعديد من جثث القتلى من النساء والأطفال، فيما وصفه الناشطون بالمذبحة. وقال ناشطون من حمص إن موالين للنظام السوري ذبحوا هؤلاء النساء والأطفال بالسكاكين والسيوف ورموا جثثهم، كما اغتصبوا عددًا من النسوة قبل قتلهن. وعلى الأثر، دعا المجلس الوطني السوري المعارض، أول أمس، إلى «جلسة عاجلة» لمجلس الأمن الدولي، موضحاً أن «المجزرة» ارتكبت الأحد. وقال المجلس الوطني السوري إنه «يجري الاتصالات اللازمة مع كافة المنظمات والهيئات والدول الصديقة للشعب السوري بغية الدعوة لعقد جلسة عاجلة لمجلس الأمن الدولي»، بحسب ما ذكرت وكالة فرانس برس. وتابع بيان المجلس الوطني «أن الدول التي تساند النظام المجرم تشاركه المسؤولية عن أفعاله وجرائمه»، في إشارة الى روسيا والصين اللتين تدعمان نظام بشار الأسد واستخدمتا حق النقض لاعتراض قرارين لمجلس الامن الدولي يدينان القمع في سوريا. ومن المتوقع أن يكون مجلس الأمن الدولي قد عقد مساء أمس اجتماعاً بحضور عدد من وزراء الخارجية هم الأمريكية هيلاري كلينتون والروسي سيرغي لافروف والبريطاني وليام هيغ والفرنسي آلان جوبيه والألماني غيدو فسترفيلي. وكانت الاشتباكات قد تواصلت، أول أمس، في مناطق من العاصمة السورية دمشق بين الجيش السوري والجيش الحر؛ حيث تحدثت الهيئة العامة للثورة السورية عن اشتباكات في حي ركن الدين وشارع الثورة في قلب دمشق بين الجيش النظامي والجيش الحر. من جانبها، أكدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أنها وثَّقت أسماء 36 شهيدًا ارتقوا، أول أمس، في مناطق مختلفة من سوريا، وقالت الهيئة العامة إن 13 شهيدًا ارتقوا في إدلب بقصف مدفعي استهدف منازل في المدينة. وذكرت «شبكة شام» أن القصف تجدَّد على مدينة إدلب منذ ساعات الصباح الأولى من أول أمس في ظل استمرار الاشتباكات بين الجيش النظامي والجيش الحر التي تركَّزت في حي الضباط، وأشارت إلى أن كتيبةً من المشاة قامت بعملية تمشيط ودهم واعتقالات في الحي وكلية الآداب، فيما قال ناشطون إن الجيش الحر دمَّر دبابتين وشاحنةً محملةً بالشبِّيحة في طريق أحسم البارة. وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن: «إن قوات عسكرية وأمنية تنتمي للجزار الأسد اقتحمت قرية الجانودية التابعة لجسر الشغور، وبدأت حملة مداهمات واعتقالات». وأضاف: «إن اشتباكات عنيفة دارت بين مجموعات من الجيش الحر وقوات الجيش النظامي في قرية الجانودية منذ صباح الأحد؛ مما أسفر عن مقتل 3 جنود من القوات النظامية وإعطاب ناقلة جند مدرعة»، مشيرًا إلى أن «الجيش يستعدُّ لشنِّ هجوم ضد الجيش الحر في منطقة جبل الزاوية» التي يتركز فيها عدد كبير منهم. وتكتسب محافظة إدلب أهميةً إستراتيجيةً بسبب وجود أكبر تجمع للجيش الحر فيها، لا سيما في جبل الزاوية، كما أنها مناسبة لحركة الجيش السوري الحر بسبب مناطقها الوعرة وقربها من الحدود التركية، واتصالها جغرافيا بريف حماة الذي تنشط فيه أيضا حركة الانشقاق عن الجيش النظامي. عنان.. "متفائل"! في الأثناء، وعلى الصعيد السياسي، أكد المبعوث الأممي العربي إلى سوريا كوفي عنان أنه متفائل بعد جولة ثانية من المحادثات مع الأسد، لكنه اعترف أنه سيكون من الصعب التوصل لاتفاق لوقف إراقة الدماء في المدن السورية التي اندلعت فيها تظاهرات للمطالبة بإسقاط نظامه، وتسوية الأزمة السياسيّة في البلاد. وقال عنان، في مؤتمر صحفي بعيد اجتماعه بالأسد: «سيكون الأمر شاقًا.. سيكون صعبًا لكن علينا التحلي بالأمل، وأشعر بتفاؤل لعدة أسباب»، دون أن يفصلها. وأضاف: «إنه عرض على الرئيس السوري إجراءات ملموسة سيكون لها أثر حقيقي على الميدان، وتساعد على إطلاق مسار يرمي إلى إنهاء الأزمة». وأوضح أن المحادثات تمحورت حول الوقف الفوري للعنف والقتل، والسماح للوكالات الإنسانية بالنفاذ، والحوار، مشددًا على أن الرد الواقعي يكمن في التغيير وتبني إصلاحات ترسي أسسا متينة لسوريا ديمقراطيّة ولمجتمع سلمي ومستقر يقوم على القانون واحترام حقوق الإنسان. وكان أنان التقى، أول أمس، الأسد في دمشق. وقالت الأممالمتحدة إنه عرض عليه مقترحات لإنهاء الأزمة، وحثه على اتخاذ إجراءات ملموسة لذلك. وتشمل المقترحات التي عرضها موفد الأممالمتحدة والجامعة العربية على الأسد إنهاء العنف، والسماح بوصول المساعدات إلى المناطق السورية المتضررة من العمليات العسكرية، والإفراج عن المعتقلين، وإرساء حوار بين السلطة والمعارضة. لكن صحيفة «الإندبندنت» البريطانية أشارت إلى أن زيارة عنان لم تحقق أي تقدم لحل الأزمة وأن المبعوث العربي الأممي عاد «خالي الوفاض». وقالت الصحيفة في تقرير لها نشرته، أمس الاثنين، تحت عنوان «عنان يفشل في إطلاق محادثات سلام في سوريا»: إن مبعوث الأممالمتحدة غادر البلاد خالي الوفاض يوم (أول) أمس دون التوصل إلى اتفاق لإنهاء الأزمة». وتشير «الإندبندنت» إلى أن عنان التقى خلال زيارته إلى سوريا «وجها لوجه بالنشطاء الذين شهدوا فظائع الانتفاضة السورية الدامية»، وعقد جلسة ثانية من المباحثات مع الأسد قبيل مغادرة دمشق. وأوضحت الصحيفة أن «العجز البادي على المجتمع الدولي في وجه العنف الذي حصد حوالي 7500 شخص» هو أمر يبعث على الإحباط، والجهود التي قام بها عنان «هي مثال على ذلك». وقالت الصحيفة إن السلطات السورية لم تقبل أي من المقترحات التي تقدم بها عنان ولا حتى فكرت فيها، في الوقت الذي تحولت فيه أجزاء من مدينة حمص إلى ركام والآلاف يواجهون كارثة إنسانية بعد عام من القتال. واختتمت الإندبندنت بقولها «لا يزال نظام الأسد يقول إنه يحتاج إلى المزيد من الوقت» لبحث طلب للسماح بجهود منظمات الإغاثة الدولية. مواقف داعمة من جهته، طالب الفيصل بتسليح الشعب السوري، غير أنه أكّد عدم وجود أي موقف عدائي سعودي تجاه النظام السوري، وأن بلاده لا تركّز على إسقاط النظام، واصفاً مواقف روسيا والصين من الأزمة بأنها “غير مبررة أخلاقياً ولا قانونياً”. ودعا خلال مؤتمر صحافي في الرياض مع نظيره الألماني غيدو فيسترفيله، إلى “ضرورة السماح للشعب السوري بالتسلّح لحماية نفسه ضد الأعمال والممارسات الوحشية التي يشنها النظام لقمع الاحتجاجات”. كما دعا إلى العمل على فتح قنوات لتوصيل المساعدات، مؤكداً ضرورة مواصلة الجهود الدولية لحل الأزمة”. من جانبه، أكد وزير الخارجية الألماني أن “القانون الدولي لا يبرر هذا النوع من المذابح والعنف”، ودعا المجتمع الدولي إلى أن “يضطلع بدوره الإنساني في إنقاذ الشعب السوري”. وشدد على “ضرورة حماية الشعب السوري والضغط على النظام للسماح بإيصال المساعدات”. في غضون ذلك، أعلنت الحكومة العراقية عن تأييدها ولأول مرة للثورة السورية ضدَّ نظام بشار الأسد، مؤكدة أنها تؤيد أيضًا تغييرًا جذريًا للحكم في سوريا، مستبعدة في الوقت ذاته التدخُّل العسكري في هذا البلد. ونقلت صحيفة «الشرق الأوسط» عن المتحدث باسم الحكومة علي الدباغ «أن العراق يساند الشعب السوري «، مشددًا على ضرورة «حصول تغيير جذري في نظام الحكم بسوريا من دون تدخل العراق». وأضاف الدباغ أنَّ «التدخل العسكري في الأوضاع السورية سيشعل النيران فيها»، معتبرًا أن» أول من ستطاله تلك النيران هو العراق». وكان رئيس الوزراء نوري المالكي اعتبر في فبراير الماضي أنَّ الاستقرار في سوريا لا يمكن أن يتحقق دون إحداث تغيير، لافتًا إلى أنّ الحل يكمن في إجراء انتخابات تحت إشراف دولي وعربي. وكان العراق قد أعلن عن مواقف عدة بشأن الأزمة السورية وفي أكثر من مناسبة أنه يُحيّد نفسه فيها، حيث نأى بنفسه عن قرار الجامعة العربية في الثاني عشر من شهر نونبر 2011 بتعليق عضوية سوريا حتى تنفيذ الخطة العربية لحل الأزمة، فضلاً عن سحب السفراء العرب من دمشق، فقد امتنع عن التصويت على القرار الذي عارضه لبنان واليمن وسوريا، ووصفت الحكومة العراقية القرار ب»غير المقبول والخطر جدًا»، مؤكدة أن هذا الأمر لم يتخذ إزاء دول أخرى لديها أزمات أكبر.