أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرها السنوي حول أوضاع حقوق الإنسان في المغرب، كما دأبت على ذلك كل عام، ويختص التقرير الأخير بتقصي أوضاع حقوق الإنسان في بلادنا خلال السنة الماضية 2001. والمعروف أن الخارجية الأمريكية تعمل منذ سنوات عدة على نشر تقرير سنوي حول وضعية حقوق الإنسان في العالم، وتقارير سنوية أخرى متعلقة بدول بعينها. يتطرق التقرير إلى تتبع حالات التقدم والتراجع والمراوحة في سجل حقوق الإنسان في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فيرصد أوضاع الحريات السياسية والانتخابات، وحرية الرأي والتعبير، وحق التجمع، والحريات النقابية، ووضعية المرأة والأطفال والمعاقين، وقضايا التمييز على أساس الدين والعرق واللغة والجنس والوضع الاجتماعي، وهو يعتمد في تجميع معلوماته واستنتاجاته على ما ينشر في الصحف المحلية، وما تثيره المنظمات والجمعيات الدولية والوطنية غير الحكومية المهتمة بحقوق الإنسان، غير أن الاستنتاجات والخلاصات التي يخرج بها التقرير من هذه المعطيات والمعلومات تظل محكومة بسقف سياسي وإيديولوجي معين، يجعل التقرير في النهاية رؤية أمريكية لبلد كالمغرب. والملاحظ أن التقرير الحالي هو الأول من نوعه بعد أحداث 11 سبتمبر، وما خلفته من انعكاسات أمنية وسياسية على المنظور الأمريكي للعالم، بحيث حضرت بقوة مؤشرات السياسة الأمريكية ما بعد الأحداث في صفحات التقرير التي تجاوزت الخمسين صفحة في الترجمة الفرنسية. وعلى سبيل المثال، يعتبر التقرير أن القداس الديني الذي أقيم في الكاتدرائية الكاثوليكية بالرباط في 16 سبتمبر 2001، خمسة أيام بعد تفجيرات نيويورك وواشنطن، وشاركت فيه الحكومة إلى جانب رؤساء الطوائف اليهودية والمسيحية، ترحما على أرواح ضحايا التفجيرات، يعتبر ذلك دلالة على تشجيع الحكومة المغربية للتسامح بين الأديان، وفي نفس السياق، يرى في مهرجان الموسيقى الروحية الذي يقام سنويا في مدينة فاس ويجمع الموسيقيين من كل الأديان دلالة أخرى على هذا التسامح. غير أن التقرير يتعرض بلهجة شديدة للمنع الذي يطال المبشرين المسيحيين في المغرب، ويؤكد أن القانون في المغرب لا يمنع التبشير، لكن الذين يقومون بذلك علنا يتعرضون للطرد، غير أنه يسجل مفارقة حيث يشير إلى أن المبشرين يقومون بالتبشير وسط غير المسلمين و"يمارسون إيمانهم في سرية". ويشير التقرير إلى أن جماعة هندوسية صغيرة حصلت على الحق في ممارستها شعائرها التعبدية (حرق الأموات) وتنظيم لقاءات دينية، دون أن يحدد جنسية أفرادها. كما يشير إلى منع الطائفة البهائية من التجمع أو تنظيم لقاءات تعبدية لأفرادها، وهي نفس النغمة التي دأب تقرير الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان في المغرب على تكرارها منذ سنوات عدة فيما يتعلق بهذه الطائفة التي يرجع التقرير منعها إلى سنة 1983. وفيما يتعلق بالأقليات العرقية والإثنية والوطنية، حسبما عنون التقرير إحدى فقراته، تقول الخارجية الأمريكية أن "البربر يعرفون تهميشا ثقافيا". ويشير إلى مطالب الحركة الأمازيغية للحكومة المغربية بالمحافظة على لغتهم وثقافتهم، كما يتوقف عند منع لقاءات موقعي البيان الأمازيغي من طرف السلطات المغربية في فاس وبوزنيقة. وفي الفقرة الخاصة بالنساء، يقول معدو التقرير بأنهن "يعانين مختلف أشكال الإقصاء القانوني والثقافي". ويثمن تعديلات 1993 على مدونة الأحوال الشخصية، وفي نفس الوقت يركز على مطالب الحركات النسائية المغربية بإدخال تعديلات جديدة على المدونة "وبالخصوص ما يتعلق منها بالزواج والطلاق والإرث". وفي معرض رصده للسجل الحكومي في مجال احترام حقوق الإنسان، يؤكد التقرير أن الحكومة "على العموم احترمت حقوق المواطنين، وفي بعض المجالات كانت النتائج سلبية"، وينطلق التقرير من أن انتخابات 1997 عرفت تدخلا للإدارة وشراء الأصوات، ويتوقف عند حالات منع بعض الصحف الأسبوعية، وموت بعض المحتجزين في مخافر الشرطة، لكنه يسجل تراجعا في معدل حالات الاختفاء عن السنوات السابقة. والملاحظ أن التقرير الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية اعتمد بشكل عام على قائمة الصحف الحكومية وذات التوجه اليساري، كما اعتمد على تقارير بعض جمعيات حقوق الإنسان والجمعيات النسائية اليسارية، غافلا عن الكثير من المعطيات الأخرى الواردة في منابر المعارضة ويظهر المفهوم الذي يحمله عن حقوق الإنسان في إشارته المعادة باستمرار إلى أن الحكومة ما تزال تمنع حرية الانتقاد في ثلاث مجالات: الملكية، ومطالب المغرب في صحرائه، والإسلام. إدريس الكنبوري