تمت صورة نمطية سطحية مهينة وتشويهية لصورة المغربي المتدين في جزء من"السينما المغربية" اليوم، فالراصد للعديد من الأفلام السينمائية المنتجة خلال العقد الأخير بالمغرب يصل ودون كثير جهد إلى تسجيل الصورة المروجة حول الإنسان المتدين بالمغرب بكونه ذلك المتطرف والمتعطش للدماء والراغب في تفجير العالم كما أنه في أخرى هو ذلك المتسخ والجاهل والمتنطع والحاقد والجبان والمنافق ...وما شئتم من النعوت والصفات التي تحاول جل الأفلام المنتجة في العقد الأخير والممولة من طرف المركز السينمائي المغربي -الذي هو في نهاية المطاف يتحرك ويدعم من أموال هذا الشعب المسكين- إلصاقها بالإنسان المتدين فمن يتحمل مسؤولية هذا الاستهداف؟ ومن يقف وراءه ويدعمه ويروج له؟ ومن يستفيد منه؟ لقد طغى هذا التوجه إلى درجة أصبحت عبقرية بعض أشباه المخرجين تختلق وتدعي مواضيع من وحي خيالها وأحيانا من وحي تكوينها الأجنبي الغارق في الاغتراب أو من وحي منتجي وداعمي تلك الأفلام خاصة الأجانب منهم. بالنظر إلى الانفصام حد الجنون بين ما تروجه تلك الأفلام وما يوجد حقيقة على أرض الواقع المغربي. هكذا وقد تابع المغاربة الاستهداف الواضح للمغربي المتدين في فيلم "مروك" لمخرجته ليلى المراكشي وما جسده من تهكم بالدين وبأحد أهم أركانه الذي هو الصلاة في اللقطة التي سخرت منه وهو يصلي ،...كما يحضر المغربي المتدين في فيلم "بيع الموت" لمخرجه فوزي بنسعيدي بكونه ذلك المتعطش لسفك الدماء والذي لا يريد الاكتفاء إلى جانب صديقيه المجرمين بسرقة محل للمجوهرات بل يريد قتل صاحب المحل أيضا لأنه مسيحي كما ينتمي إلى "جماعة إسلامية" تدرب الناس في الجبال على إقامة حدود الإسلام واعتراض سبيل الناس...، كما أن هذا المتدين في الفيلم الفظيع والمروع "موشومة" للحسن زينون والذي لم يكتفي بالقصف الجنسي والعري والإباحية وتشويه صورة المرأة الأمازيغية الحاملة لاسم "عدجو" والتي صورها تمارس الدعارة، وصور المتدين بكونه ذلك الجاهل الذي يقف ضد الفن وضد الحرية وسماه "فاروق" بما لهذا الإسم من دلالة، كما جسده بأنه أعور ومتسخ ويدافع عن الدين بطريقة بليدة وسطحية أمام أستاذ الأنتربولوجيا المتحرر والقادم من الغرب والذي يطلق العنان لكل نزواته الشاذة... أما فيلم "السيناريو" لعزيز سعد الله فقد صور المتدين المغربي بكونه ذلك المتطرف والمتشدد وغير المتسامح والذي يكفر الآخر ويبيح دمه خاصة اليهودي والمسيحي في مغالطات جمة لا حصر لها كما لم يفته التهكم على أحد الخطباء المعروفين شرق الغرب. في نفس الاتجاه يذهب فيلم عاشقة من الريف "لنرجس النجار" والذي صورة المرأة المتدينة على أنها ذلك الغول المنقب الذي يخيف الفتيات ويتدخل فيما لا يخصه، وهو ذات المنحى الذي لم يغادره فيلم "المغضوب عليهم" للمخرج حسن البصري والذي يصور الإسلاميين بأنهم متطرفين ومنغلقين ويهددون استقرار البلد إلى درجة يقول معها أحد الشخوص "ومشكلة إلى وصلوا هادوا للحكم" كما لم يفته أيضا التهكم من الداعية عمرو خالد...هكذا وفي هذا الفلك تدور الكثير من الأفلام الطويلة والقصيرة المنتجة خلال العقد الأخير إلا ما رحم ربك. بل إن جل أفلام المدارس المعروضة في مهرجانات مختلفة منها مهرجان مراكش الدولي وأيضا الأفلام القصيرة تنحوا نفس المنحى وقد فهموا أنهم ولكي يستفيدوا من الدعم ويروج لما ينتجون ويفوزن بالجوائز ما عليهم إلا اتباع نفس المنحى الذي يقوم على شيطنة المتدين وتقديم مشاهد الجنس الرخيص والمدمر. وبشكل عام إن حضور الإنسان المتدين في السينما المغربية يتميز بسمات ثلاث، أولها النمطية والاستهداف المباشر للمتدين وذلك وفق وجهة نظر عدائية تروم تشويه صورة الإنسان المسلم والتهكم بقيمه ومعتقداته وذلك عبر ثالوث الإرهاب والتطرف والجنس والتهجم على التقاليد والقيم المغربية. والسمة الثانية هي السطحية والتبسيط المفرط، بحيث لا يتم الاستحضار المتوازن لوجهات نظر مختلفة حول قضايا كثيرة اليوم في التراث الإسلامي، بل يتم توفير كل الممكنات المادية والتقنية والفنية ليصور المتدين في أبشع الصور ولكي ينتصر الشخص الآخر الذي يمثل تارة الغرب وثارة أخرى "المثقف".... والسمة الثالثة لحضور المتدين في السينما المغربية تأثر جل مخرجي هذه الأفلام بمجال دراستهم والذي لا علاقة له في غالب الأحيان بالثقافة العربية والإسلامية وفق نزعة ضاربة في التغرب والاستيلاب لصالح ثقافة القوة الغالبة بما تملكه من من مادة، والمخرج هنا المولع والمهزوم أمام ثقافة الأخر لا يكتفي بالانبهار بل يصل حد التهكم والنيل من ثقافته الأصلية، كما يحضر في هذا الجانب المال الأجنبي والذي لا يمنح دون دفاتر تحملات وشروط واضحة في اتجاه استهداف الدين كما هو الشأن بالنسبة لشركتي الإنتاج في فيلمي "عاشقة من الريف" و"بيع الموت"، فمتى يتوقف هذا الاستهداف الممنهج للمتدين في السينما المغربية.