دخلت حملة الانتخابات البرلمانية في الجزائر المقرر إجراؤها 30 مايو 2002 أسبوعها الثاني بمشاركة 23 حزبا سياسيا، و123 قائمة مستقلة، وتضم هذه الأحزاب والقوائم أبرز القوى السياسية، ومن بينها ثلاثة أحزاب إسلامية هي: حركة مجتمع السلم بزعامة الشيخ "محفوظ نحناح"، وحركة النهضة بقيادة الدكتور "لحبيب آدمي"، وحركة الإصلاح الوطني التي يتزعمها الشيخ "عبد الله جاب الله". أما الجبهة الإسلامية للإنقاذ فما زالت محظورة ومقصاة من العمل السياسي. ويشارك في الانتخابات أيضا "التجمع الوطني الديموقراطي" حزب الأغلبية البرلمانية في الدورة الماضية، ويتزعمه وزير العدل الحالي "أحمد أويحي"، و"جبهة التحرير الوطني" التي يقودها رئيس الحكومة الحالية "علي بن فليس"، وهذان الحزبان ينتميان إلى التيار الوطني. ويُقاطع الانتخابات الحزبان الأمازيغيان الرئيسيان في منطقة القبائل، وهما: جبهة القوى الاشتراكية التي يتزعمها "حسين آيت أحمد"، و"التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية" الذي يرأسه "سعيد سعدي"، وحزب صغير هو "التحالف الوطني الجمهوري" الذي يقوده رئيس الحكومة الأسبق "رضا مالك". كما دعت شخصيات سياسية معروفة إلى مقاطعة الانتخابات البرلمانية بسبب أحداث منطقة القبائل، وطالبت بدلا من تنظيم الانتخابات بحل تفاوضي مع القيادة العسكرية لحل الأزمة الجزائرية، ومن هذه الشخصيات وزير الخارجية المرشح الرئاسي السابق الدكتور "أحمد طالب الإبراهيمي"، والأمين العام السابق لوزارة الدفاع الجنرال المتقاعد "رشيد بن يلس"، ورئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان الأستاذ "علي يحيي عبد النور". ويتزامن كل ذلك مع تصاعد الاضطرابات في عدد من مناطق البلاد، منها ولايات: تيزي وزو، بجاية، والبويرة، وتجدد أعمال العنف والتخريب وحرق الممتلكات في الشوارع، وحتى داخل السجون وسط تدهور حاد للوضع الاجتماعي. الأحزاب الإسلامية بالميدان وعلى عكس الأسبوع الأول من الحملة الانتخابية التي انطلقت يوم 9 مايو واتسمت بالفتور، تميز الأسبوع الثاني منها بنزول الأحزاب الإسلامية بقوة إلى الميدان والتقائها بالمواطنين والناخبين عبر مختلف جهات الجزائر؛ للترويج لبرامجها والتعريف بمرشحيهم من أجل استقطاب أكبر عدد ممكن من المصوتين في 30 مايو الحالي. وأكدت الأحزاب الإسلامية على أن نزاهة الانتخابات المقبلة يعني فوزها لا محالة، وأن الانتخابات والمشاركة المكثفة للمواطنين من شأنها دفع مسار البلاد، والوقوف في وجه دعاة المراحل الانتقالية ورموز السلطة والمتنفذين في الحكم. ويتوقع عدد من المراقبين في حالة عدم حدوث تزوير مماثل لما شهدته انتخابات عام 1997 التي حصل فيها "التجمع الوطني الديمقراطي" (حزب الإدارة) على الأغلبية في الانتخابات العامة والمحلية، خلال ثلاثة أشهر فقط من تأسيسه، فوز مرشحي التيار الإسلامي. ويقولون إن حظوظ هذا التيار الذي تمثله ثلاثة أحزاب شرعية كبيرة للفوز بأغلبية مقاعد البرلمان المقبل، على الرغم من سلسلة القرارات التي أصدرتها وزارة الداخلية، ومنعها ترشح أكثر من 50 عضوا سابقا في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، رغم تمتعهم بحقوقهم السياسية والمدنية، وإسقاطها 10 مرشحين في حركة مجتمع السلم بدعوى ترددهم الدائم على المساجد، وإلغائها أيضا لأكثر من 40 قائمة مستقلة لأسباب لا تزال مجهولة. حركة مجتمع السلم : قوة التغيير أما حركة مجتمع السلم "حمس" التي يتزعمها الشيخ محفوظ نحناح فقد دشنت حملتها الانتخابية التي تحمل شعار "قوة التغيير" من حي القصبة الشعبي العتيق بالجزائر العاصمة، وقد طاف الوفد الذي ضم أعضاء المكتب السياسي للحركة ومرشحيها في الدائرة الانتخابية للجزائر العاصمة وعدد من مناضليها في أزقة حي القصبة؛ حيث تحاور الشيخ نحناح مع السكان حول أوضاعهم والقضايا المتعلقة بحياتهم اليومية. وبخصوص الاستحقاق السياسي المقبل، أكد نحناح باللاءات العديدة لا لانتخابات المحاصصة (انتخابات القوائم)، ولا لانتخابات تكون تحت الضغط، ولا لانتخابات تلغي الوصول إلى التشريع بمراسيم وأوامر، ولا لتوسيع الفكر العروشي على الطابع الجمهوري. في هذا الوقت بالذات يضيف أن هناك من يريد الوصول إلى الحكم بدون انتخاب، وآخر يريد انتخاب بالكوتة (الحصص)، وكل هذا وسط أجواء من التوتر والتشكيك تغذيها محاولات للتخويف والتفزيع. حذر نحناح من كل ممارسات وعوامل التفتيت والتجزئة والتشتيت، مؤكدا على ضرورة الانسجام والتماسك والوحدة سواء في إطارها الوطني أو المغاربي أو العربي الإسلامي أو حتى الإنساني. وأعلن نحناح تأسيس لجنة مدنية من ممثلي تنظيمات المجتمع المدني لمراقبة الانتخابات، وحض على التحلي باليقظة والحذر لحماية أصوات الناخبين وتجنيب البلاد المزيد من الإنزلاقات.وتعتبر "حمس" مشاركة المواطنين في الانتخابات معناه إحداث تغيير في أوضاع البلاد، وإرجاع الثقة بين الحاكم والمحكوم. احترام الاختيار من ناحيته.. هاجم الأمين العام لحركة النهضة الدكتور "لحبيب آدمي" الداعين لقطع الطريق أمام الإسلاميين، سواء بتزوير الانتخابات أو إسقاط أسماء من القوائم، واصفا هؤلاء بربائب الاستعمار وأعداء الديمقراطية والوطن والشعب، مشيرا إلى إسقاط الإدارة 53 مرشحا من قوائم حركة النهضة.وأكد آدمي في عدد من التجمعات الشعبية على أن برنامج حركته لحل مشاكل الجزائر ينحصر في أربع نقاط هي: 1- الدعوة إلى تكريس أصالة الأمة مع الاستزادة من عوامل القوة الخارجية 2- المصالحة الوطنية المتمثلة في الدعوة إلى إطلاق سراح المعتقلين السياسيين. 3 - والتكفل بضحايا المأساة الوطنية، إعادة المطرودين إلى مناصب عملهم. 4 - تكريس الديمقراطية الفعلية مع التطبيق الصارم لمحتوى الدستور وأرضية الوفاق الوطني وحسن استغلال وتسيير الثروات. وشدد الأمين العام لحركة النهضة على أن حل الأزمة الجزائرية يمر عبر التطبيق الفعلي والحقيقي للديمقراطية وبيان أول نوفمبر، وما عدا ذلك فإن الوضع سيتعفن أكثر؛ لأن الشعب الجزائري ثوري بطبعه، ولا يتحمل القهر والاستبداد.. المصالحة الوطنية من جهته شدد الشيخ "عبد الله جاب الله" رئيس حركة الإصلاح الوطني في تجمعاته الشعبية على ضرورة "تعزيز" المصالحة والوفاق الوطني "بمحاربة" كل أشكال "العشائرية والتعصب والجهوية". واعتبر الانتخابات المقبلة "وسيلة" تسمح للشعب بالمشاركة بكل سيادة في تسيير الأمور العامة، داعيا إلى مشاركة قوية؛ لأنها السبيل الوحيد لتغيير النظام الاستبدادي الحالي. ولدى مقارنته بين الانتخابات في الدول المتطورة، قال بأنها منافسة سياسية تنتهي دائما بتصافح الأيادي، أما الانتخابات في الجزائر فهي كل مرة تزيدنا انشقاقا وتنافرا. وأرجع جاب الله أسباب ذلك إلى طبيعة النظام الذي يحكم البلاد وعملائه الذين لا يؤمنون لا بسلطة الشعب ولا بالديمقراطية، والأكثر من ذلك يحملون مشروعا يزرع الشقاق بين أفراد الوطن الواحد، ويركع البلد لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي. واعتبر جاب الله عملية غربلة القوائم الانتخابية من طرف وزارة الداخلية انقلابا على سياسة الوئام المدني التي زكاها الشعب. جبهة الإنقاذ والتصويت للإسلاميين أما الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة فقد اعتبرت أن تأجيل الانتخابات البرلمانية المقرر تنظيمها في الجزائر نهاية الشهر الجاري لا يختلف عن إجرائها، داعية الناخبين في حالة إصرار السلطة على تنظيمها إلى أن يمنحوا أصواتهم لمن يرونهم أولى بحراسة الدين والقيم وأقدر على الدفاع عن الحقوق والمصالح. وقالت "الإنقاذ" -قيادة الداخل في بيان أمضاه الشيخان المفرج عنهما: "علي جدي" و"كمال قمازي": "إن تأجيل الانتخابات الحالية لا يختلف عن إجرائها إذا لم يكن من أجل تمكين القوى السياسية الممثلة للشعب من التحاور مع السلطة للتوصل إلى حل سياسي عادل وشامل". وتعجب البيان من الاعتراض على تنظيم الانتخابات المقبلة بسبب مقاطعة منطقة القبائل، ولا يعترضون على تنظيمها إذا أقصيت منها الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وقال البيان: إنه ليس من الإنصاف أن يعترض بعضكم على إجراء الانتخابات إذا قاطعها تيار أو منطقة في حين يستسيغ أن تقصى منها قوة سياسية حية لا تزال تحتفظ بثقة الملايين من المواطنين. وحذر بيان قيادة الإنقاذ من استغلال السلطة للحملة الانتخابية لتمرير قرارات ومشاريع مفروضة، وقال: "لقد عودتنا السلطة أن تصرف الرأي العام إلى المجريات الانتخابية لتستغل فترة انشغاله بها في تمرير ما تخشى رفضه من القرارات؛ لذلك لم نستغرب عندما طرح في معرض هذه الانتخابات ملف المنظومة التربوية في مجلس الوزراء، ونخشى أن يُبتَّ فيه أو في غيره من القضايا الاجتماعية والاقتصادية للأمة على حين غرة. الجزائر - محمد مصدق يوسفي