أفرزت تطورات الربيع الديموقراطي العربي نقاشا متناميا حول تحديات تحمل الإسلاميين لمسؤولية حل معضلات التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، وخاصة بعد أن خلفت الأنظمة أو الحكومات الراحلة أوضاعا كارثية وأحيانا مأوساوية، تقتضي إطلاق برامج إعادة إعمار شاملة مثل ليبيا، وفي أحسن الحالات بلدانا بانتظارات شعبية كبيرة مثل تونس لكنها مسجونة باتفاقيات والتزامات خارجية ، مما يقلص هامش التغيير إلى مستويات محدودة، إلا أن الملاحظ رغم كل ذلك، هو درجة الإصرار الكبيرة على خوض تجربة التغيير وتحمل مسؤولية استحقاقاته، والعمل على طي صفحة السلطوية في المنطقة. في حالة المغرب، نجد نفس الإصرار عند التيار الإسلامي رغم اختلاف الوضعية، باعتبار أن عملية التحول الديموقراطي تتم في إطار النظام السياسي، وليست نتاج عملية ثورية، فضلا عن كون التيار الإسلامي يعرف حالة انقسام بين طرح يدعو إلى المقاطعة وطرح آخر متشبث بالمشاركة والسعي للإصلاح في إطار النظام الدستوري القائم، وهي اختلافات لا تؤثر على جوهر الإشكالية المرتبطة بتحديات انتقال الإسلاميين من مرحلة المعارضة إلى موقع تحمل المسؤولية إلى جانب باقي الفاعلين في تدبير الشأن العام، وهي تحديات ارتفعت في ظل مؤشرات الأيام الأولى من الحملة الانتخابية وما كشفته من إقبال شعبي على الحركة الإسلامية وتطلع إلى تحملها للمسؤولية وربط للأمل في التغيير بها. من الواجب هنا التذكير بأن أية مشاركة محتملة ستكون مؤطرة بنظام دستوري صارم لا يتيح لأحد الحصول على الأغلبية، ومفتوح على صيغ متعددة للتأويل السلطوي أو الديموقراطي لأحكامه، وما يعنيه ذلك من احتمالات نشوء التوتر بين الفاعلين، أو بروز تعقيدات وإكراهات تضعف القدرة على تطبيق البرامج الانتخابية وأحيانا تشل هذه القدرة، وهو أمر يعيه التيار الإسلامي المشارك، إلا أن ذلك يمثل جانبا جزئيا -رغم خطورته- في معضلة التحول الديموقراطي في بلادنا. إن الجانب الأساسي في معادلة كسب هذا التحول يتعلق بدور هذه المشاركة في رفع قدرة المغرب على اجتياز مرحلة الخطر واللاستقرار و النأي ببلادنا عن السقوط في متاهة الاحتقان السياسي الثوري الذي تشهده بلدان أخرى كسوريا واليمن، مما يعني أن مشاركة الحركة الإسلامية في تحمل مسؤولية تدبير الشأن العام، يمثل أحد العناصر اللازمة للخروج من عنق الزجاجة، وهو أمر لا يمكن أن يتحقق في غياب تدبير تشاركي محكوم بالتعاون بين المؤسسة الملكية والتيار الإسلامي، وهو تعاون تتوفر آلياته الدستورية فضلا عن الاستعدادات السياسية المعبر عنها، ويمثل ضمانة من أي توقع استباقي بالعجز عن إحداث التغييرات المعلنة في برامج الأحزاب. أما افتراض التعارض والصراع بينهما، كما يروج لذلك البعض، فليس سوى ورقة لضمان استمرار الوضع السلطوي الراهن. ونعتقد أن المواقف المعبر عنها في الآونة الأخيرة تؤكد هذا التوجه، والذي سيضع بلادنا على طريق إنجاز عملية انتقال ديموقراطي طال انتظارها، وبلغت مرحلتها الحرجة، ولا يمكن بحال التردد في إنجاحها، أو السماح بمناورات خصوم التحول الديموقراطي الساعية إلى إجهاضها.