أثارت الدراسة الصادرة في شهر غشت 2010، للباحث الإسرائيلي في مركز موشي ديان بريس وايتزمان1 جدلا حول دعم إسرائيل للتيار الراديكالي داخل الحركة الأمازيغية في المغرب، واعتباره مدخلا من أجل التطبيع مع إسرائيل في محيط يتجه الرأي العام المجتمعي والسياسي إلى رفض ربط علاقات معها. واعتبر وايتزمان بأن رعاية فاعلين في الحركة الأمازيغية في المغرب هو جزء من السياسة الخارجية لإسرائيل في المنطقة لمواجهة القوى التي تصنفها إسرائيل بأنها عدائية مقابل أخرى تصفها بكونها معتدلة، «فمن وجهة نظر إسرائيلية، فإن علاقتها بالرباط تشكل امتدادا لسياساتها مع «المحيط»، فرعاية الفاعلين غير العرب في محيط الشرق الأوسط هو من أجل إقامة التوازن مع ضغط الدول العربية الراديكالية والعدائية «.2 إن هذه الواقعة (الدراسة) ليست إلا النقطة التي أفاضت الكأس في موضوع الاشتباه بضلوع نشطاء في الحركة الأمازيغية في التطبيع الاسرائيلي بالمغرب. فهذه الدراسة المنشورة من طرف مركز دراسات تابع لجامعة تل أبيب، ومرتبط بمراكز صناعة القرار السياسي في إسرائيل، تبرز رهان هذه الأخيرة على توظيف فاعلين في تيار راديكالي داخل الحركة الأمازيغية من أجل «تحسين صورتها» في المنطقة والتأسيس لقبول اجتماعي لها. لا بد من التأكيد على أن الأمر لا يتعلق بكل مكونات الحركة الأمازيغية في المغرب، ولكن بتيار راديكالي متنامي انطلق مع الجيل الجديد من الناشطين الأمازيغ الذين التحقوا بصفوف الحركة الأمازيغية في بداية التسعينات، بعد أن كان جلهم أعضاء في اليسار، هذا التيار يتبني شعارات تغازل إسرائيل وغير مبالي بقضايا الأمة، وفي مقدمتها فلسطين، وينتقد الوجود العربي والإسلامي في المغرب، كما حصل مع أحمد الدغرني (مؤسس الحزب الديمقراطي الأمازيغي المحظور)، حين اعتبر في تصريح لوكالة «قدس بريس» أن مسألة العلاقات الأمازيغية مع الجانب الإسرائيلي هي «إحدى وسائل الدفاع عن النفس، ضد الاستهداف الذي يتعرض له أمازيغ المنطقة المغاربية من القوميين العرب ومن بعض المتطرفين الإسلاميين»3، وهو ما جعل وايتزمان يؤكد في دراسة لاحقة بأن تحدي مجموعات صغيرة من الناشطين الأمازيع «واهتمامهم بكل من إسرائيل والتاريخ اليهودي، خصوصا العلاقات التاريخية المزعومة بين اليهود والبربر في الأزمنة القديمة، وضمنها المقاومة الأولى للغزوات العربية من طرف الكاهنة- المفترض أنها ملكة بربرية-يهودية»4، يدخل في سياق اعتبار إسرائيل كحليف في مواجهة القوى القومية العربية، والتي تعكس حسب رأيه « معارضتهم للهيمنة العربية-الإسلامية وإخضاع اللغة والثقافة الأمازيغية، الأمر الذي يساعد ضمنيا، في صراعهم من أجل الإعتراف الرسمي وضدا على الإنتشار السريع للحركة الإسلامية في المغرب»5. إشكالية الهوية بين الوحدة والتنوع ترجع جذور المسألة الأمازيغية في المغرب إلى بداية القرن الماضي، مع جهود الاستعمار الفرنسي من خلال «البعثة العلمية»، و»معهد الدراسات البربرية» في باريس والرباط، فقد كان يصدر أعدادا من مجلة «الأرشيف البربري» الصادر بين 1915 و1918، ثم مع مجلة «هسبريس»، التي كانت تصدر منذ 1921، والتي كان ينجزها ضباط فرنسيون ومستشرقون بالإضافة إلى أنثروبولوجيين وسوسيولوجيين فرنسيين، انطلقت بشكل جدي مع ميشو بلير الذي يمكن اعتباره أول من دعا إلى توظيف الثنائية: العرب/البربر، والتي أصبحت فيما بعد مقولة مؤطرة لجميع الدراسات الكولونيالية في المغرب، تلقفها بعده روبير مونتاني، الذي كان ضابطا في المخابرات السياسية بالبحرية، وقام بدراسة ظاهرة بروز الزعامات عند القبائل الأمازيغية في كتابه الشهير «البربر والمخزن»6، بعد أن استعصت منطقة سوس أن تخضع للسيطرة الفرنسية، وقام بنحت مفهوم «الجمهوريات البربرية» وغيرها من المفاهيم التي كانت مؤسسة على تحيز معرفي غربي، تقول بوجود تناقض بين العرب والبربر، وبأن الوجود العربي في المغرب هامشي مقابل الإعتقاد بأن الوجود الأمازيغي هو امتداد للغرب وثقافته، ويعتبر محمد الغيلاني بان هذه الدراسة جاءت على خلفية سياسة الاحتلال الفرنسي لتقسيم المغرب في إطار ما عرف ب»الظهير البربري، لذلك نلاحظ تزامنا كرونولوجيا بين الكتاب والظهير (1930)7، إن فكرة «الظهير البربري»، والذي تم اعتماده في 16 ماي 1930 تعتبر حسب يونس أبو أيوب محاولة ل» مأسسة نظامَين قانونيين مختلفين في المغرب؛ الأول مستند إلى القوانين «العرفية» المحلّية ومخصَّص للأشخاص الذين اعتُبِروا من «الأمازيغ»، والثاني مستند إلى الشريعة الإسلامية ومخصَّص «للعرب»»8. والحقيقة، أنه من الصعب الحديث عن تطور المسألة الأمازيغية في المغرب ككل في بضعة أسطر، ولهذا ستكتفي هذه الورقة برصد الخطوط العريضة للدينامية التي عرفتها الحركة الأمازيغية خلال العقدين الأخيرين، سواء في علاقتها بالدولة أو المجتمع، وهذا راجع إلى كون نشاط للحركة الأمازيغية سيعرف طفرة كبيرة مع توقيع بيان أكادير سنة 1991. ولهذا، فإن فهم الدينامية الراهنة التي يعرفها موضوع الأمازيغية في المغرب يحتم ربط الموضوع بالسياق الإقليمي والمحلي الذي يتميز بصراع الهوية في صفوف النخبة، بين التيار الإسلامي والوطني من جهة والتيار العلماني في الحركة الأمازيغية من جهة أخرى، وقد عرف هذا الصراع محطات عديدة في المغرب الراهن، أبرزها ما سمي ب «معركة الحرف»، وهو صراع دار سنة 2003 حول حرف كتابة الأمازيغية بين دعاة استعمال الحرف العربي (الحركة الإسلامية وحزب الإستقلال)، وبين دعاة كتابتها بالحرف اللاتيني (جزء من الحركة الأمازيغية)، والذي حسم بعد ذلك بتحكيم ملكي لصالح حرف تيفيناغ كحل وسط. واستثمرت الحركة الأمازيغية في المغرب اندلاع الثورات العربية في تأكيد مطالبها مع انطلاق دينامية الإحتجاجات الشعبية في المغرب منذ يوم الأحد 20 فبراير (ومن هنا تسمية حركة 20 فبراير بهذا الإسم) خاصة مطالب ترسيم الأمازيغية في الدستور، واعتباره مطلبا أساسيا لا يمكن التراجع عنه. وقد خلف هذا المطلب جدلا بين القوى السياسية، أفرز أربع توجهات: الأول يتجه إلى اعتبارها لغة وطنية فقط ولا يتكلم عن المرتبطة بذلك، والثاني ذهب في مذكرته إلى اعتبارها لغة وطنية مع وضع قوانين تنظيمية تشرح وظائفها وطريقة إدماجها التدريجي في الفضاء العمومي ليتسنى بعد ذلك ترسيمها، والتوجه الثالث دعا إلى ترسميها وذلك لحمايتها من الإندثار ولكن يشترط هذا التوجه وضع نصوص قانونية تشرح وظائفها وطرق تدبيرها لكي لا تتعارض مع اللغة العربية، في حين اتجه تيار رابع إلى ترسيم الأمازيغية في الدستور من دون تدقيق مضامين الترسيم. وقد اعتمد الدستور في الأخير مقترح التوجه الثالث عبر اعتبار الأمازيغية لغة رسمية مع وضع قوانين تنظيمية تشرح كيفية استعمالها، كما أقر الدستور الجديد أيضا الطابع التعددي لمكونات الهوية المغربية لتشتمل البعد الإسلامي كمكون أساسي، بالإضافة إلى البعد العربي والأمازيغي والحساني الصحراوي، ثم أيضا مع إقرار اللغة الأمازيغية لغة رسمية ثانية بعد العربية، كما جاء في الفقرة الثانية من تصدير الدستور المغربي الجديد: «المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية - الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية». ❷ الإدماج الرسمي للأمازيغية: السياق العام والخاص 1. جهود الأفراد والمجتمع المدني: على المستوى الداخلي، يمكن القول بأن موضوع الأمازيغية في المغرب انتقل من الهامش (ليس المقصود هنا بالهامش البعد الجغرافي، وإنما البعد الفلسفي المتعدد الأبعاد، ثقافيا وسياسيا واجتماعيا) إلى المركز بعد عدة محطات تراكمية، انطلقت منذ نهاية الستينات مع الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، ثم تطورت في بداية التسعينات مع ميثاق الحقوق اللغوية والثقافية (المشهور بميثاق أكادير)، والتطور الذي عرفه عمل الجمعيات الأمازيغية على مستوى التنسيق الداخلي. أول تحول ساهم في بروز المسألة الأمازيغية إلى السطح مرتبط بحدثين رئيسيين، الأول خارجي، مرتبط بأحداث «الربيع الأمازيغي» في الجزائر خلال شهر أبريل 1980، حيث عرفت احتجاجات كبيرة كرد فعل على منع ندوة الكاتب مولود المعمري حول الأدب الأمازيغي القديم بجامعة تيزي وزو. والثاني داخلي مع أحداث فاتح ماي بالراشيدية سنة 1994 و التي عرفت اعتقال سبعة أساتذة بسبب حملهم لافتات مكتوبة بحرف تيفيناغ. لقد كانت لهذه الأحداث الداخلية والخارجية تداعيات على المسألة الأمازيغية في المغرب. فقد أدت حملة الاعتقالات المشار إليها إلى رد فعل مضاد من طرف الناشطين الأمازيغ، تجلى في حملة تضامن واسعة من طرف حقوقيين وسياسيين مغاربة، كما أدت إلى تعزيز صفوف الحركة الأمازيغية بعدد من اليساريين، وهو ما أدى، من بين عوامل أخرى، إلى تحولات في بنيتها الداخلية نتج عنه تغير في موضوع مطالب الحركة الأمازيغية الذي انتقل من مطالب ثقافية إلى مطالب حقوقية-سياسية. التحول الثاني يرتبط بميثاق أكادير الذي شكل الأرضية الإيديولوجية التي انبثقت عنها مجموعة من المبادرات التنسيقية بين الجمعيات الأمازيغية التي تكاثرت وأصبح عددها 10 جمعيات، يضمها مجلس للتنسيق سمي (مجلس التنسيق الوطني CNC ) تم إنشاؤه يوم 19 فبراير 1993، ووضع له بروتوكول لتنظيم سير أشغاله، وكان هدف التنسيق بين الجمعيات تكثيف الجهود انطلاقا مما هو مشترك في استراتيجياتها النضالية، من أجل التحرك داخل المجتمع المدني كقوة ضاغطة قصد انتزاع المطالب المنصوص عليها في الميثاق9. ولكن سنة 1999 تعتبر محطة دالة أيضا، بحيث سيجري الإعداد لمسيرة «تاوادا»، وهي مسيرة كان من المرتقب أن تكون أول خروج جماهيري للحركة الأمازيغية إلى الشارع، ولكن تزامنها مع وفاة الملك الحسن الثاني و انتقال الحكم إلى الملك محمد السادس أجل المسيرة، وتم في نفس الفترة تقريبا صياغة ما سمي ب «بيان شفيق» أو «البيان الأمازيغي» في مارس 200010، أي بعد بضعة أشهر على تولي محمد السادس الحكم، والذي تم توقيعه من طرف 229 شخصية (جامعيون، كتاب، شعراء، فنانون، أطر، صناعيون...) بشكل شخصي وليس بشكل مؤسساتي، فقد وضع فيه شفيق « عصارة ما بلغه خطاب الحركة الأمازيغية كلغة رسمية والدعوة إلى التنمية الشاملة لكل مناطق المغرب على قدم المساواة، إضافة إلى ديباجة نقلت القضية الأمازيغية من قضية مطالب ثقافية إلى مشكلة سياسية ذات عمق تاريخي، وذات صلة بالطبقة السياسية، وبالتوجهات الكبرى والأسس الهوياتية للسياسة الرسمية»11. 2. الدولة وإدماج الأمازيغية: إلا أنه إلى حدود هذه الفترة، كانت الحركة الأمازيغية تشتغل بعيدا عن المؤسسات الرسمية، وكانت تعبيرا عن تطلعات مجتمعية من أجل العمل على تمكين الأمازيغية في الفضاء العام في المغرب، ولكن في نفس الوقت كانت تحتفظ بتواصل مع دوائر الحكم في المغرب، سواء في فترة الحسن الثاني أو بعده مع الملك محمد السادس، وقد كانت مساهمة شخصيتين أمازيغيتين غير مباشرتين (فاعل كامن) ذات دلالة في التمكين للأمازيغية على المستوى الرسمي، والدفاع عنها ضمن الدوائر العليا للسلطة في المغرب. الفاعل الأول يمثله محمد شفيق، باعتباره مدرس سابق للملك الحالي محمد السادس في المدرسة المولوية وباعتباره أحد أبرز الرموز في الحركة الثقافية الأمازيغية، وهو صاحب «البيان الأمازيغي-2000» والمنظر الأيديولوجي للحركات الأمازيغية المعاصرة في المغرب، والوسيط بينها وبين القصر. ثم يأتي بعد ذلك فاعل غير مباشر آخر هو حسن أوريد الذي كان زميل الملك محمد السادس في الدراسة، وقد كان يشغل مدير مركز أبحاث طارق بن زياد، والذي كان يشتغل على عدد من الملفات والمشاريع البحثية أهمها الحركات الإسلامية والحركات الأمازيغية في المغرب، وهو أيضا صاحب أطروحة جامعية قام خلالها بإجراء دراسة مقارنة بين الحركات الأمازيغية والحركات الإسلامية في المغرب، وهو بالإضافة إلى ذلك صاحب فكرة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، والشخص الذي حمل مطالب الحركات الأمازيغية إلى داخل القصر الملكي بعد تولي الملك محمد السادس للحكم وتنصيب أوريد ناطقا رسميا باسم القصر الملكي بعد أن كان قبل ذلك موظفا في وزارة الخارجية المغربية. بالإضافة إلى مجهودات الحركة الأمازيغية في الدفاع عن مطالبها، كان لهذين الفاعلين دور مهم في تسريع الاعتراف الرسمي بأهمية المكون الأمازيغي في المغرب، وفي العمل على إدماجه ضمن المشاريع التي دشنها الحكم في فترة ما بعد 1999، والتي كانت تهدف إلى إطلاق حركية جديدة، سميت آنذاك ب» العهد الجديد». وعرف موقف الدولة تغيرا واضحا من المسألة الأمازيغية، بعد اعتلاء الملك محمد السادس العرش سنة 1999، وذلك راجع إلى رغبة الملك الجديد إرساء وتثبيت ملكه والعمل على حل جميع الملفات/التركة التي تركها والده الملك الحسن الثاني، وهو ما جعل الملك الجديد يدشن عهده بعدد من المبادرات مثل تأسيس «هيئة الإنصاف والمصالحة» وإنشاء «ديوان المظالم»، و»الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري». وفي هذا السياق الاحتوائي والإستباقي، تم تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أواخر سنة 2001 من طرف الملك محمد السادس بناء على الظهير الشريف (رقم 1 – 01 – 299) المحدث للمعهد، والمنظم لمهامه واختصاصاته ومجالات اشتغاله، وقد تم إعداده من طرف لجنة سميت باللجنة الخماسية، مكونة من شخصيات نافذة في الدولة، مؤلفة من محمد شفيق (المدير السابق للمدرسة المولوية ومعلم الملك محمد السادس في طفولته)، بالإضافة أربع شخصيات أخرى هم: عبد العزيز مزيان بلفقيه (مستشار الملك-توفي سنة 2010) ومحمد رشدي الشرايبي (مدير الديوان الملكي)، وحسن أوريد (الناطق الرسمي باسم القصر الملكي آنذاك)، وعبد الوهاب بنمنصور (مؤرخ المملكة المغربية)، الأمر الذي يبرز دلالة المركز بالنسبة للدولة من خلال نوعية الشخصيات المشاركة في الإعداد للظهير المؤسس والمنظم للمعهد الطابع الرسمي والمؤسساتي الخاص بإنشاء المعهد، واستثمار الدولة لبعض المطالب الأمازيغية وإدماجها ضمن عمل المعهد، فقد كان مطلب تأسيس معهد وطني من ضمن المطالب الكلاسيكية في الحركة الأمازيغية. وعرف تدبير المعهد بعض المشاكل في تسييره في البداية، والتي تطفو على السطح في بعض الأحيان لما يتعلق الأمر ببعض الأحداث التي تهم الأمازيغية، أو بتدبير المعهد مثل انتخاب أعضاء مجلس إدارة المعهد، حيث عرفت سنة 2010 صراعا بين النخب الأمازيغية حول المقاعد الشاغرة بمجلس إدارة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، بعد فراغ تسعة مقاعد، اثنان بسبب وفاة أصحابها، وهما الراحلان علي صدقي أزايكو، ومحمد بحري، وسبعة أشخاص انسحبوا من مجلس إدارة المعهد سنة 2005 بسبب ما سموه في بيان صادر عنهم ب«غياب الإرادة السياسة لدى الحكومة لرد الاعتبار للأمازيغية وتنميتها»12، بالإضافة إلى الأعضاء المنتهية مدة انتدابهم. هذه العوامل إذن ، المرتبطة بتنامي الحركات الأمازيغية الجمعوية في المغرب من الناحية الكمية وتطور على مستوى المواقف والمطالب، ثم أيضا بوجود وسطاء/فاعلون من داخل مؤسسات الحكم في المغرب، جعلت النسق السياسي المغربي يستجيب لهذه المطالب عبر إدماج وتوفير الأرضية المناسبة لذلك، فقد قامت الدولة بالرد على مطالب التيار الأمازيغي من خلال الخطاب الملكي بأجدير سنة 2001 عبر الإعلان رسميا بأن «النهوض بالأمازيغية مسؤولية وطنية»، ثم تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في أواخر 2001. فهذا الخطاب الملكي يعتبر تحولا دالا في علاقة الدولة مع الأمازيغية. فتبني الدولة لشعار «النهوض بالأمازيغية مسؤولية وطنية» الذي رفعته الحركة الثقافية الأمازيغية منذ إعلان ميثاق أكادير سنة 1991، وتأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية يؤشر على تحول الأمازيغية من مطالب لحركات اجتماعية إلى سياسات عمومية. ❸ رهانات الخارج وتأثيرها على مسار التعاطي مع الأمازيغية إلا أنه بموازاة الخطاب والفعل الرسمي في قضية الأمازيغية، بدأت تبرز في الفترة الأخيرة توجهات جديدة داخل الحركة الأمازيغية، تدفع نحو مسار جديد لهذه المسألة، في اتجاه يسير أكثر فأكثر نحو إدماج المعطى الدولي في المسألة الأمازيغية، والضغط على المغرب من الخارج بهدف تحقيق مطالبها. وقد تجسدت هذه الإستراتيجية الهجومية/الدفاعية من خلال مظاهر متعددة، سواء عبر المشاركة في ندوات ومحاضرات دولية حول حقوق الشعوب الأصلية ومحاربة التمييز العنصري، في الأممالمتحدة أو غيرها من المنظمات الدولية، أو من خلال عمل عناصر من نشطاء الحركة الأمازيغية على ربط علاقات مع إسرائيل من أجل الدفاع عن مطالب الحركة الأمازيغية، أو عبر دعوة الاتحاد الأوروبي إلى قطع علاقاته الاقتصادية وإنهاء الوضع المتقدم للمغرب مع الاتحاد الأوروبي بسبب ما تراه تلك الحركات من عدم احترام المغرب لالتزاماته مع الإتحاد الأوروبي الخاصة بحماية حقوق الإنسان والديمقراطية. وهذا ما يجعل من المهم الوقوف عند هذا المسار الجديد بالرصد والتحليل قصد معرفة الحدود التي وصل إليها، وتقييمها بناء على مجمل مسار الحركة الأمازيغية بالمغرب. ويقود هذا التوجه نحو الخارج عدد من الفاعلين داخل الكونغرس العالمي الأمازيغي باعتباره الهيئة الأكثر بروزا في الحركة الأمازيغية على الصعيد الدولي. وتعتبر هذه الهيئة أول منظمة دولية غير حكومية، تجمع أكثر من مائة جمعية أمازيغية، تهتم بقضايا الأمازيغ في العالم، بالرغم من وجود إشكالات تنظيمية داخل الكونجرس مرتبطة بوجود مكتبين للكونجرس ورئيسين. حيث تم في المؤتمر المنعقد بمدينة مكناس المغربية في شهر أكتوبر 2008 انتخاب الوناس بلقاسم رئيسا للكونجرس، بينما تم انتخاب رشيد رخا رئيسا في المؤتمر المنعقد بمطار الهواري بومدين في تيزي وزو بالجزائر. وفي سياق التوجه الدولي قام وفد أمازيغي مكون من الوناس بلقاسم، رئيس الكونجرس الأمازيغي العالمي، ورشيد راخا، نائب الرئيس (قبل الانتخابات التي كانت في نونبر 2008)، بالإضافة إلى عدد من الفاعلين الأمازيغيين الدوليين. في يوليوز 2008، بزيارة مقر الإتحاد الأوروبي وهيئاته المختلفة، حيث تم عرض ما اعتبره هذا الوفد إنكارا وتهميشا للشعب الأمازيغي وعنفا موجها إليه من طرف دول تاماتزغا (شمال إفريقيا والصحراء). وقد قام أحمد الدغرني بمناقشة موضوع منع حزبه السياسي حيث أبرز ما اعتبرها العناصر غير قانونية في قرار المحكمة الإدارية في الرباط، كما قام أحمد راخا باستعراض المضايقات التي يعاني منها أمازيغ المغرب، خصوصا الاعتقالات التي تعرض لها الطلبة من أعضاء الحركة الثقافية الأمازيغية في مكناس، وتمت كذلك مناقشة أحداث سيدي إفني، والتدخل الأمني الذي واكب تلك الأحداث13. وفي نفس السياق استقبل المستشار السياسي في السفارة الأمريكيةبالرباط في شهر أبريل 2009، كلا من رشيد راخا رئيس الكونغرس العالمي الأمازيغي، نسخة تيزي وزو، وأحمد الدغرني، رئيس الحزب الديمقراطي الأمازيغي، و تم خلال هذا اللقاء مدارسة الوضع الثقافي الأمازيغي بالمغرب، ووضعية الأمازيغية ودور الدولة في إدماجها في مختلف مناحي الحياة العامة، بالإضافة إلى قضية الحزب الديمقراطي الأمازيغي الذي تم حله من طرف محكمة الاستئناف بعد الدعوة القضائية التي رفعتها وزارة الداخلية ضد هذا الحزب14. وفي فبراير 2010 زار وفد أمازيغي مكون من أعضاء من الكونغرس العالمي الأمازيغي وممثلين عن الحركة الأمازيغية ببلجيكا البرلمان الأوربي للتباحث حول الوضع المتقدم الممنوح للمغرب، وقد تم التطرق إلى عدة مواضيع، خصوصا حقوق الإنسان بالمغرب، ومدى التزامه بها. وموازاة مع هذه الجهود الساعية إلى الضغط على المغرب من خلال الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، برزت دعوة البعض إلى التطبيع مع إسرائيل، وقطع العلاقة مع العالم العربي. وقد عرفت هذه الدعوة تطورا ملحوظا منذ سنة 2007، حيث تمت الدعوة في هذه السنة إلى تأسيس جمعية للصداقة الأمازيغية اليهودية بمدينة أكادير. كما قام الناشط المغربي أحمد دغرني في نونبر2007 بزيارة إسرائيل ولقاء بعض المسئولين الإسرائيليين من بينهم وزيرة الخارجية الصهيونية تسيبي ليفني، وشارك أيضا في دجنبر 2007 في ندوة دولية في تل أبيب. كما قام 18 ناشطا أمازيغيا (أغلبهم أساتذة) بالمشاركة في دورة تكوينية حول تاريخ المحرقة، نظمه معهد ياد فاشيم في القدس في شهر نوفمبر 2009 15، كما دعا الكونجرس الأمازيغي العالمي (نسخة مكناس) في بيان له صادر في شهر مارس 2011 الدولة المغربية إلى إنهاء الإنخراط في جميع المؤسسات الدولية المؤسسة على طابع إثني أو ديني (إتحاد المغرب العربي، الجامعة العربية، منظمة المؤتمر الإسلامي)، واستبداله بكيانات جهوية مرتكزة على القرب الجغرافي والإنساني والثقافي وتطوير تعاون دولي في اتجاه تقاسم القيم الكونية والمصالح المشتركة بين أمم العالم الأخرى16. خلاصة... تبقى هذه الوقائع مبتسرة إذا لم يتم ربطها بالسياق العام الحالي للحركة الأمازيغية، بحيث أنها تتكون من جناحين أساسيين: أولا: التيار المعتدل، والمكون أساسا من المكون الثقافي الأمازيغي، والذي تم احتواء أغلبه في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، ثانيا: التيار الراديكالي، ويغلب عليه الطابع السياسي والحقوقي، و الطابع الإحتجاجي والنضالي من خارج المؤسسات، وينتقد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وطريقة إخراجه، ويتجه في إتجاه تبني مقولات ومواقف تحاول عزل المغرب عن محيطه العربي والإسلامي. غير أن تدبير المسألة الأمازيغية في المغرب اليوم، مرتبط بشكل أساسي بوجود إرادة سياسية حقيقة من كل القوى المجتمعية المعتدلة ومن الدولة، للعمل على التفكير العميق والجدي بخصوص الحلول الممكنة والمتاحة والتي تضمن استمرار حفاظ المغرب على عمقه الإستراتيجي العربي والإسلامي، وفي نفسه الوقت محافظته على خصوصياته الثقافية واللغوية والإثنية، وهذا الأمر يتم من خلال تحقيق الديمقراطية الحقيقية التي تربط المسؤولية بالمحاسبة وتعطي للأفراد داخل المجتمع الحق في التعبير عن أفكارهم واختيار ممثليهم ونخبهم التي تمثلهم، وهو ما يتجلى في تعميق خيار الجهوية الموسعة التي تعطي للجهات صلاحيات واسعة في تدبير قضاياها السياسية و الإقتصادية والثقافية في إطار التنوع في ظل الوحدة، وهنا يمكن اقتراح صياغة ميثاق شرف من أجل الدفاع المشترك عن الهوية والمقدسات الوطنية والقومية والمصالح العليا للوطن، وإيجاد أرضية مشتركة للعمل المشترك في القضايا ذات الاهتمام المشترك، خصوصا النهوض بالثقافة الأمازيغية، وتنمية كل مناطق المغرب دون تمييز على أساس اللغة أو العرق، والعمل على تحصين المكاسب التي حققها المغرب في هذا المجال، بما يضمن للمغرب استمراريته في الإنتماء إلى الوطن العربي الكبير والحفاظ على خصوصيته الثقافية والحضارية، كما أكد ذلك الدستور الجديد، وكما تؤكده أيضا إتجاهات الرأي العام في المجتمع المغربي. ❜ هوامش❛ 1 - Bruce Maddy-Weitzman: The limits and potentials of Israel-Maghreb rela tions, IPRIS Maghreb Review, (August 2010 2 نفس المرجع، ص: 15. 3 الدغرني: العلاقات مع إسرائيل مصلحة أمازيغية، موقع هسبريس: 19 غشت 2009. 4 - Bruce Maddy-Weitzman, Moroccos Berbers and Israel, Middle East Quarterly, Winter 2011, p. 79. 5 - Bruce Maddy-Weitzman، نفس المرجع. 6 Robert MONTAGNE, Les Berbères et le Makhzen dans le Sud du Maroc :- Essai sur la Transformation Politique des berbères sédentaires Groupe Chleuh, Paris : Libr. Félix Alcan, 1930 7 محمد الغيلاني، تجربة البعثة العلمية ميشو بلير وروبير مونتاني، جريدة المساء : 03 - شتنبر - 2008 8 يونس ابو أيوب، المغرب: إصلاح السياسات وتجزئة الهويات، نشرة الإصلاح العربي، معهد كارنيجي للسلام العالمي، 6 يوليو/تموز، 2011 9 أحمد عصيد، سياسة تدبير الشأن الأمازيغي بالمغرب، بين التعاقد السياسي وسياسة الاستيعاب، المرصد الأمازيغي للحقوق والحريات، 2009، ص: 37. 10 محمد شفيق، بيان بشأن ضرورة الاعتراف الرسمي بأمازيغية المغرب، مارس 2000. 11 أحمد عصيد، سياسة تدبير الشأن الأمازيغي بالمغرب، نفس المرجع، ص: 45. 12 بيان للمنسحبين من مجلس إدارة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، فاس في 16 أكتوبر 2005. 13 أنظر موقع Amazigh news . 14 أنظر جريدة هسبريس الإلكترونية يوم 17 أبريل 2009. 15 جريدة التجديد يوم 24 شتنبر 2010. 16 - Maroc : Les exigences fondamentales des Amazighs, Paris 12/03/2011, Le Bureau du congres mondial amazigh, www.congres-mondial-amazigh.org. - [email protected] ❜ المراجع المعتمدة ❛ ● أخياط، إبراهيم ، الأمازيغية: هويتنا الوطنية، منشورات الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، الطبعة الأولى، 2007.الرباط ● خطاب الملك محمد السادس، بمناسبة وضع الطابع الشريف على الظهير المحدث والمنظم للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، بأجدير – خنيفرة، يوم 29 رجب الخير 1422،17 أكتوبر 2001 م. ● عصيد أحمد، أسئلة الثقافة والهوية في المغرب المعاصر، مطبعة بني ازناسن، سلا، 2002. ● عصيد، أحمد ، سياسة تدبير الشأن الأمازيغي بالمغرب، بين التعاقد السياسي وسياسة الاستيعاب، المرصد الأمازيغي للحقوق والحريات، 2009. ● مجموعة من الكتاب، أي مستقبل للأمازيغية بالمغرب؟، (2009)، منشورات الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط. ● مجموعة من الكتاب، حول خطاب الهوية بالمغرب، منشورات الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، سلسلة الدراسات الأمازيغية، الطبعة الأولى، 2007. ● وعزي الحسين، نشأة الحركة الثقافية الأمازيغية ، تحليل سيرورة تحول الوعي بالهوية الأمازيغية من الوعي التقليدي إلى الوعي العصري، مطبعة دار المعارف الجديدة، الرباط، 2000 ● Bruce Maddy-Weitzman, The limits and potentials of Israel-Maghreb relations, IPRIS Maghreb Review, (August 2010(. ● Bruce Maddy-Weitzman, Moroccos Berbers and Israel, Middle East Quarterly, Winter 2011, pp. 79-85 ● Paul Silverstein and David Crawford, Amazighe Activism and the Moroccan State, in Middle East Report, No. 233 (winter, 2004), pp. 44-48. ● موقع الكونجرس الأمازيغي العالمي: www.congres-mondial-amazigh.org ● موقع www.amazighworld.org :Amazigh world ● موقع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية: www.ircam.ma ● موقع amazighnews: http://www.amazighnews.net ● موقع جريدة التجديد: www.attajdid.info ● موقع هسبريس: : www.hespress.com