ثار جدل كبير داخل أوساط الحركة الأمازيغية لما تم نشر الدراسة الإسرائيلية التي كشفت وجود مخطط صهيوني يراهن على الورقة الأمازيغية لمحاصرة الحركة الإسلامية والحركة القومية العربية ومقاومة الخطاب المناهض لإسرائيل ومن ثمة المساهمة في دعم مسار في التطبيع. المشكلة أن بعض الانتقادات التي صدرت عن بعض النشطاء الأمازيغيين ركزت فقط على الجانب الشكلي وهل يتعلق الأمر بمقال أو دراسة، وهل نشرت ضمن منشورات مركز موشي دايان أم ضمن مجلة بحثية تصدر عن المركز البرتغالي للأمن والعلاقات الدولية، وفضلت ألا تتعرض للموضوع، وبشكل خاص المرتكزات والمقولات التي يتأسس عليها المخطط الصهيوني الذي ينطلق من تحديد عوائق التطبيع بين إسرائيل والدول المغاربية، (يعتبر أن الحركة الإسلامية والحركات القومية هي العائق الأساسي في ذلك لأنها خ حسب وجهة النظر الإسرائيلية- هي التي تعبئ الجمهور العربي، ليمارس الضغط على السلطة ويمنعها من أن تتقدم في مسار التطبيع) ثم يؤكد على رهانه على فاعل غير عربي (يقصد الأمازيغ) على هامش الشرق الأوسط (المغرب العربي) يقوم بدور بث خطاب منافس ومقاوم لخطاب الحركة الإسلامية والحركات القومية بشأن قضية الصراع العربي الإسرائيلي، بحيث يرتكز المخطط الصهيوني على مرتكزات أربع: 1- الرهان على الحركة الأمازيغية لأنها تحمل خطابا يقطع مع الرصيد الحضاري التاريخي العربي الإسلامي. 2- لأنها تتبنى خطابا يرتهن إلى النموذج الحضاري الغربي ويتبنى مفاهيمه الكونية، ويعتبر أن السمو للمواثيق الدولية على التشريعات الوطنية. 3 لأن اهتمامها وأولويتها لالمشاكل الحقيقية للمنطقة، أي لا يضع ضمن أولوياته قضية الصراع العربي الإسرائيلي لأنها لا تدخل ضمن خانة المشاكل الحقيقية الداخلية. 4 لأنها تتبنى خطابا لا يعادي إسرائيل ولا يناهضها ، بل يبحث عن الجذور الثقافية التاريخية للحوار الأمازيغي الإسرائيلي وما ينتج عن ذلك من مبادرات للاتصال والتطبيع مع إسرائيل. كان المفروض أن يتعمق النقاش أكثر حول هذا المشروع، وأن يتم استقصاء الدراسات الإسرائيلية حول الموضوع والرهانات التي تتطلع إليها في المنطقة ودور الحركة الأمازيغية المفترض ضمن هذا الرهان. وكان المفروض بالنسبة لكل مكونات المجتمع المدني، إسلاميين وحركة أمازيغية، وقوميين أن ينخرطوا في نقاش جماعي حول التحديات التي يشكلها التدخل الخارجي أولا ثم محاولات الاختراق الصهيوني ثانيا، ويضعوا في جدول أعمال هذا الحوار سبل تعزيز العلاقات البينية وتحصينها ضد أي عملية استغلال قد تصب ضد المصلحة الوطنية للبلاد. لكن شيئا من ذلك لم يتم، وكان أقصى ما صدر مواقف من نشطاء أمازيغيون ينزهون الحركة الأمازيغية عن أن تكون شريكا في أي مخطط يسعى للتمكين لأجندة التطبيع مع إسرائيل. من ناحية، يمكن اعتبار مقاربة الحركة الإسلامية لهذا الموضوع جد إيجابي، لأنها حاولت أن تعتبر الأمر محاولة لاختراق الحركة الأمازيغية مما يعني أنها تفترض أن هذه الحركة وطنية غير منخرطة في مسار التطبيع وأن ما حدث من هرولة لبعض النشطاء الأمازيغيين لإسرائيل لا يعني هذه الحركة ولا يعبر عن موقفها الرسمي. ومن ناحية أخرى، كان موقف بعض النشطاء الأمازيغيين أيضا إيجابيا لأنه فند الأطروحة الإسرائيلية المضللة والتي تذهب إلى حد اعتبار الحركة الأمازيغية حليفا استراتيجيا لإسرائيل. الخطير في الموقف، أن نفس الباحث في مركز موشي دايان ، أي بريس مادي ويتزمان، والمتخصص في الدراسات المغاربية منذ سنة ,1992 كتب دراسة أخرى سنة 2009 تحت عنوان إسرائيل والعلاقات مع الدول المغاربية حقائق وإمكانات كانت قدمت كورقة في مؤتمر إسرائيل والدول العربية: المصالح المتوازية، العلاقات، والاستراتيجيات نظم في 98 يونيو 2009 نظمه في القدسالمحتلة كل من مركز البحث العام في الشؤون الخارجية ومركز كونراد إدنهاور، ونشرت في شهر شتنبر 2009 بمجلة وذكرت بالتفصيل تحت عنوان ما العمل؟ الخيارات المطروحة أمام إسرائيل للتقدم في مسار التطبيع مع دول المنطقة سواء على مستوى السياسات الإقليمية، أوعلى مستوى التعاون الأمني أو على مستوى التعاون في المجال الاقتصادي، أو على مستوى المجتمع المدني. وضمن هذا المستوى، أي المجتمع المدني، اعتبرت الدراسة أن أمام إسرائيل مساحات معتبرة لتوسيع الاتصالات مع مكونات المجتمع المدني بدول المغرب العربي سواء بشكل مباشر أو عبر وساطة مكونات ثالثة، وأشارت إلى وجود انفتاح أكاديمي على إسرائيل، سواء بالنسبة للباحثين الذين يتواجدون داخل هذه الدول المغاربية أو الذين يستقرون في أوربا. وشمال أمريكا، وبهذا الخصوص عددت الدراسة أكثر من سبع خيارات من ضمنها الرهان على الحركة الأمازيغية، منطلقة من جملة من المقومات التي تعتبرها تفتح الإمكانية للتعاون الإسرائيلي مع هذه الحركة واستثمارها ضد الإسلاميين والقوميين ذكرت منها كون الحركة الأمازيغية حركة مناهضة للقومية العربية ومعادية لحماس، وكذا قيام ناشطين أمازيغ بزيارة إسرائيل، وإعلان بعضهم عقد جمعية للصداقة مع إسرائيل. المثير في هذه الدراسة أنها تقترح على إسرائيل أن تطور العلاقة مع الحركة الأمازيغية بشكل فيه حكمة حتى لا يتم اتهام إسرائيل بالتدخل في الشؤون الداخلية للمغرب، وتوصي أن تتعامل إسرائيل مع هذا الملف بشكل حذر حتى لا تصبح هدفا لاتهامات الأنظمة السياسية. وتوصي الورقة إسرائيل بضرورة أن تكون على اطلاع على ازدهار الثقافة الأمازيغية الحديثة في فرنسا، وأن تطور علاقاتها الثقافية مع الحركة الأمازيغية على جميع المستويات. الخلاصة، أن تواتر هذه الدراسات، وانشغال المراكز البحثية الإسرائيلية بموضوع الحركة الثقافية الأمازيغية وآفاق استعمالها إسرائيليا لكسر المقاومة والتسريع في وتيرة التطبيع، يضع قيادات كل من الحركات الإسلامية والتيارات الوطنية والحركات الأمازيغية أمام مسؤولية جسيمة، تبتدئ أولا بتحديد موقف من هذه المخططات، ثم ثانيا العمل على بناء أرضية جديدة لعلاقات بينية قوية بين هذه الأطراف تأخذ بعين الاعتبار هذه التحديات، وتؤسس لتفاهم وطني على أرضية عدم التنكر للمطالب اللغوية والثقافية المشروعة وفي الوقت ذاته الانخراط في دعم القضايا الوطنية والإنسانية وقضايا التحرر الوطني وفي مقدمتها نصرة القضية الفلسطينية ومقاومة التطبيع، ثم ثالثا الاتفاق على تدبير الخلاف ضمن الدائرة الوطنية وجعل الاستقواء بالخارج خطا أحمر.