في الحوار الذي أجرته مجلة أكتييل المغربية مع الباحث الإسرائيلي، بريس مادي ويتزمان، نفى هذا الأخير أن يكون في خدمة أي برنامج سياسي للحكومة الإسرائيلية لدعم الحركة الأمازيغية، وأن المركز الذي يشتغل فيه لا يقدم أي توصيات للحكومة الإسرائيلية، وأن مهمته تروم تطوير البحث وتعميقه حول التاريخ المعاصر للشرق الأوسط، وأن مناهضي الحركات الأمازيغية وجدوا أنه من العملي إطلاق اتهاماتهم بوجود مؤامرة إسرائيلية لاختراق شمال إفريقيا من أجل تحقيق أهدافهم السياسية، وأكد في هذا الحوار أن أبحاثه ودراساته تركز بالأساس على منطقة شمال إفريقيا. هذا النفي يحمل على الأقل بعض الإيجابيات، فهو أولا يقطع مع محاولة رمي الدراسة بأنها ملفقة أو السعي إلى التبخيس منها ومحاولة رمي معطياتها بعدم الدقة، والتي تكشف عن عدم الاطلاع عليها بالنظر لدقتها وشموليتها والناجمة عن تخصص الباحث الإسرائيلي وايتزمان في الموضوع الأمازيغي المغربي منذ أزيد من أربعة عشر سنة وذلك بحسب سجل دراسته المنشورة، كما يقطع مع مزاعم عدم ربطها بالمركز الإسرائيلي عبر القول بأنها نشرت في دورية برتغالية، في حين تم وضعها على موقع الإنترنت الخاص بالمركز الإسرائيلي المعروف بدوره في صناعة مواقف صناع القرار داخل وخارج الكيان الصهيوني، كما إن إنتاجها تم نتيجة احتضان المركز لهذا الباحث ولهذا نشرت بالإحالة على وضعيته في المركز واعتمدت من قبل المركز ضمن خانة منشورات باحثيه. والمؤكد أن النفي محاولة للتهرب من أن يكون لكشف الدراسة أثر في إرباك المخطط الإسرائيلي، بعد أن شاع لعقود منطق أن العرب لا يقرؤون، لكن العكس هو الذي حصل وتمت قراءة التقرير وأنتج ردود فعل قوية ضده وعلى رأسها ردود فعاليات مؤثرة في الحركة الأمازيغية، التي أبرزت هامشية المنخرطين في التطبيع من الحركة الأمازيغية، ولاسيما وأن الدراسة التي نشرت في آخر يوليوز الماضي حول حدود وإمكانات العلاقات الإسرائيلية المغاربية، خصصت فقرات دالة للموضوع الأمازيغي في المغرب والتي انتهى فيها إلى تقرير خلاصتين اثنتين: 1 أن إحداث أي تقدم في هذه العلاقات رهين بإحداث تقدم في مسلسل السلام في الشرق الأوسط. 2 أن التقدم في هذه العلاقات رهين بإضعاف خطاب الحركة الإسلامية والحركة القومية، باعتبارهما يشكلان العائق الأساسي أمام التطبيع، وأن الحركة الأمازيغية (الفاعل غير العربي)، يمكن أن تقوم بدور كبير في مواجهة هذا الخطاب، بحكم أنها؛ حسب الباحث: - حركة غير مرتبطة بالإرث التاريخي الحضاري العربي الإسلامي. - أنها مرتبطة بالنموذج الغربي وقيمه الكونية. - أنها تركز على المشاكل الداخلية الحقيقية ولا تعتبر قضية الصراع العربي الإسرائيلي قضيتها. - أن لها جذور تقارب تاريخي مع اليهود. هذا ما أفصحت عنه خلاصات الدراسة، التي كانت تتحدث عن إمكانات إسرائيل في إحداث تقدم في العلاقات المغاربية، وهي نفس الخلاصات التي صاغها الباحث نفسه، في صيغة توصيات صريحة في مقاله إسرائيل والعلاقات مع الدول المغاربية حقائق وإمكانات ونشرت في موقع المركز الإسرائيلي، وكانت في الأصل ورقة قدمت في مؤتمر إسرائيل والدول العربية المصالح المتوازية، العلاقات، والاستراتيجيات، نظم في 98 يونيو 2009 في القدسالمحتلة، كل من مركزالبحث العام في الشؤون الخارجية GLORIA ومركز كونراد إدنهاور، ونشر في شهر شتنبر ,2009 ضمن مقال متخصص بمجلة Middle East Review of International Affairs. فتحت عنوان ما العمل؟ استعرض الباحث المذكور الخيارات المطروحة أمام إسرائيل للتقدم في مسارالتطبيع مع دول المنطقة، وذكر بهذا الخصوص خيارات على مستوى السياسات الإقليمية، وعلى مستوى التعاون الأمني وعلى مستوى التعاون في المجالالاقتصادي، ثم على مستوى المجتمع المدني. وضمن هذا المستوى، اعتبر الباحث أن أمام إسرائيل مساحات معتبرة لتوسيع الاتصالات مع مكونات المجتمع المدني بدول المغرب العربي، سواء بشكل مباشر أو عبر وساطة مكونات ثالثة. وفي هذا الصدد، طرح توصية تعزيز الاتصالات مع الحركة الأمازيغية؛ مشيرا إلى جملة المقومات التي تفتح الإمكانية للتعاون الإسرائيلي مع هذه الحركة، واستثمارها ضد الإسلاميين والقوميين ومنها: - كونها حركة مناهضة للقومية العربية ومعادية لحماس. - قيام ناشطين أمازيغ بزيارة إسرائيل، وإعلان بعضهم عقد جمعية للصداقة مع إسرائيل. وأوصت الورقة بأن تطور إسرائيل في علاقتها مع الحركة الأمازيغية في المغرب، بشكل مختلف عن الإطار الذي يتعاون فيه النظام السياسي المغربي مع هذه الحركة لمواجهة الحركات الإسلامية، حتى لا يتم اتهام إسرائيل بالتدخل في الشؤون الداخلية للمغرب، كما دعت إلى أن تتعامل إسرائيل مع هذا الملف بشكل حذر، حتى لا تصبح هدفا لاتهامات الأنظمة السياسية كذلك. هذه الورقة المنشورة في المصدر، الذي أشرنا إليه، واضحة وصريحة في كون الباحث الذي خصص أكثر من ثلاثين سنة في الدراسات المغاربية وأفرد للموضوع الأمازيغي أكثر من ست مقالات متخصصة، ذات أثر كبير على الأجندة السياسية للحكومة الصهيونية، التي تسعى بكل الطرق لإيجاد مسلك بغية إحداث تقدم في مسار التطبيع مع الدول العربية.يبقى في الأخير، أن نشير إلى أن تجنيد البحث العلمي لتحقيق الأجندات السياسية للحكومات، ليس وليد اللحظة، فقد سبق تشغيل جيش كبير من الباحثين والمستشرقين من شتى صنوف المعرفة، من أجل التمكين للسياسة الاستعمارية في المغرب، وإسرائيل باعتبارها كيانا عنصريا مغتصبا، لن تتردد في استعمال نفس الورقة من أجل التمكين لمشروعها الصهيوني التوسعي. في الختام نشير إلى أن المفروض مغربيا هو قراءة الدراسة الإسرائيلية بعلمية لفهم رهانات الآخر والذي يستغل كل الأوراق المتاحة سواء كانت أمازيغية أو عربية أو يهودية للدفع بسياسة التطبيع، وهو التحدي الذي تنبغي مواجهته بنبذ كل تقسيم إثني أو ديني مغربي.