اعتبر عبد الله ساعف، أستاذ علم السياسة ووزير سابق، أن حركات الاحتجاج التي تلت تشكيل حركة 20 فبراير لم تمس موازين القوى في عمقه في المغرب، وهو ما يفسر حسب الباحث في العلوم الاجتماعية، ضعف استجابة النظام المغربي لحزمة المطالب المرفوعة. وكانت حركة 20 فبراير والربيع العربي منظورا إليه من قبل العلوم الاجتماعية في صلب مناقشة الجلسة الافتتاحية للملتقى الثاني للباحثين في العلوم الاجتماعية الذي انطلق يوم السبت بالرباط من تنظيم المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة. وتساءل ساعف في سياق تناوله المعرفي لما جرى من حراك على مستوى الساحة المغربية: ألا تشكل الحركة الاحتجاجية بشكلها الراهن نوعا من المشاركة السياسية. وكانت من خلاصات قراءة ساعف لما جرى في المغرب من حراك أن كل المؤشرات الإحصائية والسياسية تشير إلى الحالة المغربية على مسافة متأخرة من وتيرة الحراك الذي عرفته مصر وتونس واليمن، وهو ما يؤشر إلى طبيعة الاستجابات الحاصلة على مستوى الفاعل المركزي في السياسة بالمغرب. وتساءل ساعف: هل الحركات الاحتجاجية الحالية تعتبر سلطة مضادة للدولة؟ وهل دخول النهج الديمقراطي والعدل والإحسان في مكونات حركة 20 فبراير سيس الحركة وبالتالي حد من جماهيرية الحركة؟ وماهو دور العامل الخارجي في تأطير ماحصل من حراك في المغرب؟ من جانبه تناول مصطفى محسن، باحث في العلوم الاجتماعية، في ذات الجلسة التي جاءت تحت عنوان "الثورات العربية والعلوم الاجتماعية، المأزق النظري والحاجة للإبداع في آليات الرصد والتحليل"، أن صيرورة التحول في الساحة العربية غير مكتملة، وأنها منفتحة على احتمالات عديدة. منبها في ذات الوقت بأن موجة الثورات التي تجتاح العمق العربي تؤشر لتغيرات على مستويات سياسية واقتصادية واجتماعية في المستقبل المنظور. واعتبر محسن ان ماحصل في مجمل الرقعة العربية سيكون له انعكاس ايجابي في رفد المشروع النهضوي الحضاري العربي. ويهدف الملتقى إلى إثارة النقاش حول القضايا المرتبطة بالتحولات الراهنة، وذلك بهدف توجيه الباحثين والمهتمين والمتخصصين في العلوم الاجتماعية للانكباب على سبر أغوار هذه التحولات ولاستشراف آفاق وتطور الحراك المجتمعي بالمغرب.، في هذا الإطار، نبه رئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة مصطفى الخلفي، إلى أن هناك حاجة ملحة للقيام بدراسة علمية للتحولات الاجتماعية العميقة التي يعرفها المجتمع المغربي والتي أفرزت الحراك الديمقراطي الذي نشهده منذ حوالي سبعة أشهر. مضيفا على أن هذه التحولات العميقة تفرض على الفاعلين في المجالات السياسية والاجتماعية والحقوقية تقديم برامج وأجوبة وسياسات جديدة تواكب التغيرات الراهنة. وفي سياق محاولة تفكيك مجريات الحراك الاجتماعي بالمغرب منذ انطلاقته في فبراير 2011 متزامنا مع الربيع العربي، تساءل عبدا لله ساعف، هل فعلا بدأت الحركات الاحتجاجية في المغرب مع حركة 20 فبراير. وعند التأمل، يخلص مدير مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، إلى أن الفعل الاحتجاجي في المغرب سابق على تاريخ 20 فبراير. ومن أمثلة ذلك ما حصل في العيون مع مخيم "اكديم إزيك" بالعيون في نونبر 2010 وقبلة أحداث صفرو وسيدي افني. منبها إلى أنه من السذاجة اختزال تواريخ الفعل الاحتجاجي في حركة 20 فبراير. وفي جانب آخر تناول ساعف علاقة ما يحصل حاليا من حراك من منظور علم السياسة خاصة، والعلوم الاجتماعية عامة. متسائلا: هل كان من الممكن التنبؤ بماجرى؟ وأبرز ساعف أن ملاحظة الظاهرة "الفبرايرية" تؤكد على أن المحيط الاحتجاجي الذي واكب ظاهرة الحراك في المغرب ظل على العموم ضعيفا، و عن الأجوبة المقدمة لهذا الحراك، نوه ساعف على أن الدولة قدمت عدد من الأجوبة أبرزها، المجلس الاقتصادي والاجتماعي، المجلس للوطني لحقوق الإنسان، مؤسسة الوسيط، ، عدد من الإجراءات الاجتماعية، الإصلاح الدستوري. لكن الباحث يتساءل: لماذا اتخذ مسار الإصلاح هذا المنحى، وهل الأجوبة المؤسساتية التي قدمتها الدولة تستجيب لخطاب 9 مارس؟ أما أجوبة الفاعلين فتنوعت من حصول مخاضات في الأحزاب، طرح إشكالية حزب الأصالة والمعاصرة، وعدم تصدر بعض قيادته المشهد الحزبي كما كان في السابق. أما على مستوى السياسة الأمنية فسجل ساعف حصول نوع من الاعتماد في لحظات على العنف الفائض على الحاجة من أحل إعطاء الدروس وللردع الوقائي. ولقراءة ما حصل من تحولات في المغرب، يرى ساعف، أنه على الأقل هناك عدد من العوامل العميقة المفسرة،، ذلك أن التحولات الديمغرافية كانت تنبؤ بتحولات ستكون لها تبعات وستخلق انسدادات على المستوى الاقتصادي ، ثم على مستوى إعادة هيكلة الأدوات الايديلوجية للتحكم وأيضا مسار السياسيات العمومية المتبناة في مختلف المجالات. وشدد ساعف من خلال قراءته لحركة 20 فبراير، أن هذه الأخيرة عرفت تحولات متسارعة من الداخل، وعلى عديد من المستويات. فحركة شباب 20 فبراير تحولت لتنعت فيما بعد بحركة 20 فبراير. ثم أنها ضمت دوائر فكرية واسعة انطلاقا من اليسار الراديكالي إلى الدائرة الإسلامية مرورا بتيارات من الأحزاب السياسية الفاعلة. وتساءل ساعف من منظور مكونات الحركة: لماذا لم نجد كما حصل في مصر مثلا رجال أعمال مغاربة يتبنون بعمق خطاب حركة 20 فبراير. ثم لماذا انسحب عدد من رجال الأعمال الذين همشتهم السياسة الاقتصادية التي اتبعت لعقود في منتصف الطريق؟ وتوقف الباحث عند السمات الأساسية المميزة لحركة 20 فبراير، التي من الصعب تصنيفها كحركة اجتماعية، والتي حصرها في أربع. أولها: أنها حركة بدون قيادة. ثاني السمات أنها ليس هناك وجه واحد يرسم معالم الحركة، فحركة 20 فبراير، حسب ذات الرؤية، غير ممركزة، وقراراتها من الناحية الشكلية ظلت تتخذ في جموع عامة، ثم إن مكوناتها غير منضبطة. السمة الثالثة وفق ساعف، تكمن في أن الحركة ظلت متقلبة على مستوى سقف مطالبها. فمن الملكية البرلمانية إلى إسقاط الفساد إلى دستور ديمقراطي... فخطاباتها ظلت تنتقل في مسارات متعددة وغير مفهومة في بعض المحطات، كما أن من سماتها المميزة كون شعاراتها المرفوعة تتغير بسرعة.