بقدر ما يتقدم التحضير القانوني للانتخابات مع بدء المناقشات البرلمانية للمشاريع بقدر ما يتراجع التحضير السياسي لها وما ينميه ذلك من مخاوف وقلق على مستقبل التطور الديموقراطي في المغرب، وذلك في الوقت الذي كان من المفروض أن يكون الثاني عاملا لجعل الأول يتقدم بشكل أسرع، مما يعني وجود مأزق سياسي أدت ردود الفعل إلى تعميقه دون اتضاح أفق للحل والتجاوز . من الواضح أن الرهانات المباشرة لما يلاحظ من حملة سياسية وإعلامية منسقة ضد تيار المشركة السياسية للإسلاميين تكشف عن قصر نظر حقيقي لا يضع المصلحة الوطنية كأولوية كبرى وما تقتضيه من تجاوز الحسابات الضيقة، بل وسقط في شحن المناخ السياسي بتوترات مفتعلة هدفها المركزي إطلاق مشروع تحريضي إقصائي جديد ضد الإسلاميين يمكن من إعادة فرض المشرع الحزبي السلطوي، وذلك ضدا على ما جاء به الدستور الجديد من تعزيز لمكانة ووضع المعارضة البرلمانية، وعوضا عن ذلك سعي البعض لإجهاضها ومحاصرة كل مقاومة ممكنة للنزوعات السلطوية الهامشية والمناهضة لروح المراجعة الدستورية وما فتحته من آفاق واعدة لتطور ديموقراطي إصلاحي. ثمة حاجة للتأكيد مرة أخرى على أن النقاش السياسي حول الانتخابات مهدد بفقدان البوصلة والمرحلة الراهنة تقتضي التدخل للتصحيح ووضع المغرب على الطريق الصحيح، مثلما حصل في لحظات أزمة سابقة وجرى احتواؤها قبل فوات الأوان. منذ انطلاق الحراك الديموقراطي العربي اختارت بلادنا مسارا مختلفا قائما على ثنائية الإصلاح والاستقرار، باعتبارهما سكتي الطريق المغربي لمستقبل جديد، ومسؤولية القوى الوطنية في البلاد عدم السماح بأي ارتباك في أحدهما، وهو ما أكد قدرة التكيف والتصحيح الذاتي في بنية النظام السياسي المغربي، وهي قدرة ازدادت قوة بعد أحداث "اكديم إزيك" وبعدها تحديات الضغط الديموقراطي حيث جعلت المغرب يربح، إثر خطاب 9 مارس وبعده دستور فاتح يوليوز، رصيدا وطنيا وموقفا دوليا، كما تفسر الفشل الأولي للحملة السياسية والإعلامية على مستويين، عجزها عن إقناع عموم الفاعلين السياسين والحزبيين بالانخراط فيها، ثم عدم التمكن من دفع تيار المشاركة السياسية الإسلامية إلى إعادة النظر في موقفه من وجوب المشاركة في الانتخابات المقبلة والحرص على توفير كافة الضمانات لجعلها نزيهة وذات مصداقية وبمشاركة كثيفة، وهو الموقف الذي سيحكم السلوك السياسي في المرحلة القادمة مهما بلغت قوة الضربات الموجهة، وذلك لسبب بسيط وهو أن دعم الاستقرار وإنجاح الإصلاح خطان أحمران لا تنازل عنهما عند تيار المشاركة، وكل تراجع سيؤدي ثمنه المغرب كبلد مدعو لتعزيز موقعه في المحور الديموقراطي المتشكل حديثا في المنطقة المغاربية. نقف هنا لاستيعاب مخاطر الحملة السياسية الراهنة، والتي نجد آخر مؤشراتها في أسبوعية "جون أفريك" في عددها الأخير الصادر أمس الأحد حيث صدرت بعنوان غريب عن التوتر الانتخابي في المغرب قوامه "ماذا يلعب العدالة والتنمية؟" والجواب واضح "إنه يتحمل مسؤوليته في تجسيد مقتضيات الدستور في المراجعة الانتخابية"، لكن تقع التغطية على هذه المسؤولية بافتعال أوهام وأكاذيب تضمنها بجلاء تعليق ديبلوماسي أوروبي بالرباط في الأسبوعية نفسها مفاده أن "العدالة والتنمية يرهن نزاهة الانتخابات بفوزه، وفي حال العكس فعلى المغرب أن يستعد لمآلات على النمط الجزائري، وهذا أمر مقلق يعزز أطروحة المشككين في قبول الحزب بكافة القواعد الديموقراطية"، حيث ظهر واضحا أن صاحب التعليق أو من أوحى به على جهل فاضح بحزب العدالة والتنمية والتيار الإسلامي المساند له، أولا من حيث دور هذا التيار في مقاومة كل استنساخ للتجربة الجزائرية الاستئصالية وإدانة ما شهدته من مجازر ورفض استنساخ مقدماتها كالقول ب" أن لا ديمقراطية لغير الديموقراطيين" والتحذير الصارم من ذلك مع التذكير بأن المآل الدموي المدان والذي سقطت فيه الجزائر طيلة حوالي عشر سنوات كان بدعم دول أوربية وقفت إلى جانب جنرالات الجزائر في ذلك بعد الانقلاب على انتخابات دجنبر 1991 ثم تأتي اليوم لتذرف دموع التماسيح على ذلك، ولا نحتاج للتأكيد من أن هذا الدور هو مسؤولية سنستمر في القيام بها لأن استقرار بلادنا فوق كل اعتبار، ولا يمكن السماح بالعبث به، وثانيا، وهذه رسالة إلى هذا الدبلوماسي الأوروبي ومن يروجون لنفس موقفه، ذلك أن أدنى دراسة لمقترحات الحزب حول مشاريع القوانين المعروضة تفضح من هو الديموقراطي وغير الديموقراطي، وكيف أنها تعكس إرادة واضحة في ضمان تحضير ديموقراطي للانتخابات، لكن الخوف من الاستجابة للضمانات الديموقراطية ولد حملة مضادة لتبرير رفضها، وذلك تحت مزاعم كاذبة أساسها ربط الحزب بين نزاهة الانتخابات وفوزه فيها. قبل أشهر تعرض المغرب لمخاطر هزة أثناء المراجعة الدستورية وتمكن من الخروج منها، وقناعتنا أن ما ساعد على ذلك الخروج سيمكن بلادنا من تجاوز الهزة التي تعرضت لها بسبب أخطاء التدبير الانتخابي،