تختلف دينامية الفرز السياسي في بلادنا عن سابقتها التي شهدتها المحطات الانتخابية السابقة، وما شهده المغرب من تكرار للنماذج الماضية في الفرز السياسي في الآونة الأخيرة ليس سوى مناورات مكشوفة لإرباك مسلسل التحول الديموقراطي تشوش على الفرز الحقيقي، ولاسيما بعد أن ظهرت محدوديتها في تأسيس موقف مشترك في تدبير استحقاقات الإصلاح الانتخابي فضلا عن أن يكون لها أثر على خوض الانتخابات القادمة بما يعطي لعمليات التجميع الجارية معنى سياسي انتخابي. لقد اتخد الفرز السياسي المتسارع مسارا مغايرا للماضي، جعله يختلف عن حالة الفرز الفوقية والشكلية التي ظهرت بعد «بلاغ الأربعة» وقادها الحزب السلطوي، كما أنه يتجاوز الفرز الذي يجري السعي لإقامته من قبل البعض على قاعدة الورقة الأمازيغية والذي يكتسب طابعا دعائيا ورمزيا مفتقدا للأثر الواقعي، وتعود أسباب هذا الاختلاف إلى كون الفرز السياسي الحقيقي وليس الوهمي أخذ يتأسس بشكل فعلي على قاعدة من مع مسلسل التحول الديموقراطي ومن يقف ضده، وهو ما انعكس بشكل ملموس على مستوى التحضير الديموقراطي للانتخابات القادمة وظهر فيه اصطفاف واضح بين من يسعى لمراجعات شكلية وجزئية ومتخلفة عن المراجعة الدستورية الأخيرة، وبين من طالب بأن تكون المراجعة الانتخابية في مستوى اللحظة السياسية للبلاد. اليوم ثمة فرز سياسي محكوم بسياق وطني وعربي ودولي مختلف جذريا عنوانه التحول الديموقراطي، ذلك أن السياسة لم مجرد شأن فوقي ومحصلة المناورات المهربة، بل أصبحت موضع مراقبة وملاحقة من قبل المجتمع بمختلف مكوناته سواء منها المشاركة في المسار المؤسساتي أو الموجودة خارجه، وكل خطأ أو تلاعب أو استهانة بالتطلع الشعبي نحو ديموقراطية حقيقية، يكون ثمنها ضرب مصداقية المسلسل الانتخابي ككل وخدمة خطابات التيئيس ضرب الثقة في جدوائيته. لهذا فشلت المناورات التي هدفت تفجير تناقضات حركة 20 فبراير عبر توظيف ورقة التناقض الإسلامي اليساري، كما فشل توظيف نفس الورقة على مستوى المشهد الحزبي وذلك في مواجهة حزب العدالة والتنمية وبوهم عزله أو إضعاف قدرته على التأثير لمصلحة الإصلاح السياسي الحقيقي، وهو ما تكشف مجموع تطورات الأحداث وآخرها تحديد موعد الانتخابات عن فشل مشاريع المواجهة التي لا تتجاوز حدود التشويش. من السابق لأوانه تحديد مآلات الفرز السياسي القائم، وإن كانت مؤشراته الأولية تقول بتجاوز الحراك السياسي المغربي لمقولات الصراعات بين التيارات الإسلامي والوطني واليساري، وأن ذلك أخذ يؤسس لشروط جديدة في الممارسة السياسية بالبلاد، تفرض فك الارتهان لحسابات تاريخية متجاوزة وظفت في الماضي لمصلحة «حروب» استنزاف هامشية، ولم يعد من الممكن العمل بها، فهناك اليوم شعب يراقب ولن يرحم أحدا قبل بالتواطؤ لإجهاض مشروع التحول الديموقراطي.