يعتمد الخطاب السياسي عند الوزاني على مرجعية فكرية قوية، فهو يستند على الكتاب والسنة وعلى كتب التاريخ الإسلامي في محاولة منه لنسج خطاب سياسي متميز، يحاول أن يثبت به بعض المفاهيم السياسية الحديثة عن طريق دحض بعض "الشبهات" التي تحاول أن تنفي عن الدين الإسلامي مهام تدبير الشأن السياسي، وتجعله في نفس المكانة التي يحتلها الدين المسيحي في وعي المنتسبين إليه. وينطلق الوزاني في بناء مشروعه الفكري من دحض الأطروحة العلمانية انطلاقا من قراءة سريعة لوظيفة الإمام في التصور الإسلامي، كما أنه يستغل الفرصة لإثبات "سخافة" نظرية الحق الإلهي. يعتمد الوزاني على بداية التاريخ السياسي للمسلمين، وبالضبط على المرحلة النبوية، ليستدل على تلازم السلطتين الدينية والدنيوية في التصور الإسلامي لنظام الحكم، "فالبرغم من قيام الرسول بأمر الدعوة الدينية فقد كان في أمته بمثابة الملك والسلطان، إذ كان يدبر أمور الجماعة كلها في السلم والحرب، وبعبارة هو الذي كان يتولى السياسة العامة، فكان فضلا عن كونه صاحب الدعوة، رئيس الملة وقائدها"(الإسلام والدولة أو حقيقة الحكم في الإسلام)، ولأنه كان على وعي تام بما انتهى إليه الفكر الغربي من ضرورة الفصل بين الدين والسياسية، فإنه ينبه إلى منزلقات تعميم هذه الأطروحة لتشمل الدين الإسلامي لأن "الإسلام يعنى بسياسة الأمة كما يعنى بحياتها الروحية" وبقدر ما "تعرض المسيحية عن الحياة الدنيا وتنكر القوة والمادة إنكارا تاما، ولا تعنى بالسياسة مطلقا، يأمر الإسلام بالعمل للدنيا والآخرة معا". ونظرا لتكوينه الغربي وإلمامه بتطور الفكر الأوربي الحديث، فإنه كان مضطرا للدخول في بعض التفاصيل لبيان خصوصية التجربة السياسية في الدين الإسلامي، وهكذا يبدأ بعقد مقارنة بين الأديان ليبرهن على أن "المسيحية ديانة تقوم على الموادعة المتناهية والزهادة المطلقة في الدنيا، وتكريس الحياة للتأمل والعبادة"، "وتجعل أقصى الحكمة وأحسن المحبة في المسيح الإعراض عن جميع أمور الدنيا واعتبارها أوحالا وقاذورات. فالحياة الدنيا بما فيها لا تستحق في نظر المسيح أي اعتبار"،أما الإسلام فلا نجد فيه أي "تعارض بين الدنيا والآخرة، والدين والسياسة،والروح والمادة، بل الإنسان يجمع ويوفق بينهما". ويخصص محمد حسن الوزاني بعض الصفحات للرد على ما أسماه "مطاعن مونتيسكيو" هذا الأخير الذي ذكر في كتابه "روح القوانين" أن "الحكومة المعتدلة أليق بالديانة المسيحية وأن الحكومة الاستبدادية أنسب للديانة المحمدية". غير أن الطريقة التي يؤسس بها نظرته إلى علاقة الدين بالسياسة تحمل في جذورها بعض عناصر الجدة. فإذا كانت شخصية الرسول (ص) تجمع بين السلطتين الدينية والدنيوية، فإن الوزاني يلاحظ بأن "الصفة الغالبة على الحكومة النبوية كانت دينية لأن صاحبها كان منوطا قبل كل شيء بالرسالة وقائما بالدعوة عن وحي من الله وأمره". وهو ما يفيد ضمنيا بأن رئيس الدولة أو الخليفة في الإسلام يعتبر بشرا مثله مثل أي واحد من المؤمنين "إلا أنه يحمل أعباء السياسة ويتقلد منصب الحكومة"، وليست له أي سلطة دينية اتجاه "رعاياه". وهكذا فهولا يعترف بما سمي عند الغربيين بالسلطة الروحية، التي يعتبر القابض على زمامها "بمثابة صاحب الديانة نفسه، فله الحق في تحريم ما يشاء وتحليل ما يريد.. و له أن يتصرف في العقائد والعبادات وهو ذو عصمة تامة ويسود العباد باسم الله فهو مقدس الشخص والقول والفعل، فكأنه إله أو يكاد..وهذا هو شأن البابا في الملة الكاثوليكية"، وهو بذلك يريد أن يمهد إلى أن القائم على السلطة في البلاد الإسلامية لا يمكنه أن يتذرع بسلطة الدين للاستبداد بما يشاء من سلطات، فلا كهنوت في الإسلام. أما وظيفة الخليفة الدينية فتتجلى في كونه "حارس الدين والملة وقائم بسياسة الرعية وليست له أي سلطة روحية كما أنها ليست لأحد غيره ولو من علماء الشريعة"( يميز الوزاني هنا يبن السلطة الروحية كما هو عليه الشأن في أوربا، وبين حق الاجتهاد الذي له حدود وشروط معروفة في الفقه الإسلامي)، ويعتمد على كتاب "الأحكام السلطانية لأبي الحسن المارودي" ليتبنى مقولته بأن الخليفة "ليس له من السلطة إلا ما يحفظ به الدين على أصوله المستقرة، وينفذ به الأحكام المشروعة ويقيم حدود الله ويحمي البيضة ويذب عن الحريم" ثم يقتبس من "أحمد أمين" صاحب كتاب "فجر الإسلام"، وظائف الخليفة التي يحددها في كونه "رئيسا للسلطة القضائية والإدارية والحربية، ولكن ليست لديه سلطة تشريعية إلا تفسيرا لأمر أو اجتهادا فيما ليس فيه نص".