ثمة سببان مباشران أديا إلى اشتعال الثورة في مصر، الأول هو التأثير السريع للرجة الثورية في تونس، أما الثاني فهو التفجير الذي استهدف كنيسة القديسين في الإسكندرية، وخلف غضبا كبيرا في مصر على أجهزة الأمن التي تتقن القمع ولا تعرف كيف تحمي الوطن، والحدث هزّ مصر ليلة رأس السنة الميلادية وأثار شكوك حول دور جهات في الدولة في صنعه، لأهداف سياسية صرفة. إلا أن الثورة المصرية، من زاوية تأريخية، بدأت مؤشراتها تظهر منذ سنة 2000، حيث تمكنت شخصيات سياسية وفكرية وفنية، يسارية وإسلامية وقومية، من تأسيس اللجنة الشعبية لدعم الانتفاضة الفلسطينية، عمدت إلى القيام بحملات شعبية من أجل جمع الدعم، والضغط على نظام مبارك لتعديل مواقفه المتخاذلة في نظرهم تجاه القضية الفلسطينية، وأظهرت لنشطائها بعد ذلك مقدرة التيارات المختلفة على العمل المشترك فيما يخص قضايا مشتركة تخص الأمة. كانت الوقفات والمشيرات والحملات التي نظمتها هذه اللجنة هي الأولى من نوعها منذ آخر احتجاجات عرفتها مصر في يناير من سنة 1977. لما انتهت الانتفاضة، جاء مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي روجت له الإدارة الأمريكية، وظهر للنخبة المصرية أنه لابد من تحرك شعبي يقف في مواجهة هذا المشروع، خاصة وأن السخط الشعبي على النظام كان قد وصل ذروته بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، مما أدى بعد شهور من انطلاقته إلى تأسيس «حركة كفاية» في شتنبر 2004، وهو توقيت تزامن مع مؤتمر الحزب الحاكم، وعلى مسافة زمنية قصيرة من الانتخابات الرئاسية. تنبني الفكرة الجوهرية التي بلورتها كفاية على أن مصر تعيش استبداد داخلي، يزيد من تعقيده الدعم الخارجي، لكن مدخل المعالجة يقتضي البدء من مناهضة الاستبداد الداخلي أولا، وهي فكرة بلورها ما يسمى بجيل السبعينيات من إسلاميين ويساريين وقوميين. أبرهم عبد الوهاب المسيري، وجورج إسحاق وعبد الحليم قنديل وأبو علا ماضي وغيرهم، ورفعت شعارا بسيطا وعميقا في الوقت نفسه هو «لاتجديد لا توريث» والمقصود مبارك وابنه جمال. وقد لجأت حركة كفاية في أسلوب عملها إلى التظاهر والاحتجاج أساسا، وتوزيع منشورات وتنظيم ندوات ونشر مقالات وبحوث، تعمق الوعي بأزمة مصر. وفي الانتخابات التشريعية لسنة 2005، ثم الانتخابات الرئاسية، أظهرت حركة كفاية قدرة على الصمود، ونجاحا في دفع فئات أخرى للاحتجاج، خاصة أساتذة الجامعات، ثم القضاة والمحامين. لكن يبدو أن الحركة أرهقت نفسها، وأرهقها الأمن بالقمع والتضييق، إذ بعد سنتين بدأ يتراجع ثقلها الشعبي، ولم ينقذها سوى ظهور مجموعات شبابية على الفايسبوك سنة 2007، دعت إلى الإضراب العام بمدينة المحلة الكبرى يوم 6 أبريل 2007 في ذكرى إضرابات عمال النسيج والغزل حدثت سنة 1977. والمفاجأة أن الدعوة كانت كبيرة، وشارك فيها المواطنون عامة، واستمر الإضراب ثلاثة أيام، أظهر للنخبة المصرية المعارضة قدرة المصريين على التحدي والعصيان. ومن رحم تلك الانتفاضة العمالية/الشعبية، وُلدت حركة شباب 6 أبريل، وبعد سنة من ذلك صدر بيان مشترك بين هذه الحركة وحركة كفاية وطلبة الجامعات في 21 مارس 2009، دعوا فيه إلى يوم غضب عام، استجاب لها الآلاف في مدن القاهرةوالإسكندرية وغيرها، هذا الحدث كان ضخما وشجع الأطراف الثلاثة على مزيد من التنسيق والعمل المشترك. ومع استمرار التظاهر، ظهرت مجموعات شبابية أخرى، مثل شباب من أجل الحرية والعدالة، وكلنا خالد سعيد، وحملة مساندة البرادعي، وحملة طرق الأبواب، وغيرها كثير. وكأن القدر كان يسوق مبارك نحو حتفه، ذلك أنه خلال عقد كامل من الاحتجاج والتظاهر تعلم المصريون كيف يواجهون القمع الأمني، وأبدعوا وسائل عديدة في كيفية إرهاق قوات الأمن، ودفع المواطنين للعصيان والتحدي. في مواجهات أدت أحيانا إلى ارتكاب الأمن لتجاوزات خطيرة، مثل الاختطاف والتعذيب حتى الموت، كما وقع مع الشاب خالد سعيد في يونيو 2010، الذي علا اسمه يوم 25 يناير 2011 يوم بدأت أركان ثاني نظام عربي في الارتجاج قبل أن يسقط.