سيظل يوم 14 يناير تاريخا فاصلا في تاريخ تونس والدول العربية، ذلك هو اليوم الذي هرب فيه الرئيس التونسي المخلوع بن علي إلى العربية السعودية. الهروب كان مفاجئا، لقد شكّل صدمة للأنظمة الحاكمة، كما شكل دُفعة قوية للثورات العربية. قبل أن يهرب، خاطب بن علي التونسيين ثلاث مرات، الخطاب الأول جاء بعد أن عمت الاحتجاجات مدن ولاية سيدي بوزيد، واتسعت بدء من 27 دجنبر 2011 لتشمل مدنا أخرى، أبرزها ولايات تونس وصفاقس والقيروان والقصرين وتالة وقفصة، انضم إليها النقابيون، وفي اليوم التالي(28 دجنبر) تكلم بن علي، لكن عوض أن يترحم على القتلى هاجم المحتجين والمتظاهرين، وأدان ما وصفه ب»أعمال الشغب»، بل هّدد بالصرامة وبإعمال القانون، ثم اضطر يوما بعد ذلك إلى أن يقوم بتعديل وزاري لثلاث وزارات. لكن الاحتجاجات استمرت، غير مبالية بما يفعله الرئيس أو يقوله. كان يوم 4 يناير فاصلا، توفي محمد البوعزيزي متأثرا بحروقه، زاد حنق المتظاهرين على النظام، الذي أقدم من جهته على حملة اعتقالات، شملت مدونين ومغني راب، فيما نظم المحامون اعتصاما في أروقة المحاكم، احتجاجا على الاضطهاد الأمني. وفي يوم 6 نونبر خلفت مواجهات 6 قتلى في مدينة تالة والقصرين، وبعدها بثلاث أيام وصلت الاحتجاجات إلى العاصمة، تدق باب القصر الرئاسي، وتصرخ في وجه الرئيس وزبانيته لأول مرة «ديكاج». يخرج الرئيس مرة ثانية ليخطب في الشعب التونسي، حاول تهدئة الأوضاع، قدم وعودا كثيرة بإصلاح الأوضاع، منها إحداث 300 ألف فرصة عمل للعاطلين عن العمل، لكن المحتجين لم يأبهوا له ولا لوعوده، عمّت الاحتجاجات كل العاصمة تونس، وصلت إلى الأحياء الشعبية الفقيرة، اهتزت تونس عن بكرة أبيها، واضطر الرئيس إلى إقالة وزير الداخلية وفرض حظر التجول الليلي في العاصمة ولأجل غير محدود، كان ذلك بمثابة انقسام علني في النظام، واجهه التونسيون بمزيد من الضغط. في يوم 13 يناير ألقى بن علي خطابه الثالث والأخير، أعلن فيه انسحابه من الترشح للانتخابات الرئاسية، حاول استمالة الشعب المحتج عليه، قال له إنه قد تم تغليطه بمعطيات غير صحيحة، قال له أيضا كلمته المشهورة «أنا فهمتكوم»، ووعد مرة أخرى بإصلاح الأوضاع ومعاقبة المسؤولين. لكن لم يكن يسمع له أحد، إذ في اليوم الموالي(14 يناير) طالب المتظاهرون الرئيس بالاستقالة فورا، بن علي «ديكاج». يومها تأكد أن الخوف طُرد من تونس، وحضر التحدي، «ديكاج» كانت الكلمة الأشد تعبيرا عن نفسية الثورة لدى التونسيين، يومها لم يكن التونسيون يعرفون أن إصرارهم على التحرر اقترب من أن يحقق هدفه، كانت الساعة تشير إلى الخامسة حين علمت تونس أن بن علي هرب، خرج شبابها يصيح مرة أخرى وبشعار جديد تماما: تونس حرة، بن علي هرب. طريقة الهروب تختلف من رواية إلى أخرى، لكن تبقى دلالة الهروب واحدة، لقد هرب بن علي كما تهرب اللصوص في جنح الظلام، هرب ذليلا مخلوعا ومصدوما. لقد تجرد من قناع القوة والجبروت الذي حكم بهما تونس 24 عاما، وبدا كأي لص ضُبط على حين غُرة منه، رجلا منهارا ضعيفا يتلقى الأوامر من أصغر ضابط تونسي. تحكي الصحفية سارة دانيال في مجلة «لو نوفيل أوبسرفاتور» عن يوم الهروب فتقول: يوم الجمعة في 14 كانون الثاني الساعة الخامسة مساء. وبينما التظاهرات تعم شوارع تونس منادية بإسقاط الرئيس، كان بن علي يصرخ راجياً من حوله: «دعوني، لا أريد أن أذهب، أريد أن أموت هنا في بلدي». كان يرتجف في قميصه الأزرق الرقيق، فهو أجبرعلى ترك المنزل دون أن يتسنى له إحضار سترته.