تواصلت في تونس لليوم الخامس على التوالي تظاهرات شعبية حاشدة امتزجت فيها المطالب السياسية بالاجتماعية وتنادي برحيل الحكومة المؤقتة، وحل الحزب الحاكم سابقاً ''التجمع الدستوري الديموقراطي'' وبتحسين الأوضاع الاجتماعية. فيما انضم آلاف من أفراد الشرطة والضباط إلى الحراك الشعبي في تطور لافت وغير مسبوق، بينما طالبت مصادر نقابية بتشكيل حكومة إنقاذ وطنية يستبعد منها رموز النظام السابق. بموازاة مع ذلك، عاشت تونس أجواء الحداد على الشهداء ونكست الأعلام وخطب جمعة بدون ذكر ''اسم بن علي''. ووصل المئات من التونسيين، قدموا من محافظات وسط تونس إلى العاصمة، صباح أمس، للمطالبة باستقالة الحكومة الانتقالية. وردد المتظاهرون أن ''الشعب جاء ليسقط الحكومة''. وكان المتظاهرون انطلقوا باتجاه العاصمة تونس في مسيرة أطلقوا عليها ''قافلة التحرير''، للمطالبة برحيل رموز النظام السابق من الحكومة. ومن بين المتظاهرين عدد كبير من الشبان. وقال رجل مسن: ''جئنا من منزل بوزيان ومن سيدي بوزيد والرقاب لاسقاط بقايا الديكتاتورية''. وبدأ نحو 300 شخص صباح أول أمس مسيرتهم من بلدة منزل بوزيان (280 كلم جنوبي العاصمة) وسرعان ما أخذ الموكب يتسع مع اقتراب الجمع مساء من بلدة الرقاب (وسط غربي). وبلغ عدد المشاركين في القافلة في المساء 800 . فيما حددت وكالة ''فرانس برس'' العدد في .1000 وقال النقابي محمد الفاضل المشارك في المسيرة إن العدد بلغ 2500 شخص. وأطلقت دعوات عبر المواقع الاجتماعية على الانترنت لانضمام متظاهرين آخرين من مناطق أخرى إلى ''قافلة التحرير''. من جهة أخرى، شار مئات المتظاهرين في شارع الحبيب بورقيبة بوسط العاصمة تونس، أول أمس، نحو وزارة الداخلية في محاولة للاعتصام ''إلى أن تحل الحكومة''، وهم يرفعون شعارات، منها ''خبز وماء والتجمع لا''، وذلك في إشارة إلى الحزب الحاكم سابقاً. وتجمع المتظاهرون أمام مقر الوزارة، التي وصفها بعض المتظاهرين بأنها ''وكر الجلادين'' الذين ''أذاقوا الشعب ألوان العذاب''، رافعين شعارات منها: ''لقد سرقتم ثروة البلاد لكن لن تتمكنوا من سرقة ثورتنا'' و''الشعب يريد إسقاط الحكومة'' و''السفّاح في السعودية والحكومة هيّ هيّ'' و''الرحيل الرحيل يا عصابة إسرائيل'' أمام حاجز من رجال مكافحة الشغب. وطوق الجيش الذي يتمتع بشعبية في تونس ووحدات مقاومة الشغب مقر وزارة الداخلية، كما منعت المتظاهرين من الاقتراب من مقر ''التجمع الدستوري الديمقراطي''. كذلك تظاهر عدد مماثل أمام مقرّ شركة النقل العام التونسية المملوكة للدولة. وقال موظف ''هناك أناس فاسدون في هذه الشركة وحان الوقت لأن نطالب بحقوقنا. لن نصمت على هذا. نريد طرد هذه الأقليّة''. ومنعت الشرطة المتظاهرين من الاقتراب من مقرّ التجمع الدستوري الديموقراطي، حيث رفع المتظاهرون لافتات كُتب عليها ''التجمع الدستوري الديموقراطي ارحل''، فيما حمل آخرون بالونات ملوّنة ''ترمز إلى أن الحركة الاحتجاجية سلمية''. واقتحم أول أمس مئات المحتجين الذين لم يرضهم تعهد الغنوشي في خطاب متلفز مساء الجمعة الماضية التنحي بمجرد إجراء الانتخابات سياجا غير محكم أقامته الشرطة حول مكتبه في تونس العاصمة رافعين لافتات تطالب بإخراج ''رجال الطغيان'' من حكومة الوحدة. وفي الوقت الذي كان فيه الغنوشي يعقد، الجمعة، اجتماعات مع زملائه في الحكومة خرج آلاف إلى شوارع العاصمة وبلدات أخرى لإظهار رفضهم لما يصفه كثيرون بأنه محاولة شكلية من جانبه لضم عدد قليل من المعارضين الأقل شهرة للحكومة. ورغم إعلان الحكومة الإفراج عن كل المعتقلين السياسيين، اشتكى محتجّون من أنه لم يُفرج سوى عن عدد قليل من السجناء لاعتبارات سياسية أثناء حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. الشرطة تنضم إلى التظاهرات وفي حدث لافت وغير مسبوق، انضمّ آلاف من أفراد الشرطة التونسية والضباط إلى ''الثورة الشعبية''، إذ شارك العشرات منهم في المسيرات الاحتجاجية في ساحة القصبة أمام مقر رئاسة حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة. وذكرت مصادر نقابية وأمنية وشهود عيان في مدن عدة أن ''آلاف رجال الشرطة بالزي الرسمي والمدني وضعوا شارات حمراء وتجمعوا أمام مقار الاتحاد العام التونسي للشغل ومقارهم الأمنية للتعبير عن مساندتهم وتضامنهم مع الثورة الشعبية''. وقال مصدر أمني ''نريد نقابة تتبع الاتحاد العام لحمايتنا من تعسف السلطة في إصدار الأوامر الزجرية والقمعية ضد الشعب، نحن غير مستعدين بعد اليوم لتقبل مثل هذه الأوامر، الشرطة جزء من الشعب''. وقال النقيب (صالح.ب) إنه انضم إلى هذا التجمع لأن ''الحرية لا تتجزأ، وأفراد قوات الأمن هم من الشعب''. وامتنع عن الخوض في مسائل سياسية، وأكد أن تحرك هذا العدد من ضباط وعناصر الأمن مطلبه بالأساس، للمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية وللدفاع عن حقوقهم . وحسب شهود، فإن عدداً من المدن التونسية منها سيدي بوزيد مهد الاحتجاجات، وقفصه وبنزرت والقيروان، شهدت انضمام أفراد من الأمن إلى المتظاهرين، فيما اختار بعضهم الآخر رفع الشارة الحمراء تعبيرا عن احتجاجهم على أوضاعهم المعيشية والمادية. ويأتي هذا التطور، فيما خرج العديد من موظفي وعمال بعض المؤسسات التونسية العامة والخاصة، منها شركة النقل العام، ومؤسسة اتصالات تونس، وشركة توزيع المياه، في مسيرات للمطالبة بتسوية أوضاعهم المهنية وبتحسين أوضاعهم المعيشية والمادية. وفي خطوة مثيرة وغير مسبوقة في تاريخ تونس والمنطقة العربية، اعترضت عناصر غاضبة من الشرطة التونسية أول أمس سيارة الرئيس التونسي المؤقت فؤاد المبزع (77 عاما) ومنعوها لدقائق من الوصول إلى قصر الحكومة بالقصبة (وسط العاصمة) قبل أن تتدخل عناصر أخرى وتفسح لها الطريق. وقال شهود عيان لوكالة الأنباء الألمانية إن نحو 300 رجل أمن بأزياء مدنية ورسمية اعترضوا سيارة المبزع ومنعوها لدقائق من الوصول إلى قصر الحكومة في القصبة مرددين شعارات ضد الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي (هرب إلى السعودية يوم 14 يناير 2011) والجنرال علي السرياطي مدير جهاز الأمن الشخصي لبن علي (اعتقلته السلطات بتهمة ''التآمر على أمن الدولة الداخلي''). وأوضحوا أن عناصر أخرى من الشرطة في زي رسمي تدخلوا بهدوء وأفسحوا المجال لسيارة المبزع (الذي بدت عليه علامات الإحباط) بعد أن أقنعوا زملاءهم المحتجين بضرورة أن يكون الشرطي أول من يحترم القانون في البلد. دعوة ل''حكومة إنقاذ وطني'' في غضون ذلك، أعلن مسؤول نقابي أن الاتحاد يدعو إلى حل الحكومة الحالية التي سحب منها وزراءه، ويدعو إلى تشكيل ''حكومة إنقاذ وطني ائتلافية'' لا تضم وزراء من النظام السابق. كما أعلنت تنظيمات سياسية في تونس تشكيل جبهة أطلقت عليها اسم ''14 يناير''، تيمناً بيوم رحيل الرئيس السابق زين العابدين بن علي، بهدف تحقيق أهداف ''الثورة'' والتصدي ''للقوى المضادة'' لها، وللعمل على ''صياغة دستور ديمقراطي''. وأكدت الحركات الثماني المكونة من قوى يسارية وقومية عربية شكلت الجبهة الخميس الماضي أن ''جبهة 14 يناير إطار سياسي يعمل على التقدم بثورة شعبنا نحو تحقيق أهدافها والتصدي لقوى الثورة المضادة''. وأوضحت أن مهام الجبهة ''الملحة'' تتمثل في ''إسقاط حكومة (رئيس الوزراء محمد) الغنوشي أو أية حكومة تضم رموز النظام السابق''. و''حل حزب التجمع الدستوري الديمقراطي (الحاكم سابقاً) ومصادرة مقراته وأملاكه وأرصدته المالية باعتبارها من أموال الشعب، وتشكيل حكومة مؤقتة تحظى بثقة الشعب''. ودعت إلى ''مقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني''. من جهته، قال مؤسس حركة الديمقراطيين الاشتراكيين أحمد المستري إنه بصدد التشاور لتشكيل مجلس وطني يضم جميع التيارات السياسية فى البلاد وتشكيل حكومة تصريف أعمال يرضى عنها الجميع. وقد تزامن هذا الإعلان مع عقد اجتماعات لأحزاب المعارضة من أجل الإعداد للمرحلة القادمة التي قد تشهدها تونس. من جانب آخر، تبدأ ثلاث لجان تونسية مستقلة عملها اليوم الاثنين للشروع في عملية الإصلاح السياسي والتحقيق في قضايا الفساد والرشوة في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، والتجاوزات الأمنية الأخيرة التي راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى. ويترأس المفكر عياض بن عاشور اللجنة العليا للإصلاح السياسي، في حين يترأس الخبير القانوني عبد الفتاح عمر اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد، ويقود الرئيس السابق للرابطة التونسية لحقوق الإنسان توفيق بودربالة اللجنة الوطنية لاستقصاء التجاوزات. وأكد هؤلاء الرؤساء في مؤتمر صحفي عقد مساء أول أمس أن هذه اللجان لديها سلطة أدبية وأنها مستقلة عن أي تأثير كان من أي جهة، وأن عملها سيتم دون أدنى مجاملة ودون تحامل على أي كان. خطبة الجمعة تخلو من اسم ''بن علي'' وكانت ''حكومة الوحدة الوطنية'' التي تسير شؤون تونس مؤقتا قد قررت أن تدخل البلاد بداية من الجمعة، في حداد يستمر ثلاثة أيام ''ترحماً على أرواح شهداء انتفاضة الشعب التونسي''. وتمّ تنكيس العلم التونسي في الهياكل الخاضعة للدولة، فيما قطع التلفزيون الرسمي بقناتيه الفضائيتين برامجه واقتصر على بثّ القرآن الكريم وموجزات إخبارية. كما صدرت صحيفتا ''الصحافة'' و''لابريس'' (ناطقة بالفرنسية) الناطقتان باسم الحكومة باللون الأسود فقط. كما دعت وزارة الشؤون الدينية (الأوقاف) في بيان ''الخطباء بجوامع البلاد إلى إقامة صلاة الغائب إثر صلاة الجمعة ترحماً على أرواح شهداء ثورة الشعب التونسي''. ورفض متظاهرون في عدة مناطق بالبلاد إعلان حالة الحداد. وقال النقابي حسين بالطيب إن سكان مدينة بن قردان الحدودية مع ليبيا (500 كلم جنوب) خرجوا في مظاهرات حاشدة رددوا خلالها ''الحداد لا لا... هذا عرس الشهداء''، ورفعوا الأعلام التي تم تنكيسها في المدينة. وخلت خطبة الجمعة التي ألقاها أئمة المساجد في تونس من ذكر اسم الرئيس المخلوع ''زين العابدين بن علي''، وذلك للمرة الأولى منذ 23 عاما. واكتفى أئمة المساجد في خطبهم بالدعوة إلى أن يعود الأمن والاستقرار لتونس، و''الترحم على أرواح الشهداء'' الذين سقطوا خلال الاحتجاجات الشعبية التي دفعت ''بن علي'' إلى الفرار من تونس، حسبما أوردت وكالة ''يو. بي. آي''. ترشح المرزوقي للرئاسة إلى ذلك، أعلن زعيم حزب ''المؤتمر من أجل الجمهورية'' المعارض، منصف المرزوقي، أنه سيترشح لانتخابات الرئاسة المقرر إجراؤها في تونس بعد ستة أشهر. وطالب المرزوقي خلال مؤتمر صحفي عقده، مساء أول، في منوبة شمال العاصمة تونس بتشكيل مجلس دستوري يتولى صياغة دستور وقوانين جديدة للبلاد تعوض القوانين ''الاستبدادية'' التي تمت صياغتها في عهد الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي. ودعا المرزوقي الوزير الأول التونسي محمد الغنوشي الذي يرأس حاليا حكومة الوحدة الوطنية التي تتولى مؤقتا تسيير شؤون البلاد بعد فرار الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي إلى السعودية يوم 14 يناير الجاري إلى ''الانسحاب'' من الحياة السياسية. وقال إن وجود محمد الغنوشي على رأس الحكومة الحالية هو ''عامل عدم استقرار للبلاد'' ودعاه إلى الاستجابة لطلبات الشارع الذي ينادي منذ أيام برحيله معتبرا أن الغنوشي ''الذي عمل أكثر من عشر سنوات مع نظام ديكتاتوري، غير مؤهل لبناء الديمقراطية''. كما طلب المرزوقي من الحكومة السعودية تسليم الرئيس السابق بن علي ''لمحاسبته على الجرائم والسرقات'' التي تنسب اليه. وقال رئيس حزب المؤتمر ''يجب أن يعود هو وزوجته مجلوبين من الانتربول ليحاسب على الجرائم والسرقات'' التي اقترفت خلال 23 عاما حكم فيها تونس بلا منازع. وأضاف في لهجة لا تخلو من دعابة ''أتوجه الى الحكومة السعودية لاقول لها نحن التونسيون نطلب منكم ان تنتبهوا، هذا الرجل يمكن أن يسرق الكعبة، وعندما يخرج من القصر يجب أن تعدوا الملاعق لأنه يمكن أن يسرق الملاعق الفضية الموجودة في القصر''. من جهة أخرى، أكد المرزوقي أن حزبه لا يريد ''تصدير الثورة'' التونسية و''لا مشاكل خصوصا مع دول الجوار''. ولجأ منصف المرزوقي الذي يعمل طبيبا إلى فرنسا سنة ,2001 وعاد إلى تونس يوم 17 يناير الجاري بعد سقوط نظام بن علي.