أقصت نتائج الدور الأول من الانتخابات الرئاسية بفرنسا الوزير الأول ليونيل جوسبان مرشح الحزب الاشتراكي من حلبة السباق إلى قصر الإلزيه مقابل صعود زعيم الجبهة الوطنية اليمين المتطرف جون ماري لوبان إلى الدور الثاني رفقة جاك شيراك الذي حصل على الرتبة الأولى بنسبة %20 من أصوات الفرنسيين. نتيجة فاجأت المجتمع الفرنسي بكل مستوياته لدرجة اعتبرها المحللون السياسيون زلزالا سياسيا ومفاجأة القرن بحيث كذبت النتيجة كل التكهنات والاستطلاعات التي حصرت الصراع في الدور الثاني بين الغريمين جاك شيراك وجوسبان، فإذا بالثاني يخرج من السباق الانتخابي بشكل غير متوقع هز الاشتراكيين بفرنسا وجعله هزيمة القرن بالنسبة لكل اليسار الفرنسي الذي بدا وكأن قواعده انهارت داخل المجتمع الفرنسي بعدما تناوب ردحا من الزمن على إدارة دفة الحكم وتسير الشأن العام الفرنسي. الأمر الذي دفعه إلى الانسحاب من المعترك السياسي. ولم تتجاوز نسبة المشاركة في الانتخابات المذكورة %71 مما أظهر نسبة مرتفعة من الممتنعين عن التصويت (توقعها بعض المتتبعين من قبل) لم تعرفها فرنسا من قبل الأمر الذي طرح أكثر من علامة استفهام، هل هو احتجاج على طريقة التسيير والحكم أم إعلان عن توسع تيار العزوف عن العمل السياسي؟ ومهما يكن فقد كشف صعود جون ماري لوبان اليميني المتطرف إلى الدور الثاني وحصوله على أكثر من %17 من أصوات الناخبين الفرنسيين على أن فرنسا دخلت عهدا جديدا من تاريخها حيث أصبح المتتبع داخلها يتساءل هل أضحى اليسار أقلية داخل فرنسا؟ أم أن الفرنسيين ملوا من التناوب على الحكم بين الطرفين فقط كما يقول لوبان نفسه أم أنهم صوتوا تصويتا عقابيا نظرا لاستياءهم من الحصيلة الحكومية غير المرضية؟ أسئلة أجلت تصريحات المرشحين المهزومين عقب ظهور نتائج الدور الأول مساء الأحد 2002/4/21 الجواب عنها واعتبرت أنه لم يبق الوقت الآن للحسابات السياسية والديماغوجية وأن ثمة خطر يحدق بالجمهورية الفرنسية وقيم الحرية والديمقراطية (إشارة لصعود جون ماري لوبان) وأنه لابد من التفكير في مستقبل البلاد، وهو ما يعني جعل نجاح جاك شيراك في الدور الثاني مؤكدا خاصة إذا استحضرنا صوت الجالية العربية المسلمة التي أصبحت فاعلة ويمكن لها أن تؤثر في النتيجة دعمها له نظرا لما له من مواقف إيجابية تجاه قضايا العرب والمسلمين عكس مواقف جوسبان المعادية للمسلمين والمناصرة للكيان الصهيوني حيث اعتبر في زيارة سابقة له للكيان المحتل سنة 2000 حركة المقاومة عملا إرهابيا. وبعد رجوعه لفرنسا صرح أمام الجمعية العامة (البرلمان الفرنسي) بأن فرنسا مطالبة بعلاقة تفضيلية مع >إسرائيل< لأنها الدولة الوحيدة التي تقاسمهم قيم الديمقراطية في دول الشرق الأوسط!؟ كما سبق وأن هدد في مؤتمر العنصرية بديربان بانسحاب الوفد الفرنسي إذا أصر المؤتمرون على إدانة >إسرائيل< في تطابق تام مع الموقف الأمريكي. وكل هذا فعله جوسبان بخلفية انتخابية ومغازلة للصوت اليهودي وإرضاء للوبي الصهيوني بفرنسا خلافا للموقف الحيادي لفرنسا من الصراع العربي الإسلامي الصهيوني وعكس المبدء الديغولي الشهير قبيل حرب 1967 لما قال سنقف ضد من يطلق أول رصاصة وفعلا منع تصدير السلاح للصهاينة لما تبين أنهم البادئون بالحرب. وأظهرت النتائج جليا أن المسلمين والعرب قد ردوا لجوسبان الصاع صاعين بما شكل صفعة قوية للوبي الصهيوني الفرنسي. يذكر أن الاحصاءات الرسمية الفرنسية تحدثت عن وجود أربعة ملايين عربي ومسلم في فرنسا فيما تقول قيادات إسلامية بأن العدد الحقيقي مضاعف وأن المسلمين يشكلون سدس إجمالي سكان فرنسا مما دفع صانع القرار الفرنسي إلى الدعوة لانتخاب المجلس التمثيلي للمسلمين كآلية تنظيمية مثل المسيحيين واليهود. المؤسسات والجمعيات الإسلامية بفرنسا كالرابطة المدنية للثقافة الإسلامية كانت قد أهابت بالشباب المسلم أن يتقيد في سجلات الناخبين للحصول على البطاقة الانتخابية والمساهمة الفاعلة في الانتخابات لأشعار المرشح الفرنسي بأهمية الصوت العربي والمسلم وبالتالي مراعاة مطالبه وحقوقه. محمد عيادي