تستعد فرنسا لخوض الانتخابات الرئاسية في 21 أبريل الجاري موعد الدورة الأولى، والتي ستليها الدورة الثانية في الخامس من شهر ماي المقبل. ويستعد لخوض هذه الانتخابات سبعة عشر مرشحا، أبرزهم ثلاثة مرشحين هم جاك شيراك الرئيس الحالي وزعيم حزب التجمع من أجل الجمهورية الديغولي، ورئيس الحكومة ليونيل جوسبان الاشتراكي الذي يقود مع شيراك منذ خمسة أعوام حكومة تعايش بين اليمين واليسار، ووزير الداخلية السابق جان بيير شوفمان. وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن شيراك وجوسبان سيكونان المرشحين الأكثر تسابقا للفوز في الدورتين الأولى والثانية، إذ سجل جوسبان نقاطا إضافية لصالحه في نتائج استطلاعات الرأي، ومن ثم فإن شيراك حسب المراقبين الفرنسيين سيصب رهانه على الدورة الأولى، فيما يظل جوسبان متصدر الدورة الثانية، ويعزى تأخر شيراك في نتائج الاستطلاعات عن منافسه الاشتراكي إلى التهم الموجهة إليه بشأن تمويل حملته الانتخابية والفساد المالي. الأقلية المسلمة والانتخابات ونظرا للارتباط القوي بين فرنسا ومنطقة المغرب العربي، ووجود جالية مغاربية كبيرة في فرنسا، يتجه النظر إلى دور هذه الجالية في الانتخابات الرئاسية المقبلة، باعتبارها الفئة الأكثر عددية في نسبة المسلمين بفرنسا، وتقدر نسبة المسلمين هناك بنحو خمسة ملايين نسمة، بينهم قرابة المليون ونصف ممن يحق لهم المشاركة في التصويت في الانتخابات، وهو ما يجعل اهتمام المرشحين يتركز عليهم. وقد سبق للرئيس الفرنسي جاك شيراك أن قام في شهر دجنبر الماضي بزيارة إلى ثلاث دول مغاربية، هي الجزائر وتونس والمغرب، لتوجيه رسالة سياسية إلى الجاليات المغاربية بفرنسا التي تنتمي بالخصوص إلى المغرب والجزائر، بحيث لوحظ أن الرئيس الفرنسي استثنى ليبيا وموريتانيا من جولته المغاربية، وهو ما يمكن تفسيره بعدم وجود جالية تابعة للدولتين على نحو خاص، وفي تلك الزيارة التي جاءت عقب أحداث 11 شتنبر في الولاياتالمتحدةالأمريكية وأجواء الاستعداء اتجاه المسلمين في أمريكا وأوروبا، ركز شيراك في مباحثاته السياسية مع زعماء الدول الثلاث على ضرورة التمييز بين الإسلام والإرهاب، لطمأنة الأقلية المسلمة الفرنسية حول وجودها ومستقبلها. ويوم الثلاثاء الماضي قام شيراك بزيارة لمسجد باريس الكبير حيث ألقى خطابا لقي ترحيبا من المسلمين في فرنسا، أشاد فيه بالجالية المسلمة ودورها في المجتمع الفرنسي، وعطاءاتها وتسامحها وانفتاحها، كما دعا إلى إنشاء هيئة تمثيلية للمسلمين، كما دعا إلى تمكينهم من أن تكون لهم أماكن عبادة خاصة بهم، وحرص ليونيل جوسبان على القيام بنفس الإشارة ناحية المسلمين الفرنسيين حين عبر عن رأيه بضرورة وجود أماكن خاصة بالمسلمين للعبادة، وقال في حوار مع صحيفة فرنسية إن للمسلمين في فرنسا حضورهم في المشهد الثقافي الفرنسي. هذه التصريحات من المرشحين الأوفر حظا في الفوز هي بمثابة مغازلة للأقلية المسلمة في فرنسا، والتي تتطلع إلى أن تكون الحكومة الفرنسية المقبلة أكثر تفهما لأوضاعها مستقبلا، أسوة بباقي الطوائف الدينية الأخرى. ومن المعلوم أن الانتخابات الأولى للمجلس الفرنسي للمسلمين ستجرى في 26 ماي المقبل، لإفراز ممثلين للجالية المسلمة بفرنسا تكون مخاطبا رسميا للدولة. الحقوق الدينية والسياسية للمسلمين رهان انتخابي وقد تأثر المسلمون بفرنسا هذا العام بالأجواء السلبية المشحونة التي خلفتها تفجيرات واشنطن ونيويورك، مثلهم مثل المسلمين في جميع أنحاء أوروبا والولاياتالمتحدةالأمريكية، وأعطى ذلك فرصة مواتية للاتجاهات المنادية بطرد المهاجرين من العرب والمسلمين، مما أنتج نوعا من القلق لدى هؤلاء بشأن وضعهم ومستقبلهم داخل فرنسا. لذلك فإن تركيز شيراك وجوسبان في تصريحاتهما الأخيرة على الحقوق الدينية والسياسية للمسلمين في فرنسا ساهم بشكل كبير في التخفيف من حدة القلق والتوتر لديهم. العلاقات الفرنسية المغربية حاضرة أيضا في أول حوار خص به رئيس الحكومة الاشتراكي جريدة أجنبية، صرح ليونيل جوسبان ليومية (ليبراسيون) المغربية في 18 مارس المنصرم أن العلاقات المغربية الفرنسية تحظى بأهمية كبيرة في سلم علاقات فرنسا الخارجية مع دول المتوسط، وهذا التصريح لجريدة مغربية في الظرفية الانتخابية الفرنسية يأتي كرسالة سياسية من المرشح الاشتراكي بأن سياسته في حال فوزه لن تتغير عن سياسة سلفه الديغولي جاك شيراك في حال فوزه، باعتبار أن العلاقات المغربية الفرنسية على عهد شيراك شهدت تحسنا ملحوظا بخلاف مرحلة الحكومة الاشتراكية السابقة على عهد فرانسوا ميتران. وقد شهدت المواقف الفرنسية اتجاه القضايا الحيوية للمغرب في الأشهر الأخيرة اقترابا من تفهم المصالح المغربية، سواء فيما يخص أزمة الصيد البحري مع إسبانيا، حيث سبق أن صرح وزير الخارجية الفرنسي هوبير فيدرين أن "فرنسا لصالح التوصل إلى اتفاق متوازن يحفظ للمغرب ثرواته السمكية ويحترم سيادته"، الأمر الذي أغضب الحكومة الإسبانية التي اتهمت فرنسا بالوقوف وراء المغرب في الأزمة بين البلدين. وتعتبر فرنسا أبرز الدول الأوروبية تحمسا للشراكة الأورو متوسطية ودفع مسلسل برشلونة إلى الأمام، وقد عبرت الحكومة الفرنسية أثناء زيارة جلالة الملك محمد السادس لفرنسا في شهر يوليوز 2000 عن رغبتها في إعطاء مشروع الشراكة بعدا تنمويا أقوى وإخراج مسلسل برشلونة من جموده خصوصا وأن فرنسا من أكثر الدول الأوروبية اهتمامات بالاستقرار في منطقة المتوسط. غير أن العديد من الملفات بين البلدين ستنتظر نتائج الانتخابات المقبلة بعد أسبوعين، لرؤية مدى تحول السياسة الفرنسية اتجاه قضايا الشراكة المغربية الفرنسية والعلاقات مع منطقة المغرب العربي، والتعاطي مع أزمة الشرق الأوسط ووضع المسلمين في فرنسا. إدريس الكنبوري