حين يتحدث، اليوم، الفاعلون السياسيون الوطنيون الغيورون على أن ينجح رهان المغرب في أن يكون نموذجا عربيا في التعاطي مع استحقاقات المرحلة عن الإجراءات المصاحبة، فليس فقط لأنها رسائل لتعزبز الثقة وتأمين انخراط الغالبية الغالبة من القوى الحية المعتبرة في بناء مغرب الغذ ، ولكن أيضا لأنها شرط لا يقوم الإصلاح بدونه، ولا ينخرط الشباب إلا حين يرون بالملموس ما يضمنه ، فضلا عن أن بعض تلك الإصلاحات هو في جوهر المطالب . فقد تخرج لجنة المنوني بدستور قريب من التطلعات أو قد يفوقها ، وقد يختار جلالة الملك من الخيارات ما يتجاوز ما ذهبت إليه اللجنة كما حدث مع لجنة الجهوية ، أي أن المغرب قد يتوفر على دستور ديمقراطي يقر باستقلالية القضاء ويدستر توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة ويتوسع في دسترة الحقوق والحريات وفي تعزيز الفصل بين السلطات ويوسع من اختصاصات البرلمان والحكومة وآليات الرقابة على المال العام ، لكن سيكون من المعيب أن تتواصل مخلفات وعقليات وممارسات من الحقبة السابقة ، لأن الدستور الجديد يحتاج إلى ثقافة جديدة ، وحكامة جديدة ، ونظام انتخابي جديد . لذلك فإن استمرار متابعة رشيد نيني في إطار اعتقال ومن خلال فصول القانون الجنائي ينتمي إلى ثقافة سياسية ليست هي ثقافة الدستور الجديد . ولذلك أيضا فإن اللجوء إلى العنف غير المبرر والاستخدام المفرط للقوة من أجل الإيذاء والانتقام وليس من أجل المحافظة على الممتلكات أو منع التخريب أو الفوضى يتنافى مع الثقافة السياسية للدستور الجديد ثقافة الحكامة الأمنية ، ثقافة تكريس الحريات العامة . ثم لذلك، ثالثا، فإن الإعداد للانتخابات القادمة بنفس الأدوات والآليات والتشريعات والتدابير التنظيمية التي دبرت بها الانتخابات السابقة التي تتحمل اليوم المسؤولية الكبرى عن فقدان الشباب في العملية السياسية والمؤسسات السياسية، يتنافي مع الثقافة السياسية للدستور الجديد ويهدد بإفراغ مضامينه عند تنزيل محتوياته . كما لا يمكن استئمان وزارة الداخلية والإدارة الترابية بمختلف مستوياتها بدءا من الولاة والعمال والشيوخ والمقدمين الجيوش التي ترعرعت تحت سمعهم وبصرهم و»حيادهم « السلبي من سماسرة وأباطرة الانتخابات وأعوانهم من بلاطجة الانتخابات ، لأن هؤلاء جميعا أصبحوا يحملون في جيناتهم السياسية قناعة أن الإشراف على الانتخابات يعني إخراج خريطة انتخابية وفق التعليمات الموجودة فعلا، أو المتوهم أنها هي التعليمات . ومن هنا ، فإن الإشراف القضائي الكامل أو إشراف هيئة مستقلة والتزام الإدارة التزاما كاملا بالحياد هو من الشروط المصاحبة التي يتعين من الآن أن يتم الإعلان عنها والحسم فيها، وإلا فإن الفرحة بدستور ديمقراطي واعتماده من خلال الاستفتاء الشعبي سرعان ما ستتبخر إذا استمرت الممارسات القديمة، لاسيما وأنه لا يمكن استئمان الولاة والعمال الذين اشتغلوا وساهموا في إنجاح أجندة الحزب الذي أسهم في إفساد الحياة السياسية على الانتخابات وهم الذين تواطئوا معه في تدمير الأغلبيات في الانتخابات الجماعية وقاموا بتعبئة مستشاري الغرفة الثانية كي يصوتوا لصالح مرشحه في مجلس المستشارين ضدا على أي منطق سياسي ، فضلا عن وضع إمكانيات الإدارة ونفوذها ومعطيات في حصد الأنصار والموالين . كما لا يمكن الاطمئنان إلى انتخابات لا يزال بإمكان السلطات الترابية أن تتحكم في توزيع بطائقها الانتخابية، ولم تتخذ الدولة فيها قرارا سياسيا جزئيا باعتماد البطاقة الوطنية ورقمها الوطني أساسا للقيد التلقائي وأداة وحيدة للتصويت لأنه المدخل الإجرائي لمعالجة القضية الأزلية قضية اللوائح الانتخابية التي لا حق فيها للتصويت للموتي والمرضى والمهاجرين خارج الوطن نيابة عنهم من طرف المقدمين والشيوخ . باختصار لا مجال لكي يؤتي الدستور الديمقراطي المأمول أكله في دخول المغرب إلى نادي الديمقراطيات العريقة التي لا يطعن فيها في الانتخابات إلا بتقطيع انتخابي بمعايير موضوعية وليس بمعايير تستهدف التحكم في الخريطة السياسية للمجالس والهيئات المنتخبة ، وبنظام انتخابي يفرز أغلبيات مستقرة ومتجانسة ، فإنه لا مفعول لدستور ديموقراطي إلا بنظام انتخابي ديمقراطي . وما لم تتوفر هذه الشروط والإجراءات فإن الاستعجال في تنظيم انتخابات سيكون مضرا وسيعود بنا إلى نفطة الصفر.