لقد أصبح الجميع يعلم ما للإعلام بمختلف وسائله المسموعة والمقروءة والمرئية من أهمية، وذلك لما يتميز به من قدرة فائقة على التأثير في صناعة الرأي العام، والتأثير على سلوكيات المجتمعات، وتوجيه فعلها اليومي سلبا أو إيجابا،سواء من خلال نقل الأحداث والأخبار والمعلومات والأفكار وتيسير الوصول إليها، أو من خلال تحليل أسبابها ودوافعها وخلفياتها ونتائجها وأهدافها ومراميها،أو من خلال الدعاية والترويج لبعض القيم والسلوكيات، حتى صارت بمثابة السلطة الرابعة. لكن هذا الإعلام أو هذه السلطة الرابعة بقيت دائما حكراعلى الدول والحكومات وأصحاب اللوبيات القوية بصفة خاصة، التي رصدت ميزانيات ضخمة وإمكانيات هائلة لهذا القطاع، وبدرجة أقل التنظيمات والمنظمات والأحزاب والمؤسسات، التي خصصت بدورها جزءا من ميزانياتها وفي حدود إمكاناتها لتأسيس منابر أومؤسسات إعلامية أو أقسام للتواصل والعلاقات العامة، بهدف التواصل مع جمهورها والتعريف ببرامجها ومنجزاتها وإنتاجاتها،أما المواطن فقد بقي دائما في خانة المستهلك والمتلقي فقط. غير أن التطور التكنولوجي الذي عرفه عالمنا اليوم وخاصة في السنين الأخيرة،والذي أنتج ثورة على مستوى الاتصالات والشبكات المعلوماتية، قد أنتج نمطا جديدا من الإعلام، أصبح فيه للمواطن الإمكانية ليكون فاعلا في المشهد الإعلامي، بعد أن أصبح بإمكانه وبكل سهوله ويسر أن يمتلك أداة للنشر دون الحاجة لحقوق الطبع ولا لحقوق البث ولا لحقوق النشر أوالتوزيع، من قبيل المدونات والمنتديات والصفحات التفاعلية والشبكات الاجتماعية، مثل الفيسبوك واليوتوب والتويتر، قد يعتقد البعض أن الثورة الإعلامية فرضت التحدي فقط على الأنظمة والدول المحكومة بهاجس التحكم، حيث لم يعد الإعلام الرسمي التقليدي المحتكر من طرف الدولة، هو المصدر الوحيد لتلقي المعلومات بالنسبة للمواطنين، لكن الذي لا يجب إغفاله أن هذه الثورة فرضت أيضا تحديات على التنظيمات والجماعات ، حيث لم تعد الهياكل التنظيمية والمذكرات التوجيهية والنشرات الداخلية هي المصدر الوحيد لتلقي الأفكار والتصورات والقناعات بالنسبة للأعضاء، ولم تعد فضاءات التنظيم هي المكان الوحيد للنقاش والسجال حولها. وهذا يدفعنا إلى السؤال عن الدور الذي يجب أن يضطلع به كل من التنظيم الرسالي والفرد الرسالي في هذا المشهد الجديد ونبدأ أولا بالتنظيمات التي غالبا ما كانت تشتكي من قلة الإمكانيات وعدم قدرتها على إقامة مؤسسات إعلامية كبيرة أو منابر صحافية مؤثرة أو قنوات فضائية محترفة أو غيرها من الوسائل القادرة على التأثيروالوصول إلى أكبر عدد ممكن من الناس،ها هي اليوم وقد أصبح بإمكانها استخدام أدوات هذاالإعلام الجديد أو الإعلام الإلكتروني بكل ما يتيحه من فرص حقيقية وشبه مجانية، وأصبح بإمكانها أن توظفه في تطبيق استراتيجياتها وتحقيق أهدافها، وكذا في التواصل والتعريف بأنشطتها وحتى بثها بشكل مباشر أو مسجل. بل يمكنها توظيفه حتى في تقييم أعمالها، واستطلاع آراء جمهورها في قضية بعينها،إضافة إلى التفاعل مع آرائهم وتعليقاتهم بما يمكن من بناءالثقة وتعزيزها وتمتينها. وفي هذا المقام يبقى الرهان الأكبرعلى مدى إيمان هذه التنظيمات بمنهج المشاركة الإيجابية والتدافع السلمي، وعلى مدى قوتهاالاقتراحية، ومتانة أفكارها وجاذبيتها، ومدى قدرتها على الإقناع والمنافسة في عالم مفتوح على سيل عارم من الأفكار والمشاريع المجتمعية المختلفة، وذلك بألا تكتفي بما كانت تنتجه من مواد تركز على التواصل والتعريف بالتنظيم ومبادئه وتصوراته فقط، وإنما بأن تضيف إلى ذلك كله المشاريع العملية والمواد التفاعلية القادرة على التفاعل مع عموم المشاركين والمهتمين، بعيدا عن منطق الانكباب على اهتمامات الذات التنظيمية فقط، وإنما بالانفتاح على القضايا التي تهم المجتمع بصفة عامة، وبعقلية المشارك في النقاش، المعني بالترشيد والتوجيه، والمساهم في بلورة الأفكار والتصورات بالاشتراك مع بقية الأطراف الأخرى المتفاعلة والمساهمة سواء كانت هيئات أو أفرادا. أما على مستوى الأفراد الذين لم يكن أمامهم إلا تلقي المعلومة من مصادرها دون القدرة حتى على مناقشتها أو توصيل رفضهم أو تأييدهم لها، ودون القدرة على التعبير عن آرائهم وقناعاتهم وتوصيلها للجمهور، أصبح اليوم بفضل ما يتيحه الإعلام الإلكتروني الجديد من فرص وإمكانيات، بإمكانهمأن يقوموابكل ذلك وبتكلفة لا تكاد تذكر. وهنا يبقى الرهان في هذا المستوى قائما على الأعضاء الرساليين ومدى تمكنهم من آليات التحليل العميق والتفسير الموضوعي في مواجهة الكم الهائل من المعلومات والقصف المكثف من الأفكار، والقدرة على التمييز بين الغث والسمين، وبالتالي مدى تحررهم من البقاء في موقع المستهلك والمتلقي وربما المتأثر والمقلد فقط، وإنما بأن يكون العضو الرسالي فاعلا ومبدعا ومؤثرا ومساهما في النقاش مستحضرا دوره في الترشيد والإنضاج، منطلقا في كل ذلك من رسالته أينما حل وارتحل, سواء في العالم الحسي أو العالم الافتراضي.