وجه شارون في القنوات الفضائية يبعث الغيظ والتقزز وأشد على النفس من رؤية المجذوم تصر أكثر الفضائيات العربية على إظهار صورة المجرم اللعين (شارون) ومن معه من زبانيته وأفراد عصابته على شاشاتها كل ساعة من ساعات الليل والنهار، فلا يزال الوجه الخبيث يطل على المشاهد الحزين بين الساعة والأخرى في أحواله المختلفة وأوضاعه المستفزة لأعدائه الذين هم طبعا المسلمون، فتارة يظهر بين أفراد عصابته وأعضاء حكومته، وتارة يرى ماشيا إلى مقر حكومته يتكلف التظاهر بالشدة والقوة في خطواته وحركات يديه، على غرار قول الشاعر: وتجلدي للشامتين أريهم أني لريب الدهر لا أتضعضع وتارة أخرى يشاهد خطيبا في مجلسه العدواني (الكنيست) أو في غيره من المجامع، كما تتابع الفضائيات العربية بصدق وأمانة جولاته وأسفاره في شتى بلاد العالم عارضة على شاشاتها لقاءاته وندواته واجتماعاته بمختلف الرؤساء والوزراء في العالم، حتى صار وجه (شارون) مألوفا عند الناس قريبا من الأعين بل صار حضوره على الشاشات العربية أقوى وأكثر من حضور غيره من رؤساء الدول العربية، مما جعل القنوات التلفزيونية التي تمولها الشعوب العربية تتعامل مع (شارون) كأنه ولي حميم وصديق عزيز. ولا ريب أن في إظهار صورة العدو البغيض على الشاشة مهما كانت مسوغاته وأهدافه تحديا صارخا للمشاهدين، واستفزازا لمشاعرهم، وتعميقا لجراحهم، وإثارة لأحزانهم، وإغاظة أليمة لكل غيور على أمته ودينه، فكل مسلم يعيش هذه الأيام على هم مقيم وحزن عميق وغيظ ثائر على اليهود يود لو تمكن منهم أن يطعم لحومهم الكلاب والسباع، وهو في عجزه عن الوصول إلى اليهود بما يريد وضعفه عن الانتقام منهم والانتصار لاخوته يزداد غما وحسرة حين يرى عدوه المقيت يدخل عليه بيته ويطل عليه بوجهه الكريه من شاشة تلفازه، مما يعود عليه بأسوة الأثر وأشد الأذى في فكره وإحساسه. إن وجه العدو المسيء ولو كان من الاخوة والأقارب وجه كريه ومرفوض لا تطاق رؤيته، ولا يسلم النظر إليه من سوء، كتوتر في الأعصاب وإهاجة للذكريات الحزينة وغير ذلك من الانفعالات الكريهة وهذا إحساس طبيعي وشعور بشري لا يرد ولا يرفع، ومن أجل ذلك قيل في المثال العامي: (لا عين شافت لا قلب وجع) وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من هذا وذلك في موقفه من وحشي بن حرب الذي قتل حمزة ابن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم، ففي البخاري أن وحشي بن حرب قال: "قدمت المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني بعد إسلامه فلما رآني قال أنت وحشي قلت نعم، قال أنت قتلت حمزة، قلت قد كان من الامر ما قد بلغك قال فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني، قال فخرجت.." الحديث. ووحشي هذا قتل حمزة في معركة (أحد) وأسلم بعد فتح مكة، أي أنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم بعد خمس سنوات من فعلته، ورغم مرور هذه السنوات لم يطق النبي صلى الله عليه وسلم أن يرى وجه وحشي وذلك لما في نظره صلى الله عليه وسلم إلى وجهه من إثارة حزنه على عمه وإحياء ذكراه المحزنة. ومن هذا القبيل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تديموا النظر إلى المجذومين" (رواه أحمد) وذلك لأن إدامة النظر إلى المصاب بالجذام تبعث انزعاجا في النفس واشمئزازا في القلب، فيصير المرء كئيبا مغموما مما جنت عليه عيناه، وأن وجه (شارون) أشد على الناس وأسوأ أثرا في أنفسهم من وجه المجذوم، لأن المجذوم مريض يستوجب الرحمة والشفقة، أما (شارون) فوجه ظلوم غشوم يستحق القتل والخزي والنار، فشتان بين وجهين، وجه مأجور، ووجه مأزور. والوجه ذو تأثير لا ينكر فيمن ينظر إليه فإن كان وجه مكروه منبوذ غير مرغوب فيه، انطبع في الناظر إليه إحساس بالغيظ والنفور والاشمئزاز وإن كان وجه مقبول محبب إلى أهله قريب من قلوبهم عاد النظر إليه بالسرور وانشراح الصدر على من نظر إليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصف المرأة الصالحة: "إذا نظر إليها سرته"، وهذا السرور الحاصل في نفس الزوج من نظره إلى زوجته، ليس منشؤه جمال المرأة وحسن وجهها فكم من حسناء بارعة الجمال طلقها زوجها من سوء خلقها وبغضه لها ولكنه سرور انطبع في نفسه من نظره إلى امرأته التي يحبها وتحظى لديه بالرضى والقبول، على غرار قول الشاعر: إذا نظرت عيني وجوه أحبتي فتلك صلاتي في الليالي الرغائب ومن الحكم السائرة قولهم: ثلاث يذهبن الحزن الماء والخضرة والوجه الحسن، وهي قولة ليست صحيحة على إطلاقها إذ ليس كل وجه حسن يذهب الحزن، فوجه العدو مثلا يزيد الناظر إليه غما وضيقا في الصدر وإن كان أجمل الوجوه وأحسنها بهاء، كما أن وجه الثقيل المكروه يمرض النفس ويقبض القلب ويحصل الناظر إليه في ساعة احتضار، ولو سارت بجمال وجهه الركبان وسبح بحسنه الثقلان، فالوجه في ذاته لا يؤثر تلقائيا فيمن ينظر إليه، ولكن الانفعال به يحصل بإحساس من الناظر وشعوره نحو المنظور إليه، فإذا كان النظر غير منبعث من الإحساس الكريه ولا مسبوق بغيظ وضغينة فإنه يؤثر في الناظر يحدث في نفسه سرورا وبهجة وارتياحا وقد ذكر الله عز وجل أن في الحيوان والنبات من المناظر الجميلة ما يدخل السرور والبهجة في نفس الناظر إليها، من ذلك قوله سبحانه: (إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين) وقوله تعالى: (والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تاكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون) أي لكم في المواشي منظر جميل يبعث في النفس سرورا وانشراحا حين تعود إلى مبيتها مساء وحين تخرج منه صباحا. وكذلك قوله سبحانه: (أم من خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فانبتنا به حدائق ذات بهجة) أي أنبت سبحانه بالمطر بساتين وحدائق ذات رونق وجمال تدخل البهجة والارتياح في أنفس الناظرين إليها. أما إذا كان وراء النظر بغض وغيظ على المنظور إليه، فإنه يبعث انقباضا في النفس وضيقا في الصدر واشمئزازا في القلب تأثرا وانفعالا برؤية الوجه المقيت، وهو ما يحدث في نفس كل مشاهد غيور يرى وجه (شارون) على شاشة عربية، وقد ذكر فيصل القاسم على علاته في حواره مع (التجديد) أن لو كان له من الأمر شيء ما سمح بظهور وجه يهودي على شاشة (الجزيرة). إن الشعوب تنفق على قنواتها التلفزيونية لتكون لها مصادر توعية وعلم وثقافة وتسلية ولهو ومرح، فلا يجوز ولا يصح عقلا ولا عدلا ولا شرعا أن تكون هذه القنوات مبعث إذاية ونكد لمشاهديها، وأن تجلب عليهم الهم والحزن بما ينفقون عليها من أموالهم، كما أنه من الخزي والعار أن تقدم القنوات العربية بالإشهار الغبي والدعاية العابثة لعدو المسلمين وتسمعهم صوته وأكاذيبه وهم في بيوتهم، فتقدم لليهود خدمة لو أنفقوا في إنجازها كل ما يملكون من أموال ما أنجزوها، ولا استطاعوا إلى تحقيقها سبيلا، وإذا كان المسؤولون عن هذه القنوات أولي عقل وخبرة وتجربة فلياخذوا على الأقل بالحكمة القائلة، "إن أفعال العقلاء تصان عن العبث"، وبالأخرى التي تقول: "عدو عاقل خير من صديق جاهل"، ومعناها أن الصديق الجاهل يريد أن ينفعك فيضرك ويوذيك، فيا قنواتنا العربية أميطوا الأذى عن شعوبكم وارفعوا عنهم العنت والشقاء. الشيخ عبد الباري الزمزمي