أصبحت القنوات الفضائية تحتل جزءاً كبيراً من حياتنا، وتطل علينا في البيوت بكل ما تحمله من نشرات إخبارية وبرامج ومسلسلات وأفلام وأغاني، وأصبح التعرض لها ظاهرة ملحوظة في مجتمعاتنا العربية وصلت في أحيان كثيرة إلى جوانب مرضية تؤثر على حياة الفرد وعلاقاته الاجتماعية. ويذهب بعض علماء التربية والاجتماع إلى أنها أدت لتفسخ العلاقات الاجتماعية، وتسببت في تدهور الروابط الأسرية وحدوث الانعزال الاجتماعي، بالنظر إلى كون الجميع يظل ماكثاً فترات طويلة أمام ما يشاهده على الشاشة متناسياً أي نشاط اجتماعي آخر له علاقة بالأسرة. إيجابيات وسلبيات في البداية تقول م. أ 36 سنة أنها ليست من هواة مشاهدة التليفزيون بصفة عامة، وإن كانت تهتم بمتابعة البرامج الاجتماعية الأسرية المفيدة. وتوضح قائلة وفي الغالب أستمع للبرامج وأنا أقوم بعمل آخر، ويحب زوجي متابعة البرامج السياسية والحوارية خاصة وأن هذه النوعية من البرامج انتشرت بكثرة في أيامنا هذه مع التحولات الكبيرة التي تمر بها منطقتنا العربية. وعن تأثير مشاهدة الفضائيات على حياتها الاجتماعية والأسرية تقول هذه السيدة إنه لم يحدث تأثير لهذه الفضائيات على حياتها الأسرية، وبالنسبة لها فقد بينت الفضائيات لهم عدة نقاط إيجابية فيما يتعلق بأسس التربية والحوار مع الأولاد، خاصة وأنهم يمرون بمرحلة مهمة تتعلق بنمو ونضج شخصياتهم. وهي ترى أن تأثير لهذه البرامج والفضائيات كان إيجابياً، فقد أصبحنا نتحاور ونتناقش حول هذه البرامج والأفكار، ويبدي كل منا وجهة نظره فيها. وتؤكد م .أ أن الأسرة لو لم تدر حوراً حول ما تشاهد، فكل من أفرادها ينصرف بمفرده لمشاهدة ما يشاء دون اتصال بأسرته، وهذا ما يساعد على وجود التأثير السلبي للفضائيات. وعلى العكس من م.أ، ترى منال محمد 37 سنة أن الفضائيات كان لها تأثير سلبي على حياتها الاجتماعية والأسرية وكان لها دور أيضاً في ظهور ظاهرة الصمت الأسري. تقول منذ أن اشتركنا في خدمة استقبال القنوات الفضائية وزوجي كل ما يفعله بعد عودته للمنزل من العمل أن يجلس بالساعات أمام التليفزيون لمتابعة مباريات كرة القدم والأفلام والأغاني بغض النظر عن مضمون هذه المواد المقدمة، المهم أن يجلس يشاهدها، وأصبح هذا هو ما يشغل وقته الذي يمضيه في المنزل، فلم يعد يهتم بالحديث معي بشكل متوازن، بل قل هذا الحديث بدرجة كبيرة، بل ربما يؤجل تأجيل المناقشة في موضوع مهم لحين الانتهاء من مشاهدة الفيلم أو المباراة، مما يصيبني بالضيق! تأثير على الصغار والكبار ومن جانب آخر تقول أ. خ 35 سنة أنه منذ لحظة علمها برغبة زوجها في الاشتراك في القنوات الفضائية رفضت لأنها كانت تعرف أن الاشتراك في استقبال هذه القنوات سيؤدي لضياع جزء كبير من وقت أسرتها وجلوسهم مجتمعين للحوار والنقاش المتنوع. وتوضح السيدة أن هذا ما حدث فعلاً: إذ أصبح الأطفال يجلسون كثيراً لمتابعة برامج الأطفال، وتقل ساعات المذاكرة بالتالي، ويظل ابني يطلب أن يشاهد ما يعرض من أفلام كرتون وبرامج الأطفال التي تعطيها الفضائيات مساحة كبيرة، مما يجعلني أقنعه بصعوبة بتأجيل أو إلغاء المشاهدة من أجل المذاكرة. أما عن زوجها وتعامله مع القنوات الفضائية فتبرز أن زوجها يأتي للمنزل بعد ساعات عمل طويلة فيكون كل ما يفكر فيها أن يتسلي بمشاهدة أي مادة ترفيهية، وبالتالي يأخذ هذا من وقت الحديث معاً، فلاشك أن الفضائيات أثرت سلبياً على مدى تفاعل الأسرة واتصال أفرادها ببعضهم البعض. ويتفق معها حسن 36 سنة الذي يشير إلى أن الفضائيات أثرت على الحياة الاجتماعية إلي حد كبير، فالوقت الذي أصبح من الممكن أن تجلس فيه الأسرة من أجل أن تتحدث سوياً أصبح أقل من المعتاد وأقل من الماضي، ولكن بالنسبة له، فالفضائيات لم تؤثر عليه كثيرا: لأني أستغل الوقت الذي أكون فيه بالمنزل في الاطلاع على المهم فقط، مثل أن أطلع على الأخبار، ولو كان هناك وقت فراغ استغل الوقت من أجل متابعة بعض البرامج الرياضية والترفيهية. وعن تأثير الفضائيات على الحياة الاجتماعية بصفة عامة يقول عاطف إن الفضائيات أثرت على طرح الموضوعات في المجتمع، فجعلت الناس تصاب إما بلامبالاة من كثرة المشاهد الخادشة للحياء التي يتعرضون لها، أو إلى إلي تفاهة في التفكير تأثراً بالموضوعات التافهة التي تعرضها بعض الفضائيات بتركيزها على قضايا هامشية وتافهة. فالقضاياً تعرض أحياناً بصورة مبتذلة وغير محترمة، تتضمن عبارات وكلمات من غير المعتاد أن تطرح على المشاهد العربي، لكن الفضائيات أصبحت تقدمها وكأنها أمر عادي لا عيب فيه. سموم وتلوث أخلاقي الدكتورة سهير عبد العزيز عالمة الاجتماع أوضحت بخصوص هذا الموضوع أن الفضائيات تبث سموماً وتلوثاً أخلاقياً فارغاُ من أي حس فني، بل تقدمه في صورة استفزازية مليئة بالخلاعة وقيم الانحراف. وحسب الدكتورة فهذ بلا شك له تأثيره على الشباب وعلى الذوق العام ككل، وليس فقط على الأخلاق، بحيث أصبحت موجة من التعود تخترق المجتمع، وغدا في نظر الناس أمرا طبيعيا مشاهدة فتاة بملابس خليعة تسير في الشارع لأنها اعتادت على هذا في الفضائيات وهذا تؤكد الدكتور سهير ضد الفطرة، فالطفل الصغير يتجه منذ صغره نحو تغطية جسده عند التعري، ولكن ما نشاهده الآن على الفضائيات الآن شوه الفطرة، وحول المرأة للأسف إلى سلعة تعرض أمام الجميع. فلم تعد كياناً إنسانياً بالتالي له عقل يميزه عن بقية المخلوقات. وعن تأثير الفضائيات على طبيعة التفكير الاجتماعي توضح عالمة الاجتماع أن تفكير الشباب مثلا، والذي يتعرض لما تقدمه هذه القنوات أصبح أكثر انسجاما مع نظام قيم الفضائيات. فهو حين يقرر الزواج مثلا، يبحث عن معايير اختيارية شكلية تدور حول الجسد فقط، والمعايير الشكلية عمومان متأثرة بالصورة الفضائية المقدمة، والقائمة على الإبهار وثقافة الصورة، وليس العقل، فالذي يراه أمامه هو ثقافة الصورة والتعري وكشف ما لا يجب كشفه. وبالنسبة للمتزوجين، ترى سهير أن الوضع أسوأ، إذ أصبح الزوج (والزوجة أيضا) يقارن بين ما يراه من نساء معروضات أمامه في خير صورة من جمال وأدوات زينة مصطنعة، والصورة التي عليها زوجته، ويبدأ ينعي حظه القليل لأن زوجته ليست على مثل الجمال الذي يراه على الشاشة. فهو لا يدرك أن كل ما يراه مر بعمليات تجميل جعلت المرأة مثل التمثال المشكل وفق الرغبة والهوى، تماماً كما يجمل التمثال لعرضه للبيع، والمشكلة هنا أن زوجته تتحول في عينيه إلي امرأة غير جميلة ولا يدرك أن الصورة المقدمة أمامه خضعت للتجميل والتزيين وخداع الصورة. أما عن الحوار داخل الأسرة، ومدى تأثره بالقنوات الفضائية تقول الدكتورة سهير إن الحوار تقريباً انقطع داخل البيوت نتيجة الإرسال المستمر للقنوات الفضائية الذي يستمر طيلة الأربع والعشرين ساعة؛ والمشكلة أن لدينا في العالم العربي والنامي أعلى نسبة مشاهدة، فهناك دراسة أجريت على عدد ساعات مشاهدة التليفزيون أظهرت أن أكبر نسبة مشاهدة للتليفزيون توجد بالدول النامية، في حين أن الإرسال ينتهي في الولاياتالمتحدة (دولة الإعلام الأولي في العالم) في العاشرة مساء، لأن المواطن هناك ينام مبكراً كي يستيقظ مبكراً لعمله، وهذه الطريقة في التعامل مع الحياة مفقودة في مجتمعاتنا للأسف. قصور العلاقات الأسرية الدكتور فكري عبد العزيز استشاري الطب النفسي يرى من جهته أن وجود وانتشار وسائل الإعلام بصورة كبيرة في مجتمعاتنا أدى إلى ارتباط شديد بين الذات البشرية وبين هذه الوسائل، والتي أدت إلى أن انسحب الإنسان إلى متابعة واستخدام هذه التقنية المتطورة تاركاً المشاركة الإنسانية، وارتبط بالجلوس لفترات طويلة أمامها ليتلقى المعلومات والخبرة. ويكمل الدكتور فكري حديثه بقوله إن متابعة الناس للمسلسلات والأفلام على سبيل المثال أدى لحدوث قصور في العلاقة الأسرية السوية، فقل الحديث وهو ما يعرف بأحد وسائل التبرير والإسقاط النفسي السوي، وهي وظائف عقلية تريح الذات الإنسانية من خلال التعامل الأسري. وحين يحدث هذا الحوار تكون العلاقات الأسرية سوية لا تصاحبها إسقاطات مرضية، مثل محاولة التقليد وهي غير سوية مما يحدث نوعاً من عدم التبرير، والمقصود بعدم التبرير أن المشاهد دائماً يري أن فتاة الإعلانات أو الفيديو كليب أحلى من زوجته ولا يبرر هذا بالقول إن ذلك مصطنع وموجه، بل يكتفي بالسطحية، ويرى عارضة الأزياء أجمل من زوجته، وهذا كل شيء!ومن هنا، فالعلاقات الاجتماعية حدث لها فتور، وحدث انعدام للإحساس والمشاعر، وقلت المشاركة الوجدانية، وفقدت الأسرة التعبيرات والمؤثرات الطيبة. كما أدى إلى لحدوث لا مبالاة وانعدام المشاركة الاجتماعية، وتسبب في حدوث الخرس الزوجي، والقلق الأسري وفقدان الشهية للطعام، وإهمال الذات واضطراب النوم، وقد تصل الأمور إلي عوارض نفسية جسمانية مثل صداع نفسي أو قولون عصبي. والحل يكمن في نظر الدكتور عبد العزيز في ضرورة تنمية الوعي الصحي الاجتماعي السوي للأسرة، والسماح للعلاقات الإنسانية بالنمو والتطور بين أفرادها، بحيث يصاحبها تفاعل نفسي اجتماعي مع إنكار الذات والأنانية، وتنظيم الوقت للحديث والتلاقي مع الطرف الآخر، وجذبه للمشاركة. فالمشاركة والحوار تلغي جزءاً من الفتور والانعزال الذي يتسبب عادة في أمراض نفسية خطيرة قد تؤدي لمشكلات أسرية من الممكن أن تصل إلى الطلاق.