مرة أخرى يتم إبعاد المغاربة المقيمين في الخارج من التسجيل في اللوائح الانتخابية التي تم التصويت والمصادقة عليها أخيرا في البرلمان، لماذا هذا الإقصاء؟ لقد دخل حيز التنفيذ فعلا، ويتم الآن التسجيل في اللوائح الانتخابية، في هذا الصدد أريد التركيز على عدة أمور: أولا نحن نأسف بكل شدة على إقصاء المغاربة في الخارج، خاصة وأن التسجيل في هذه اللوائح سيكون من أجل التصويت على الدستور المرتقب، ونحن بصدد مرحلة سياسية جديدة ترمي إلى خلق مناخ من الثقة بين المواطن والدولة، وبناء مغرب الكرامة والمواطنة. إذن كيف يعقل في سياق مثل هذا أن نستثني فئة واسعة المواطنين من وثيقة تعاقدية بين المواطنين جميعا والدولة المغربية؟ وهذا سؤال نريد جوابا صريحا عنه، صحيح أن مدونة الانتخابات تنص على إشراك المغاربة المقيمين في الخارج، في الجزء الأول منها، ولكن نحن الآن أمام مباشرة تجديد ومراجعة اللوائح الانتخابية، وهو عمل يتم بناء على شرط إقامة المواطنين. ولكن المغاربة في الخارج يقيمون حيث هم، وكنا نأمل من الحكومة أن تهتم بهم، على الأقل في إطار بناء مغرب جديد، وبناء الثقة بين الجميع، ومن أجل مواطنة حقيقية كذلك، كنا نأمل منها أن تخصص لوائح انتخابية للمواطنين المغاربة في الخارج، حسب إقامتهم كما تفعل جميع الدول. وهي صيغة ستمكن هؤلاء المواطنين من المشاركة في الاستفتاء على أهم وثيقة تأسيسية وهي الدستور. البعض يعتقد أن الحل هو أن نفتح أمام هؤلاء التصويت سواء بالنسبة للذين سيأتون إلى المغرب في عطلتهم الصيفية، كما يمكن تجديد اللوائح في القنصليات بالنسبة للذين يقيمون حيث هم، وأعتقد أن هذه ''شلاضة'' غير معقولة. معلوم أن الملك سبق وأن دعا إلى إشراك الجالية المغربية في المحطات الانتخابية، لكن الحكومة لا زالت تصر على تجاهل تلك التوجيهات الملكية؟ في الحقيقة إن الحكومة تتعامل بلامبالاة مع هذه الفئة من المواطنين، بل أقول خوأتحمل كامل المسؤولية عن ذلك- إنها مسؤولة عن توقيف حقوقهم السياسية كمواطنين. والخطاب الملكي ليوم 6 نونبر 2005 تحدث عن قرارات ولم يتحدث عن توجيهات، وهي أربع قرارات هي الحق تمكين المغاربة المقيمين بالخارج من تمثيلهم في مجلس النواب، ووجوب إحداث دوائر تشريعية انتخابية بالخارج، وتمكين الأجيال الصاعدة من حق التصويت والترشيح في الانتخابات، وإحداث مجلس أعلى للجالية المغربية بالخارج يُشكل بطريقة ديمقراطية. لكن بيان الحكومة في 17 ماي ,2007 تعهدت بأنها ستفعل قرارات جلالة الملك تدريجيا، لكن منذ ذلك البيان الحكومي لم نر اي إجراء يخص تفعيل القرارات الملكية التي تتعلق بشكل واضح بالحقوق السياسية للجالية. من يتعذر بأن المشكل تقني ويستدعي توفير وإعداد قاعدة معطيات غيرها بالمواطنين في الخارج، كلامه غير مقنع، لأنه منذ أن اعتمد المغرب خيار الإدارة الإلكترونية، وأصبح يعتمد بطاقة تعريف وطنية بيومترية، فهو بلا شك يتوفر على قاعدة معطيات جاهزة ونهائية، ولا يمكنه بعد اليوم التعذر بالقول إن المشكل تقني. ولذلك أؤكد أن القضية تتعلق بالإرادة السياسية، وبحسابات سياسية ضيقة. وأشير أيضا أن مجلس الجالية المغربية بالخارج، الذي هو ثمرة توصيات الإنصاف والمصالحة، أوصت أيضا بالحماية القانون للجالية المغربية بالخارج كما أوصت بضرورة تمتيعهم بالحقوق السياسية وإشراكهم في الحياة السياسية، لكن لحد الآن ومنذ أربع سنوات لم يغير هذا المجلس أي شيء، سواء في المشاركة السياسية أو فيما بعض القضايا الحيوية لهذا الجالية، مثل تعليم اللغة العربية أو فيما يخص تعزيز ربط هذه الجالية بوطنها، أو حمايتها من الحملات العدائية التي باتت تستهدفها جراء تصاعد اليمين المتطرف في أوربا أو تصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا. أمام هذا الإصرار الحكومي على تجاهل مطالب الجالية، ما البديل أو الخيارات التي تقترحونها لإسماع صوت مغاربة الخارج؟ لاشك أن المجتمع المدني المغربي في الخارج، بالإضافة إلى أطر وفعاليات عديدة، والتي شاركت في النقاش الواسع الذي أشرف عليه المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بين 2005 و,2007 أثمر خطوات ومداخل متدرجة لإشراك الجالية وتمتيعها بحقوقها السياسية، وأولها فيما أذكر إعداد لوائح انتخابية بالخارج ومن خلالها يمكن التوصل إلى تقطيع انتخابي. بحيث يمكن تحديد عدد الدوائر الانتخابية، وبما أن الثقل البشري في أوربا فيمكن أن تكون دائرة واحدة في العالم العربي، وأخرى في أمريكا. والتوصل إلى لوائح أصبح سهل، والحكومة تتوفر على قاعدة معطيات جاهزة، فضلا عن أن وزير الخارجية سبق أن صرّح بأن اللوائح ستكون جاهزة في ,2011 ولذلك أنا أتساءل عن الدواعي التي تحول دون الشروع حالا خاصة وأن البعض بدأ يتساءل عن إمكانية الشروع في انتخابات سابقة لأوانها. لا يمكن الاستمرار في استعمال منطق ''البقرة الحلوب'' في التعامل مع الجالية، ولا بد للحكومة أن تعي أن المواطنة هي حقوق وواجبات، وليس من حق أي جهة أن تقصي ملايين المغاربة من حقوقهم السياسية لحسابات سياسية ضيقة. برلمانية عن العدالة والتنمية مقيمة في إيطاليا