اعتبر محمد الآمين الركالة، المعتقل السياسي المفرج عنه، ونائب الأمين العام لحزب البديل الحضاري المنحل، أن قرار إنصاف المعتقلين الستة ومعتقلين سياسيين آخرين يصنفون ضمن ما يسمى بملف ''السلفية الجهادية''، يندرج في سياق الحراك السياسي العربي، وأنه قرار براءة من التهم التي وجهت لهم. وقال إن إطلاق سراح بقية المعتقلين يمثل أولوية له. كما أكد الركالة أن حركة 20 فبراير والثورات العربية أسقطت فزاعة الإسلاميين التي اختفت وراءها لوبيات الفساد والاستبداد طويلا لتمارس استبدادها على الأمة. وأبرز أن من أخطاء تجربة الإنصاف والمصالحة أنها لم تحاسب الجلادين، مؤكدا أنه يتشبث بذلك حتى لا يتكرر الاعتقال والاختطاف مرة أخرى. كما اعتبر أن حلّ حزب البديل الحضاري كان يندرج في إطار مؤامرة توخت التحكم بشكل قسري في المجال السياسي. وفيما نص الحوار: أطلق سراحكم بعفو ملكي دون طلب منكم ولكن استجابة لمذكرة من المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ما هي قراءتكم لهذا القرار وتوقيته؟ أتصور أن قرار إنصافنا يندرج في سياق الحراك السياسي والاجتماعي الذي يشهده الوطن العربي عامة ووطننا خاصة. لقد اجتمعت مجموعة من العوامل السياسية و الحقوقية التي أدت إلى الإفراج عنا. فقد سقطت الرواية الرسمية التي أعلن عنها وزير الداخلة السابق شكيب بنموسى، وأجمعت الجمعيات الحقوقية الوطنية والدولية على براءتنا وأن محاكمتنا لم يتوفر فيها أي شرط من شروط المحاكمة العادلة ثم تبين فيما بعد حتى لأولئك الذين كانوا يشكون في براءتنا أن الأمر يندرج في إطار مؤامرة تستهدف الهيمنة على الساحة السياسية بالترغيب والترهيب ثم جاءت حركة 20 فبراير لتعطي زخما لمطلب الإفراج عنا فكان ذلك. قرار الإفراج عنا سبقه خطاب 9 مارس وأظن أن الحدثين يربطهما خيط ناظم آمل أن يشكل الخطوات الأولى في مسار مصالحة تاريخية بين الدولة والأمة. هل هو اعتراف من الدولة بخطئها وإن بعد ثلاث سنوات؟ لم يكن هناك أي تصريح من طرف أي جهاز من أجهزة الدولة يعترف بهذا الخطأ، لكن الأكيد أنه بقوة الواقع فإن الإفراج عنا يعد إقرار ببراءتنا من التهم الموجهة ضدنا. ما وقع لحد الآن أن قرار العفو شمل بعض المعتقلين السياسيين وليس جميعهم، مما خلف شكوكا في خلفيات القرار ومقاصده، ما رأيكم؟ بحسب تصريح الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان محمد الصبار فإن قرار الإفراج عنا هو خطوة أولى ستتبعها خطوات أخرى سيستفيد منها المعتقلون الباقون. وكيف ما كان الأمر فإني، إيمانا مني بمظلوميتهم وبراءتهم، أجعل من إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين أولوية بالنسبة لي ولن أتوان عن طرق كل الأبواب حتى ينعموا هم أيضا بحريتهم. يُقال إن السجن خُلوة، كيف كانت هذه التجربة؟ وكيف كنت تقضيها؟ صحيح، هكذا كان الأمر بالنسبة لي، ففترة الاعتقال شكلت محطة مهمة من جانب انكشافي الذاتي وتأملاتي الفكرية والسياسية، فبفضل من الله عز وجل، تمكنت من حفظ القرآن الكريم وتدارست مع بعض الإخوة الفقه المالكي وتاريخ الفكر السياسي وانفتحت على دراسة كتاب دفاتر السجن لأنطونيو كرامشي كما قمت بدارسة أدبيات تيار دراسات ما بعد الاستعمار. معلوم عنك أن مغرم بالكتاب والبحث العلمي، كيف كانت علاقتك بالكتاب في السجن؟ أتاحت لي فرصة الاعتقال أن أستدرك بعض ما فاتني من القراءة وكنت أقرأ كثيرا، فلأنس الكتاب طعم خاص، كما أن منهجية القراءة تتغير لتصبح قراءة نقدية وجدلية تساعد على المراجعة والاستيعاب والتجاوز. الكتاب من هذا المنظور يتحول إلى مرآة لأفكارك وتجاربك تمكنك من مقاربة قناعاتك مقاربة جديدة، دون أن يفقد الكتاب دوره التقليدي المتمثل في اعتباره مصدرا للمعارف. كيف كنت تتابع الشأن الفكري والثقافي والإعلامي من داخل السجن؟ وهل كانت لك كتابات بشأن قضايا محددة هي من وحي الزنزانة؟ متابعتي للشأن الإعلامي كانت عبر الجرائد و المجلات وكذا عن طريق الراديو أما فيما يخص كتاباتي فجلها كتابات أولية في قضايا مختلفة سياسية وفكرية وثقافية ومجموعة من القصص القصيرة ولم أكتب عن السجن إلا قصة قصيرة واحدة. إني أشتغل اليوم على تدوين هذه التجربة. تعيش الأمة العربية أحداث كبرى أطاحت بأنظمة كانت رمز الاستبداد والظلم، كيف تقرأ هذه الأحداث؟ وما آثارها على الأمة؟ أقدر أن لأمة العربية أخذت اليوم زمام المبادرة وهي تعيش منعطفا تاريخيا سينفتح إن شاء الله على مستقبل زاهر، إن هاته الأحداث أعلنت عن انهيار الأنظمة الفاسدة على امتدا الوطن العربي وأعلنت عن نهاية مرحلة تاريخية و بداية أخرى و كيفما كانت نتيجة هذه الثورات والانتفاضات فإن الوطن العربي لن يعود كما كان، وأرجوا من الله أن يمكن لكل الشعوب العربية حتى تستعيد سيادتها على نفسها و تختار حكامها بكل حرية و ترسم مستقبلها بنفسها أي إنني أتصور أن آثار هاته الأحداث ستكون إيجابية إن شاء الله. في المغرب كانت حركة 20 فبراير، دفعت النظام لاتخاذ قرارات يرى كثيرون أنها لم تكن لتُتخذ لولا هذه الحركة، كيف تُقيّم ما وقع لحد الآن؟ أود في البداية أن أوجه تحية إجلال و إكبار لهؤلاء الشباب، كبار هذه الأمة، الذين عصفوا بحاجز الخوف والرعب وأسقطوا منطق الفزاعة الإسلامية التي تمترست خلفه لوبيات الفساد لتبرر استبدادها وهيمنتها على الخيرات والثروات الوطنية. خرج هؤلاء الشباب إلى الشوارع يطالبون بكرامة الوطن والمواطنين وإني مؤمن بأن حركيتهم ساهمت وعجلت بقرار الإفراج عنا. أقدر أن الشباب المغربي قد أطلق صرخات الرفض وعبر عن احتجاجه بطرق مختلفة قبل أن يختار مواجهة مصيره لنتذكر كيف كان يلقي الشباب بنفسه في البحر بحثا عن جنة موعودة في أوربا ولنتذكر كيف التحق بعض الشباب بالتنظيمات التي تبنت خيار العنف ولنتذكر أيضا أغاني الراب وكيف عبرت مضامينها عن نقد عميق وجدري للواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي المغربي، ثم كانت حركة 20 فبراير. أعتبر أن ما وقع لحد الآن شيء إيجابي وأتمنى أن تواكب حركة الاحتجاج هاته مبادرات فكرية وسياسية تعطي عمقا لهذه التجربة المتميزة وتمكنها من أدوات الاستمرار والتطور كما أرجوا أن تواكب هذه الحركية انتفاضات شبابية داخل لأحزاب تؤدي إلى تبييء الديمقراطية داخل الأحزاب المغربية وتطيح بالاستبداد المتمكن من دواليب أغلبيتها. من القرارات التي وصفتها هيئات سياسية وحقوقية ب''الجائرة'' قرار حلّ حزبكم ''البديل الحضاري''، ما رأيك في القرار؟ وماذا أنتم فاعلون بخصوص هذه النقطة؟ يؤكد هذا القرار ما قلته سابقا، بأن المحكمة لم تدل بأي دليل يثبت أنه تم حل الحزب فعلا. فالحزب لم يحل فقط بل أغلقت مقراته ، واعتقال قيادته كان يندرج في إطار مؤامرة توخت التحكم بشكل قسري في المجال السياسي. و منذ يوم الإعلان عن حل الحزب لم تذخر الأمانة العامة للحزب جهدا إن على المستوى القضائي أو السياسي أو الحقوقي من أجل إبطال هذا القرار الظالم وأتصور أن الأمانة العامة للحزب ستتخد خطوات عملية لمواجهة هذا القرار خاصة بعد رفض القضاء المغربي ، الذي يبدو أنه يفتقد إلى الحد الأدنى من المصداقية، طعن الحزب في هذا القرار بمبرر لا يستند لأي عقل أو منطق. هل ستطالبون بمحاسبة من كان السبب في اعتقالكم وإدخالكم السجن؟ لقد كان من أخطاء تجربة الإنصاف والمصالحة أنها لم تتابع الجلادين الذين أجرموا في حق شعبنا خلال سنوات الرصاص بل بقي الكثير منهم يمارس السلطة، وفي بعض الأحيان في مواقع جد متقدمة ضدا على مظللومية ضحايا سنوات الرصاص، لذلك تكررت المأساة وتكرر الاختطاف والاعتقال السياسي والتعذيب، اليوم أتشبت بمحاكمة الجلادين ليس انتقاما لنفسي لأني بحمد الله لا أجد في قلبي غلا لأحد ولكن توفيرا للضمانات كي لا يتكرر مرة أخرى اختطاف و تعذيب الأبرياء، إن عدم الإفلات من العقاب أضحى اليوم مطلب كل الجمعيات الحقوقية الوطنية و الدولية وعدم متابعة الجلادين يعد خيانة لكل المعاناة التي عاناها الضحايا و أسرهم. هناك من صرّح بأن تحقيق الانتقال إلى الديمقراطية أولى من محاسبة من كانوا السبب في سجنكم، هل هما متعارضان؟ ما رأيكم؟ لقد كشفت مختلف تجارب الإنصاف والمصالحة أن الإفلات من العقاب يعتبر عائقا أساسيا في عملية الانتقال الديمقراطي. لا يتعلق الأمر بمنطق الانتقام بل بمنطق العدالة. لقد تابعنا جلسات الإنصات لضحايا سنوات الرصاص وشاهدنا وسمعنا معاناة الضحايا لكن الأمر لم يعد أن يكون كشفا لعذاب هؤلاء ولم ننصفهم أبدا لحد الآن ما دام جلادوهم أحرار طلقاء. لعل كل القوى السياسية والمدنية تتطلع إلى دستور ديمقراطي وعصري، وتترقب ما ستسفر عنه اللجنة المكلفة بذلك، كيف تقيّم النقاش الوطني حول هذه القضية؟ رغم أني لا أحبذ استباق الحكم على عمل لجنة السيد المنوني إلا أني أشك، بالنظر إلى النتائج التي توصلت إليها لجنة الجهوية، في قدرتها على فرز دستور يستجيب لتطلعات المواطن المغربي. غير أني أقدر أن النقاش الموازي الذي يشهده المجتمع المغربي كفيل بالنظر إلى تعدد المبادرات في هذا الاتجاه ببلورة مشروع دستوري شعبي يشكل مرجعا لمقارعة مشروع لجنة المنوني. من جانب آخر أقدر أن النقاش الوطني الذي تشهده بلادنا بحاجة إلى إطار مرجعي عام قد تكون المصالحة التاريخية عنوانه الكبير. شهدت مدينة مراكش عملية إرهابية تسببت في قتل أبرياء وجرح آخرين، كيف تنظرون إلى هذه العملية الإجرامية؟ أريد أولا أن أعبر عن إدانتي لهذه العملية الإجرامية الدنيئة كما أقدم تعازي ومواساتي لأسر الضحايا. أيا كان الفاعل فإن هذه الجريمة استهدفت استقرار وأمن بلدنا كما استهدفت الانقلاب على ربيع الديمقراطية المغربي. لذلك يجب أن نكون حذرين وان نتعبأ جميعا من أجل الحفاظ على أمن وطننا والتصدي لكل المفسدين الذين سيعملون جهدهم لوأد مسار الإصلاح الذي تشهده بلادنا. حاوره: إسماعيل حمودي