يناقش عبد الحميد أبو سليمان، رئيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي، في الجزء الثاني من الحوار الذي خص به ''التجديد'' على هامش فعاليات المؤتمر العالمي للباحثين في موضوع ''جهود الأمة في العناية بكتاب الله وعلومه''، (يناقش ) أزمة العقل الإسلامي وقضايا الإصلاح في العالم العربي والإسلامي، في قراءة لما وقع ويقع في أكثر من قطر عربي.. كيف تقرؤون ما يقع الآن في أكثر من قطر عربي إسلامي؟ لا شك أن العالم العربي والعالم الإسلامي في وضع حرج من الناحية الحضارية ويعاني التهميش، والتعليم فيه ليس على ما يرام، الثقافة فيها الكثير من التشويه الذي أوصل الأمة إلى ما هي عليه الآن، وعادة في العلاجات الخاطئة، نتعامل مع مظاهر المرض أو مضاعفاته، دون أن نغوص إلى أساسه، من هنا المطلوب من المفكرين أن يغوصوا في تاريخ الأمة، على سبيل المثال أثناء السنوات الأخير، الأمة الإسلامية تقلد الغرب في كل شيء، وهذا جانب متعلق بالمثقفين. أما من ناحية الشرعيين، فهم يعيشوا بالحرف الواحد من ما مضى، من أوضاع وحلول وتطبيقات، فهذا يعيش في التاريخ، وذاك يعيش في الغرب، والنتيجة أن الأمة تضعف، فبعد مضي 300 سنة، نجد أن الهوة تتسع بيننا وبين القوى المنتجة في العالم، معنى هذا أننا نتخلف أكثر فأكثر، في نفس الوقت، لولا المفاهيم الخاطئة في ثقافتنا لما انتهينا إلى ما انتهينا له الآن، فالمطلوب من المفكرين أن يغوصوا، وأن يفهموا طبيعة روح المفاهيم، وطريقة التعامل التي جعلت الصدر الأول للأمة، أمة حضارية حاكمة منتجة، وإذا لم ينصرف الواقع إلى هذا المطلوب، وينعكس فيه التغيير الحقيقي الذي هو بالقدرات من ناحية، وبالأداء من ناحية ثانية، وهذا لن يكون إلا إذا زرع هذا الوعي في الطفل، وتربى على هذا الأسلوب ، فأزمة الأمة العربية والإسلامية أزمة هائلة وتحتاج إلى التأكيد على هاته القضايا وحلها، وإلا ستزداد الهوة والمعاناة، ويزداد التخلف، وتصبح الأمة مستهلكة وتستغل بانتهاك حرماتها، والآن تظهر بعض البوادر، وبدأنا نحس أن هناك وعي جديد، وأرجو أن يفصل بين جهود الدعوة والعمل السياسي، فالدعوة قيم ومفاهيم ومبادئ أصولية، أما السياسة فهي البرامج التي تحقق للأمة قيمها من ناحية وتحقق مصالحها، وفي هذا تتفاوت القدرات والمناظير، وبهذا الأسلوب نستطيع إن شاء الله أن ننطلق. هل التراث الإسلامي مؤهل لاستيعاب ما يجري في أكثر من قطر عربي؟ التراث الإسلامي فيه مشكل، فهو يضم الغث والسمين، فلولا ما أصاب التراث من تشوهات، لما وصلنا إلى ما نحن عليه الآن، لا شك أن الوحي وأن الرسالة الإسلامية رسالة سامية، والتراث هو تطبيقات، وهاته التطبيقات فيها بعد زماني ومكاني، فيجب أن ننقي الغث من السمين، ثم ننظر إلى السمين في ظروفه الزمانية والمكانية، ونحدث نوعا من التفاعل، أكيد هناك إشكالية في التراث وفي الفكر الغربي أيضا، الذي يضم حقائق علمية هامة يجب أن نستفيد منها، لكنها مسخرة لخدمة الرؤية الغربية الفكرية، التي هي كلها استغلال واستعمار، وانتهاك لحرمات الشعوب في أمريكا الشمالية والجنوبية، وما أصاب الهند وما أصاب إفريقيا وما يزال، إذا نحن أمام حضارة مادية، المسلمون دخلوا عدة أراضي، لم يقتلوا شعوب بل تعايشوا معهم، طبعا لحقت بعقليات المسلمين بعض العنصريات القبلية، لكنها ظلت في حدود معينة ولم تتجرأ على إبادة الشعوب، من هنا نؤكد على الأهمية الكبرى لإعادة النظر في التراث من طرف المفكرين والمثقفين، ويفصلوه عن الوحي، فيأخذوا السمين ويفهموه فهما جيدا، ويستنبطوا الحقائق العلمية التي أفرزت حضارة غربية وريثة لحضارات أخرى، ويوظف هذا في الرؤية الإسلامية، فتصبح الأمة منتجة وقادرة على تطوير ذاتها. ما الذي يهدد عملية البناء الحضاري أو المشروع الإسلامي؟ الذي يهدد هو تقصير المفكرين والمثقفين في أداء مهمتهم في توعية شعوبهم وتقديم الحلول، وتقديم رؤية، ورسم خارطة طريق، وإن لم يحدث هذا لن تتقدم الأمة، بل حالها سيتدهور من سيء إلى أسوء. لكم كتاب يعالج أزمة الإرادة والوجدان المسلم، هل فعلا الأمة تفتقد للإرادة؟ هناك ثلاث كتب أساسية، أولا أزمة العقل المسلم، وهو ماذا أصاب العقل والفكر الذي جعله ينحط وينحرف، إذا لم يصفى هذا الأمر، لن تستطيع أن تفكر بشكل سليم، ويصبح الصواب عشوائيا ولكن هذا لا يكفي، الإنسان قد يعرف الصواب لكن لا بفعله، ويعرف ما هو خطأ ولا يفعله، لماذا؟، لأن تربيته ووجدانه وهواه لا يميل إلى هذه الأمور، من هنا لا ينعكس الفكر على الأداء، وقضية تكوين الوجدان السليم الفعال لا يتم إلا في الطفولة، من شب على شيء شاب عليه، فكذلك أزمة الإرادة والوجدان، تتعامل مع التكوين النفسي للطفل، ونحن لدينا قائمة كبيرة من ما يجب، لكن الذي ينقص هو الإرادة، لابد أن نكونها في الطفل، الذي بعد ذلك يفعل، وعقله ووجدانه يتناغم ولا يتعارض، وهنا تأتي الرؤية الكونية الحضارية القرآنية، لماذا أنا موجود؟، وما الغاية من وجودي؟ وهذا ما يدفع إلى الأداء والفعل، فالرؤية الحضارية الكونية هي التي تجعل للإنسان أن له رسالة عليه أن يؤديها، وهناك غاية من أداءها. ما دور العلماء في استنهاض همم الشعوب؟ أولا يجب إعادة فهم معنى العلماء، أي أناس لهم رؤية إسلامية للإنسانية، وفي نفس الوقت لهم دراية بطبائع النفوس، فتأتي رؤية بمختلف المجالات بما يحقق الذات الإنسانية، وليس مجرد إملاءات وخطابات سلطوية لا يقبلها أحد، هنا يجب تكوين الكوادر العلمية في مجالات منطلقة من رؤية إسلامية قرآنية في كل مجال، وفهم المجال، بحيث يأتي الكلام يخاطب الواقع، يخاطب النفس، ويجعلها تفعل بالفعل، وليس مجرد ترديد الخطاب السلطوي الإملائي الذي يجب تغييره، لأنه ليس من صلب الإسلام.