المسرح،كباقي الفنون، يمكن أن يكون منبرا رساليا يساهم في التوعية والعملية التربوية والثقافية عبر مستويات فنية وجمالية خاصة، ولأهمية الدور المجتمعي التربوي والثقافي للمسرح، فتحنا هذا الحوار مع مع الفنان عبد العزيز الحمداوي حول تجربته في المسرح.يحدثنا فيه الرجل عن مساره الفني،وعن تصوراته عن المسرح،والسينما ومساهماته فيهما.كما تحدث الرجل عن إهمال الحركات الإسلامية للمسرح،ودوره الفني والاجتماعي والتربوي.وهذا نص الحوار: مرحبا بك هلا عرفت القراء الأعزاء بشخصكم؟ -- أنا من مواليد مدينة القنيطرة في عز الخمسينات، إسمي الكامل هو عبد العزيز الحمداوي، أب لأربعة أطفال، خريج من المعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي، أعمل الآن موظفا بوزارة التوقعات الاقتصادية والتخطيط بأكادير. - وماذا عن سيرتك الفنية؟ -- أهم المحطات في مسيرتي الفنية مع المسرح كانت بانضمامي إلى فرقة "أهل توات" سنة 1976 وهي فرقة عريقة انطلقت من فاس، ومؤسسها هو الأستاذ عبد الرزاق الفيلالي الذي كان قدوة لي في المجال، وحتى نتعرف على هذه الفرقة، لابد أن نعرف أن هذا المسرحي هو من بين النخبة الوطنية الذي اختير ليقوم بجولة فنية في الوطن العربي لعرض المسرحية المعروفة "العين والخلخال" ولقد واصلت العمل داخل هذه الفرقة، فشاركت في مهرجانات طيلة سنوات 76 و77 و78. وبعد حملة التحريم ضد الفنون في أواخر السبعينات عدت إلى المسرح بعد الانقطاع، ولكن لأنشغل بالبحث والتكوين في مجال التأليف، ومن أشهر ما ألفت "مرآة في الظلام" ومسرحية "القنديل والمنديل" ومسرحية "السوق المقلوب"، هذا وقد مثلث في أفلام مغربية، مثل "هموم الآخرين" ، و"جدور أركان". - الأستاذ الحمداوي لو سألناك عن مشوارك الفني منذ بداية البدايات؟ -- أول البدايات في تجربتي مع المسرح كانت عندما كنت تلميذا حيث كنت أدعي لأقلد المعلمين والأساتذة داخل المؤسسة وخارجها. ولما عرفت بذلك، كان المعلمون والأساتذة يدعونني لأقلد أحدهم حينما يعم الضجر والملل ونحن داخل القسم. أصبح التقليد هواية لي أخلصت لها، وكانت احتفالات عيد العرش مناسبات منحتني الفرصة كي أطور هذه الموهبة. وهكذا أصبحت أستضاف لأقدم لوحات فنية أقلد فيها شخصيات معينة، وذلك في إطار عروض بمناسبة عيد العرش، ثم تم استقطابي في الفرقة المسرحية لثانوية عبد الرحمان الناصر بالقنيطرة، وهنا كانت البداية الرسمية مع المسرح. وقد قدمت ضمن هذه الفرقة تمثيليات فزت في بعضها بجوائز كانت بالنسبة لي محفزا على المضي نحو مرحلة متقدمة. إنها مرحلة ساهم في بلورتها تلك المسابقات بين المدارس والثانويات، وكان هذا عاملا في الدفع بجملة من المعلمين لأن يكونوا مؤلفين مخرجين، والتلاميذ لأن يكونوا ممثلين، هذا في ظل غياب مادة أو تخصص ضمن برامج وزارة التربية الوطنية لتخريج مثل هذه الطاقات. بعد هذه المرحلة احتضنتني فرقة "أهل توات" لمؤسسها عبد الرزاق الفيلالي، استمر عطائي داخل الفرقة إلى غاية 78، حيث سأنقطع عن المسرح والتمثيل، وهذا بسبب حملة التحريم التي سادت في أوساط الإسلاميين في المغرب اتجاه الفنون عامة، والتحقت بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي بالرباط. وعند هذه المرحلة سوف أعود لأنطلق مرة أخرى في مجال المسرح والتمثيل، ولكن بتصور جديد، وكان المحرك في هذه الانطلاقة الحوار الذي تفاعل بيني وبين إخوة من تونس وفلسطين داخل المعهد حول ضرورة العودة إلى العمل المسرحي بعدما لاحظنا انفراد اليسار في أنشطتهم الثقافية بهذا الفن لإيصال أفكارهم أمام اقتصارنا نحن الإسلاميين في مقابل ذلك على الخطبة والحلقيات. - ما هي طبيعة التصور الجديد الذي خرجت بعد الانقطاع والعودة إلى مجال المسرح والتمثيل؟ -- التصور الجديد الذي تبلور لدي فيما يخص العمل المسرحي يقوم على أساس الانفتاح على كل الجماهير دون تصنيف، والعمل في اتجاه البحث والتكوين في مجال التأليف والاقتباس والإخراج وأسلمة النصوص والتأصيل للمسرح الإسلامي، وفي هذا الصدد فقد ألفت عددا لا بأس به من المسرحيات، نشطنا بها داخل معاهد مغربية مثل المعهد الزراعي ومعهد البريد ومعهد الطاقة والمعادن وداخلية المولاي اسماعيل والحي الجامعي سويسي2 بالرباط، وذلك في إطار أنشطة ثقافية كان ينظمها الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. ومن أشهر ما ألفت "مرآة في الظلام" ومسرحية "القنديل والمنديل"ومسرحية ؛السوق المقلوب" ومجموعة أخرى، وفيما يخص بعض هذه المسرحيات فقد أنتجتها تأليفا وإخراجا، إلى جانب هذا ألفت والقيت مجموعة من المحاضرات في موضوع المسرح الاحتفالي بحضور الناقد محمد إقبال عروي والأستاذ بها. - أي جنس في المسرح كنت تحدد فيه توجهك؟ -- توجهي في المسرح تحدد بالأساس في جنس أحببته دون غيره، إنه المسرح الاحتفالي، هذا اللون من المسرح أسسه المؤلف ومؤسس الثقافة المسرحية في المغرب الأستاذ عبد الكريم برشيد، وقد سبق لي أن عرضت عليه شيئا من أعمالي في هذا الجنس الفني. وعبد الكريم برشيد الذي ضاهى مسرح الحدوث ومسرح خيال الظل في المشرق ظل يؤصل للمسرح الاحتفالي على المستوى النظري، فيما حاولت أن أترجم أفكاره على المستوى الفعلي والتطبيقي ممارسة وإنتاجا. - هلا عرفتنا قليلا على المسرح الاحتفالي؟ -- المسرح الاحتفالي هو جنس أكثر انفتاحا على الجمهور وأكثر استيعابا للتنوع في المضامين وأساليب الأداء. المسرح الاحتفالي أكثر تحررا من قيود الخشبة والحيز المكاني داخل الخشبة وخارجها،والأضواء والإنارة والمكرفون، في المسرح الاحتفالي تتنوع وتعدد المجموعات (مجموعات الممثلين) والتي تتنوع وتتعدد معها المواضيع داخل العمل الواحد. في المسرح الاحتفالي الممثل حر في الأداء والتنافسية داخل مجموعات، ولذلك فهو مكلف من ناحية ضخامة أي عمل فني نريد أن نقدمه من خلال هذا الشكل المسرحي. - وماذا عن رأيك في أول تجربة في السينما؟ -- أول تجربة كانت لي مع السينما هي تمثيلي في فيلم "هموم الآخرين" لعباس فراق (سنة 1994) الذي عمل مساعدا مخرجا للفنانة فريدة بورقية، ثم مثلث في فيلم "جدور أركان" وهو ثاني فيلم لنفس المخرج سنة 2001. - وماذا عن الإسلاميين وعلاقتهم بالمسرح؟ كما قلت لك حملة التحريم التي واجه بها الإسلاميون الفنون (ومن ضمنها المسرح) في أواخر السبعينات جاءت كردة فعل في سياق الصراع مع اليسار والصراع من أجل العودة إلى الهوية، ولأن الفنون ارتبطت بالتغريب، فإن موقف الإسلاميين طبعه الرفض.. وطيلة 15 عاما رددت النداءات إلى إخوتنا في العمل الإسلامي حول حاجتنا إلى اقتحام مجال الفنون وخاصة منها المسرح والسينما، ولكن ظلت نداءاتي دون استجابة. ولم يستوعبوا حاجتهم لذلك إلى جانب الوعظ والإرشاد إلا بعد ما لمسوا الضجر والرتابة في أحادية العمل الدعوي. إن النفس البشرية تضجر من الرتابة، وحاجتها إلى الهزل الهادف كحاجتها إلى الجد. ولقد قلتها مرارا للإخوة في الصف الإسلامي إنه سيأتي زمان تصبح دعوتكم لأسركم وأهليكم والمجتمع من حولكم عن طريق المحاضرة والدرس لوحدهما كإكراه الصبيان في الكتاتيب على أخذ العلم. إن المسرح منبر ودعوة كما في المساجد منابر ودعوات. أجرى الحوار ع.الهرتازي