أكد عبد الحفيظ السريتي، مراسل قناة المنار بأن فرحته لم تكتمل باستفادته من العفو الملكي الأخير، راجيا في حوار له مع ''التجديد'' أن تبادر الجهات المعنية إلى إطلاق سراح كل المعتقلين الذين ظلموا، والذين عانوا كما عانى من محاكمة غير عادلة، من محاكمة انتفت فيها أدنى شروط المحاكمة العادلة. وعن اعتبار مبادرة العفو ردا للاعتبار لهذا الملف الذي أثار جدلا كبيرا طيلة ثلاث سنوات الماضية، قال، ''نحن داخل السجن كان اعتبارنا مردودا من قبل كل الشرفاء الذين اجتمعوا على كلمة واحدة، وهي براءتنا من كل التهم المنسوبة إلينا''. وتناول السريتي في حواره مع ''التجديد'' الخطاب الملكي ليوم 9 مارس وعن حياته داخل أسوار السجن، وعن حسه الصحفي خلف القضبان دون ا، ينسى الإشادة بالذين آزروه وردوا له الاعتبار بالتأكيد على براءته مما نسب إليه إلى أن عانق الحرية يوم 14 أبريل الجاري رفقة آخرين، وفي ما يلي نص الحوار: كيف استقبلتم قرار الإفراج عنكم صبيحة يوم الخميس 14 أبريل 2011؟ في البداية أتوجه بالشكر الجزيل لجريدة ''التجديد'' التي واكبت هذا الملف منذ البداية، ومن خلالكم نشكر كل الصحف التي دأبت على فضح كل الخروقات التي عرفها هذا الملف الذي حظي بتعاطف مع هذه القضية بالجدية المطلوبة، وقامت هذه الصحف مشكورة بدورها في مد المواطن بكل ما يحتاجه من معلومات وتفاصيل حتى يتمكن من تحديد تصور عن هذه القضية التي طرحت العديد من التساؤلات سيما بعد الندوة الصحفية لوزير الداخلية السابق، شكيب بنموسى بعيد الاعتقال. باسمكم إذن أشكر جميع الزملاء الصحفيين الذين غلبوا الضمير المهني على التهديدات والتوجيه المقصود من قبل وزير الداخلية، وبفضل الشرفاء الذين نحييهم من خلال هذا المنبر، من حقوقيين وقانونيين، وأحزاب سياسية حية قامت بدورها في فضح هذه المؤامرة التي استهدفت نشطاء إعلاميين وسياسيين في الحقل المغربي معروفين بمواقفهم النبيلة في الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، والمعروفين داخل أوساط المجتمع المدني بدفاعهم المستميت من أجل دولة ديمقراطية، وإدانتهم لكل أشكال العنف سواء كان ماديا أو معنويا. سأعود إلى حدث الإفراج عنا، أنتم تعلمون أنه خلال هذه المسيرة، كانوا في كل اللحظات يقولون لنا أن هذا الملف في طريقه إلى الحل، وأذكرك في هذا السياق، بأن الأيام التي مرت، وتم إخبارنا بأنه سيتم الإفراج عنا، والأمر للأسف يمر في سياق الإشاعة، وبقينا لأيام داخل تلك الزنازن، إلى أن أخبرونا صباح يوم الخميس 14 أبريل 2011 على الساعة العاشرة تقريبا بأن مسؤولين من وزارة العدل ومن المجلس الوطني لحقوق الإنسان يريدون اللقاء بنا، حينها تم إخبارنا بخبر الإفراج عنا. وعانقنا الحرية أخيرا، إلا أنها كانت ناقصة بسبب استثناء البعض فقد سمعنا في المرة الأولى في إطار الإشاعة أن أسماء عديدة ستكون ضمن المفرج عنهم، إلا أننا فوجئنا بأن لائحة العفو الملكي كانت ضيقة وتم استثناء العديد من الأسماء. ونؤكد بهذه المناسبة بأن فرحتنا لم تكتمل، ونتمنى صادقين إطلاق سراح كل المعتقلين الذين ظلموا، والذين عانوا كما عانينا من محاكمة غير عادلة، من محاكمة انتفت فيها أدنى شروط المحامة العادلة، المغرب بهذا العفو لم تكتمل فرحته، الحقوقيون الذين قاموا بدور كبير في هذا الملف، الأحزاب السياسية التي كانت لها مواقف واضحة من هذه القضية، هيأة الدفاع، كل هؤلاء لن تكتمل فرحتهم إلا بإطلاق سراح كل المعتقلين الذين ظلموا في العديد من الملفات، وستكتمل فرحة المغرب أيضا حين تتم تصفية هذه الملفات بالجرأة والشجاعة اللازمة لذلك.ومع وجود معتقلين سياسيين خلف القضبان، وكما قالت العديد من المنظمات الحقوقية بأن الثقة يجب أن تكون في مستوياتها الراقية حتى يتمكن المغرب من تجاوز هذا الوضع غير السليم، وينفتح على صفحة جديدة، صفحة بناء دولة الديمقراطية، لدول يحترم فيها الإنسان وترتبط فيها المسؤولية بالمحاسبة لكي لا نعود إلى الماضي بكل مآسيه والذي نريد أن نغادره بشكل نهائي. هل تعتبرون أن العفو الملكي عنكم كان كافيا لرد الاعتبار لكم؟ أم ستعملون في المستقبل على المطالبة بذلك؟ بكل وضوح أؤكد لك أننا ونحن داخل السجن كان اعتبارنا مردودا من قبل كل الشرفاء الذين اجتمعوا على كلمة واحدة، وهي براءتنا من كل التهم المنسوبة إلينا. بالفعل حصل حول قضيتنا هاته إجماع حقوقي داخل وخارج المغرب، وهذا في حد ذاته رد للاعتبار لنا. وفي هذا الإطار فإن مطلب الشعب المغربي، ممثلا في شبابه ومنظماته الحقوقية، وقواه السياسية واضح بخصوص المعتقلين في هذا الملف الذي قضينا بسببه ثلاثة سنوات من حياتنا خلف القضبان، وحتى تلتئم كل الجراح، ونتمكن من المضي قدما نحو الديمقراطية لبناء دولة تحترم حقوق الإنسان يجب أن تسير الدولة في اتجاه إصلاح سواد الماضي. في إطار هذا الملف، ما تقييمكم للطريقة التي دبر بها، ما هي قراءتكم لتعامل وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية مع هذه القضية التي أثارت جدلا كبيرا بالمغرب وخارجه؟ تعلمين أنه في البدايات الأولى، عقب التصريح الذي أعلنه وزير الداخلية السابق شكيب بنموسى، أعطيت توجيهات لعدد من الصحف التي كانت تدور في فلك السلطة، وكانت تتحرك بالتعليمات والإشارات، وتنشر ما سمي بفصول البحث على أعمدة هذه الصحف، ولم تتعاط مع الملف حسب ما تمليه عليها المهنية والضمير المهني. ولكن بالمقابل تناولت صحف أخرى بشجاعة هذا الملف بشكل من الموضوعية وبطريقة مهنية، بمعنى أن أصحابها حافظوا على مسافة واضحة مع الخطاب الرسمي. هذا الأخير كان يلقي بالتهم حتى قبل أن نمثل أمام القضاء الذي له وحده الحق في إدانتا أو إبراء ساحتنا مما وجه إلينا من تهم، لكن وكما تعلمين فأنت قد تابعت فصول هذه القضية فالإدانة كانت سابقة، ووسائل الإعلام المرئية وبعض المنابر الإعلامية المكتوبة اتجهت في مسار هذا الاتهام، إلا أنه وبفضل الهيئات والمنظمات الحقوقية، وبفضل المنابر النزيهة تم إفشال تلك المخططات، وكانت المواجهة واضحة وقوية قادها نقباء أجلاء وأساتذة كبار وأظنكم لا تزالون تذكرون ما قاله الأستاذ خالد السفياني، في تصريحه التاريخي عقب الندوة الصحفية، لإحدى القنوات العربية مشددا ''نحن لا نشكك في رواية وزير الداخلية ومن معه، ولكننا نكذبها''. من اليوم الأول بدأت الأصوات واضحة صريحة شجاعة تصرخ بأن هذا الملف سياسي وبأننا أبرياء من كل التهم الملفقة إلينا. تلك الأصوات منحتنا القوة لنستمر معهم في فضح تلك المؤامرة، حيث تكاثفت كل الجهود الحقوقية والسياسية والمدنية للشديد على أن الاعتقال كان سياسيا وأن هذه المحاكمة كانت سياسية بامتياز، وأنها عرفت الكثير من الخروقات القانونية، وانتفت فيها أبسط شروط المحاكمة العادلة منذ بداياتها. ومن جهة أخرى، عملت المنظمات الحقوقية الدولية والوطنية ومن خلال متابعتها ومراقبتها لأولى فصول تلك المحاكمة، على نشر تقارير لها أن مسار هذه المحاكمة، لتؤكد أن ما قيل عنا مجرد افتراءات وليس هناك أي أدلة بل هناك اعتقالات تعسفية وصكوك اتهام جاهزة، ورغبة في سحق هؤلاء الأبرياء لاعتبارات نجهلها، لكنها تدخل في العمق في ترتيبات واضحة في الساحة السياسية المغربية. عشتم الظلم لثلاث سنوات مضت، خرجتم اليوم ولا يزال الكثير وراء القضبان، ماذا ستقدمونه لهؤلاء من دعم وأنتم طلقاء اليوم؟ والله أنا حزين رغم أنني عانقت حريتي اليوم، فقد عشت الظلم لثلاث سنوات فالذي ذاق الظلم يشعر ويقول الله تعالى في حديث قدسي: ''يا عبادي إنني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما بينكم فلا تظالموا'' هؤلاء الأبرياء مكانهم ليس هو السجن، وبالتالي فالفرحة لم تكتمل، والمغرب هو الذي سينتصر حين يخلى سبيلهم، فلا مكان للحسابات في هذه الأمور، بوجود هذه الصفحة السوداء في مسار المغرب، وهذه الملفات الثقيلة لن نتقدم إلى الأمام. وكما ذكرت سابقا، الصوت الحقوقي اليوم لا يزال يطالب بضرورة استكمال الإفراج عن المعتقلين، والفرحة ستكتمل عندما يعانق كل مظلوم عائلته وحين يأخذ مكانه الذي يليق به داخل مجتمعه. كيف كنتم تقضون الوقت داخل أسوار السجن؟ هناك كنا نحاول تدبير الوقت، أغلب أوقاتنا نقضيها مع الكتاب، حفظ القرآن الكريم، وقراءة الكتب ومن حين لآخر نقضي أوقاتا في ممارسة الرياضة أو المشي... فأغلب الوقت نقضيه جلوسا وكان لابد من فترات للرياضة. هل اشتغل حسكم الصحفي وأنتم بالسجن، وهل من ملفات ترون الاشتغال عليها في المستقبل؟ في السجن توجد الكثير من المشاكل، تعلمون أن إصلاح السجين يتطلب جهدا كبيرا جدا، وأول شيء يواجه الإدماج الحقيقي هو الاكتظاظ، فهذا الأخير موضوع مثير ومحفز للاشتغال عليه. الاكتظاظ الذي تعرفه السجون يمنع من تطبيق سياسة إعادة إدماج السجناء لكي لا يعودوا للجريمة مرة أخرى، لكن لن يتأتى ذلك في ظل ذلك الواقع، فالاكتظاظ يمنع حتى المراقبين من أداء وظائفهم، فتصوري أن يكلف ستة موظفون بمراقبة وتدبير شؤون ما يقرب عن 1000 سجين، فالأمر صعب للغاية. وبالتالي فحالات العود ستستمر، فليس هناك سياسة واضحة لإدماج السجين، بتوفير الدعم له، وتقديم برامج من شأنها مساعدته على الإدماج والاندماج.. هذه الأمور وإن وجدت فهي ضعيفة جدا ولن تعطي أكلها في ظل تلك الظروف.وأعتقد أن هذا الأمر مطروح على الجميع، على المجتمع المدني، وعلى الحكومة يجب وضع برامج حقيقية للحد من الجريمة سواء داخل المجتمع أو داخل السجن بالمتابعة أو المصاحبة. كنتم تحظون باحترام داخل السجن، سواء من قبل الموظفين هناك أو من قبل المعتقلين، ألم يكن هذا مفيد لمعنوياتكم؟ بصراحة ابتداء من اليوم الأول الذي وطئت فيه أقدامنا السجن، عوملنا باحترام، وبصدق من طرف كل من التقانا هناك من موظفين ومعتقلين أنفسهم، وحتى من كانوا يصاحبوننا من أمن وشرطة إلى المحكمة كانوا يشددون على أنهم لم يروا قط مثل مجموعتنا، ونحن بدورنا عاملناهم بشكل جدي وإنساني، وكنا نعلم أن لا دخل لهم في ما يحدث معنا والحمد لله كنا هناك نتمتع بحب واحترام كبير من قبل الجميع. استمعتم إلى الخطاب الملكي ل9 مارس ,2009 ما تعليقكم على مضامينه؟ لقد تفاعل الخطاب الملكي الأخير مع مطالب الشارع المغربي، وبوقوفنا على إشارات مضامينه لاحظنا أنه يشدد على ضرورة فتح أوراش الإصلاح التي تأخرت على كل حال في المغرب، تلك الأوراش التي كانت كل القوى السياسية والمدنية بالمغرب تثوق إليها، وصلنا الآن إلى مرحلة صعبة جدا، وجاء الخطاب الملكي الإيجابي كإشارة واضحة لبداية جديدة، والآن صارت الكرة في مرمى القوى السياسية، ويجب على هذه الأخيرة أن تتحمل مسؤوليتها وأن تجعل من الخطاب بداية تنقل المغرب إلى مصاف الدول الديمقراطية. الخطاب تحدث عن الدستور، وبالتالي فمسؤولية الأحزاب السياسية والجمعيات الحقوقية والمجتمع المدني والشباب كبيرة للمضي في هذا الاتجاه من خلال تقديم اقتراحات قوية تستجيب التطلعات التي ينتظرها الشعب المغربي، من حرية وكرامة وتنمية وشغل كل حقوقه الاجتماعية والاقتصادية. بعد ثلاث سنوات من الاعتقال، كيف وجدتم المغرب؟ ما نراه اليوم أن المغرب اليوم بصدد التغيير، يعرف المغرب اليوم أوراشا كبرى تتمثل في الدستور، يعني أن بسبب هذه الوثيقة الدستورية ستنهض هذه الدولة، الدولة الحديثة، الدولة الديمقراطية التي تحترم فيها حقوق الإنسان، الدولة التي ستقطع مع الماضي، إذن فالمغرب هو اليوم بصدد تحديد المصير الذي سيتجه إليه، وإذا تحملت كل القوى مسؤوليتها وتعاطت بالجدية المطلوبة ورفعت من سقف المطالب، وسقف الإصلاحات الضرورية واللازمة للمرحلة القادمة فأعتقد أن المغرب سيكون على موعد مع الديمقراطية، ولن يخلف الموعد مع دولة يحترم فيها الإنسان، وإذا لم تتحمل كل القوى السياسية مسؤوليتها فلن نصل إلى بناء وثيقة محترمة ولن نتجاوز هذه المرحلة الضبابية لبناء مستقبل ديمقراطي. كصحفي، هل لديك مشروع ملف يفرض نفسه عليك للاشتغال عليه؟ أول ملفات الاشتغال هي حركة 20 فبراير، حدث مهم يستحق المتابعة، كما تعلمين فالحراك الشعبي الذي عرفته المنطقة اليوم، والذي أعطى نتائج ملموسة في تونس وفي مصر ولا يزال يتفاعل في العديد من الدول العربية. هذا الحراك، أعطى بعض ثماره في المغرب، وبفضل هؤلاء الكبار، اليوم نحن نناقش الدستور، نناقش قضايا كانت بالأمس القريب عبارة عن طابوهات، هؤلاء الشباب كسروا كل الحواجز وأصبح النقاش مجتمعيا، فكل المجتمع صار على وعي ومهتم بدستوره وبفصل السلط... لذلك نتوجه بالشكر الكبير لهؤلاء الشباب المشرق، فنشاطهم وحيويتهم انعكست حتى على الأحزاب السياسية التي تخثرت الدماء في عروقها. أؤكد أن هذا الحدث يستحق المتابعة ويستحق لأن يشتغل عليه الزملاء الصحفيون لأنه يرتبط بشكل وثيق بمستقبل المغرب في القريب؟ في إطار الحراك المجتمعي، وفي إطار المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، هل ستخرجون مع الشباب ومع العائلات في مسيرة 24 أبريل 2011؟ موقعنا مع المجتمع، ومع شبابه، فحين تم إطلاق سراحنا، انطلقنا مباشرة من السجن المحلي لسلا إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالرباط، ثم خرجنا في مسيرة في اتجاه هيأة المحامين بحي المحيط، والتحقنا في المساء بالساحة حيث يناضل هؤلاء الشباب، في وقفة احتجاجية تندرج في سياق الحرية والكرامة والديمقراطية. موقعنا بجانب هؤلاء الشباب، وسنكون في الموعد في مسيرة 24 أبريل 2011 مع الشباب للمطالبة بإطلاق سراح ما تبقى من معتقلين داخل السجون ليتجاوز المغرب هذه الحقبة المظلمة نحو حقبة من العزة والكرامة و الحرية. أخيرا، وأنت في محنتك إن صح التعبير- أي شيء اكتشفته في أسرتك الصغيرة؟ طبعا أنا لا أضيف شيئا على ما قاله العديد ممن التقيتهم من شرفاء هذا الوطن، أثنوا بشكل كبير على هؤلاء الأسر التي كانت سندا حقيقيا لنا في محنتنا، هم وقفوا وتحملوا كامل المسؤولية وكانوا فعلا أهلا لها، تحملوا الصعاب وواجهوا كل القوى التي حاولت أن تصور هذا الاعتقال الظالم بأنه لمجموعة من أخطر ما وجد في المغرب، بفضل زوجاتنا وبفضل عنائهن لتوضيح الحقيقة وطنيا ودوليا، صمدنا وصمدنا، كن لنا خير مساند كان همهن الوحيد تبرئتنا، هن مثل للنساء المغربيات ونسأل الله تعالى أن يجازيهن لتعبهن في إظاهر الحق.