يتطلب التوجه السياسي الذي طرحه الحبيب الطالب في عدد الثلاثاء 19 أبريل 2011 من يومية الاتحاد الاشتراكي نقاشا عميقا في ظل اضطراب الرؤية السائدة عند قطاع واسع من النخب السياسية والحزبية ببلادنا، وهو اضطراب يشتد بسبب تسارع حركية المخاض السياسي الراهن من جهة، وتنوع وتضارب احتمالات وآفاق تطوره والتي تضع على المحك مستقبل هذه النخب من جهة أخرى. يخضع تطور المخاض السياسي الراهن لسلسلة محددات يمكن إجمالها في خمس وتتمثل بتركيز في: 1 - طبيعة المواقف الصادرة عن كل من المؤسسة الملكية ودرجة تقدمها في التفاعل الإيجابي التصاعدي مع مطالب الإصلاح الديموقراطي والتغيير الاجتماعي، والذي كان من مقدماته فتح ورش المراجعة الدستورية والإفراج عن قسم من المعتقلين السياسيين وإعادة النظر في الوضعية القانونية لعدد من المؤسسات ذات الطبيعة الاستشارية كالمجلس الوطني لحقوق الإنسان ومجلس المنافسة ومؤسسة الوسيط والهيأة المركزية للوقاية من الرشوة وذلك في اتجاه منحها سلطات تقريرية تدخلية مع تحريك مسلسل الحوار الاجتماعي، وهو ما يعني وجود تفاعل ملكي مع رهان التحول الديموقراطي. 2 - الحراك الشبابي الاحتجاجي المتصاعد والممثل لقوة ضغط إصلاحية معتبرة ومؤثرة سواء بامتداده الجغرافي أو بقوة شعاراته أو ببنيته الشبابية أو بسلمية أدواته ومبادراته، وذلك في ظل مناخ عربي محفز، إلا أن هذا الحراك لم يتطور بعد إلى حالة جماهيرية شاملة ومستمرة مثلما شهدنا في حالات دول عربية أخرى. 3 - حالة الممانعة والمقاومة الصادرة عن جماعات الضغط المصلحية التي تفتقد للسند الشعبي وتراهن على الاستقواء أو الوجود في مراكز النفوذ لخدمة مصالحها الاقتصادية والأمنية والإيديولوجية، وتجد نفسها في هذا المخاض أمام خطر فقدان امتيازاتها ومواقعها، مما ولد مقاومة مضادة لخيار الإصلاح بالشكل الذي شهدته تجارب الدول العربية الأخرى، مع الفرق في أنها في الحالة المغربية ما تزال في بداياتها، والمثال الأبرز هو في التعاطي مع مخلفات مرحلة السلطوية أثناء العمل على الإفراج على المعتقلين السياسيين والسلفيين وتحديد لوائح المفرج عنهم، مما أضعف من الأثر السياسي لعملية الإفراج. 4 - الموقف الدولي الضاغط لمصلحة التحول الديموقراطي المتحكم فيه باعتباره البديل عن تحول مكلف ومفتوح على المجهول ولا سيما في ظل التعقيدات الهائلة التي تكتنف تجارب الانتقال الديموقراطي في تونس ومصر وما قدمته من دروس للغرب، مع التأكيد على أن الموقف الغربي لم يعد من القوة التي تجعله يتحكم في مسيرة الثورات أو يجهضها كما فعل في الماضي، لكن في الوقت نفسه لم يفقد القدرة كلية عن التأثير في مسيرتها إلى جانب القوى الأخرى وعلى رأسها القوى السياسية الداخلية والهيآت الشبابية. 5 - مواقف القوى السياسية الوطنية المعتبرة وقدرتها على تقديم مشروع إصلاحي حامل لتغييرات حقيقية على مستوى البناء الديموقراطي وقادر على التكامل مع الحراك الشبابي وتأطير التعاقد السياسي بين المؤسسة الملكية والقوى السياسية والقوة الشبابية الصاعدة، وهي مواقف تواجهها تحديات القدرة على تجاوز مخلفات التحكم والإقصاء والإضعاف والتهميش التي استهدفتها في الماضي. إن مجموع المحددات الخمس يفتح المغرب على مسارين، مسار الإصلاح الحقيقي والشامل، وهو رهين بتجديد الإلتقاء التاريخي بين الملكية والقوى السياسية والشعبية، ومسار الإجهاض وهو رهين بفشل هذا الالتقاء ونجاح الاستراتيجيات المضادة، ولغاية اللحظة فإن الوضع السياسي المغربي يعرف رجحان كفة المسار الأول مع استمرار مخاطر المسار الثاني، والرؤية السياسية المطلوبة لهذه المرحلة هي في العمل على توسيع هذا التطور والحيلولة دون ما قد يقلب الكفة لصالح الثاني.