يشتغل التسلط ويمارس نفوذه، فيتمكن بالتالي من أن يتحول إلى إيديولوجية تعلو على الزمن وتعلو على التاريخ، ويغدو النظام السياسي التسلطي متمتعا بشرعية فوق العادة، ومشروعية جماهيرية لا حد لها، إذ يتم شحذها بكل الشعارات الإيديولوجية الجوفاء والفاقدة لكل روابط موضوعية بالتاريخ والواقع. ولنا أن نتخيل، ونحن في قلب ربيع الثورات العربية، كيف أن مجتمعات وشعوبا عربية ظلت صامتة وفاقدة لإرادة التغيير كل هذه العقود الطويلة من زمن الاستبداد العربي؟ وإذا نحن عالجنا على المستوى السوسيولوجي، مطالب التغيير الفائرة في هذه اللحظة على الرقعة الاجتماعية العربية، لاشك سنعثر أو أننا سنتلمس في ضوء هذه الفرضية المشار إليها،كل الفرامل القوية التي كانت مانعة للاحتجاج والتغيير.إن المعاينة السوسيولوجية لظاهرة التغيير معاينة بالغة التعقيد، لأن الأمر يقتضي منا في هذه الحالة فرز العوامل المختلفة من حيث نسبة مساهمتها في هذه الصيرورة المركبة. ومن الأكيد أن هذه الثورات أتت فجائية وعلى حين غرة، لأن الإرادة الجماهيرية التي يفترض أنها عامل استراتيجي لتحقق التغيير، غير قابلة للاستشراف والتوقع بشكل دقيق وقابل للحساب. ولكي يتحول التسلط إلى أمر واقع، ولكي يصبح لحظة تاريخية عادية ومقبولة من طرف مجتمع ما أو شعب ما، فهو دائما مضطر للاشتغال في الحقل الإيديولوجي. لمعاينة صفات وألوان السلطة والتسلط بصفة عامة، ينبغي البحث في طبيعة العلاقة التي تقوم بين المجتمع والدولة. وفي حالة المغرب فان هناك شبكة معقدة من العلاقات بين احتكار الحقل السياسي واحتكار الحقل الاقتصادي، ومما لا شك فيه أن هذا يؤثر بشكل سلبي على الدولة، لأن الثقافة السياسية الحديثة وثوابت الدولة العصرية تمنع هذا الاحتكار المزدوج، لما يترتب عنه من أمراض اقتصادية واجتماعية كثيرة كالبيروقراطية والفساد والرشوة وغياب التوزيع العادل للثروة القومية وغير ذلك. وهناك بطبيعة الحال آليات أخرى لممارسة الهيمنة تتم داخل الحقل الثقافي والديني واللساني. ونحن نعرف أن المغرب يعيش ما يمكن أن أسميه معضلة لغوية. ولعل مطلب دسترة اللغة الأمازيغية يعبر عن جزء من هذه المعضلة. ومن مداخل تفكيك النظام التسلطي يجب إقرار دستور ديمقراطي يستضيء بثوابت الثقافة السياسية الحديثة، ويلبي المطالب المطروحة التي سبق تأجيلها أو التحايل عليها مرارا. دون أن ننسى أنه من الضروري الإنصات إلى التحولات السوسيولوجية والثقافية التي يغلي بها الحقل الاجتماعي منذ سنين مضت دون أن يلتفت إليها أحد. والأمر يستدعي بشكل عاجل تثوير حقل الحريات المدنية والفردية والاعتراف بالحقوق الميكرو-هوياتية لفئات عريضة من المجتمع المغربي، وعدم إذابة هذه الحقوق في قوالب تشريعية محتفلة حصريا بشعار الإجماع. والمطلوب كذلك هو فصل دقيق وشفاف للسلطة، وبالتالي خضوع هذه السلطات حصريا للقانون، علاوة على ضرورة تقوية آليات تتبع ومراقبة تطبيق القوانين، وآليات مساءلة ومحاسبة المسئولين والمكلفين بذلك. أستاذ الفلسفة السياسية بكلية الآداب بوجدة