تتعدد رسائل قرار الإفراج عن المعتقلين السياسيين في قضية بليرج وإلى جانبهم عدد من المعتقلين في قضايا ''الإرهاب''، إلا أنها تلتقي في تأكيد وجود الإرادة لتدشين عهد مغربي ديموقراطي جديد رغم ما يقف في وجهه من مقاومات ما تزال تحن للماضي، وتعمل بكل الصيغ على استمرار تأثيرها في القرار السياسي، لكنها اليوم وبعد قرار الإفراج تلقت رسالة واضحة مفادها أن بناء مغرب الديموقراطية خيار لا رجعة عنه، وأن الأفضل لها النظر والاستسلام لإرادة الشعب المغربي في الحرية والديموقراطية والعدل. إن قرار الإفراج مكسب كبير للحركة الديموقراطية بالبلاد التي رفضت الاستسلام لمقولات دعاة النموذج التونسي الاستئصالي البائد، وانخرطت في مواجهة محاولات استنساخه في المغرب، والتي أفضت إلى سلسلة محاكمات غير عادلة تلت تفجيرات 16 ماي كما ظهرت في مجموعة قرارات تعسفية كحل حزب البديل الحضاري وتثبيت وضعية رفض الترخيص لحزب الأمة، واليوم نحن في حاجة للبناء على هذا القرار لتأسيس عهد الإنصاف والمصالحة الثاني، والانخراط فيه دون تردد أو خوف أو خضوع لابتزاز هذه الجهة أو تلك. إنه انتصار لصوت العقل والحكمة وانتصار جديد للمغرب، وتعبير عن الوعي بحاجة ورش الإصلاح الدستوري إلى إجراءات ثقة لدعم المؤسسات الوطنية الجديدة، وعلى رأسها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وعدم الاقتصار على مجرد مراجعات قانونية ومؤسساتية دون أثر على الواقع السياسي والاجتماعي، وسيكون لهذا القرار التاريخي مفعوله القوي في تبديد قسم معتبر من الشك والتوجس في الإرادة الإصلاحية الديموقراطية المعلنة. إنه مغرب جديد يتشكل ويتقدم لطي صفحة ماضي الانتهاكات والمفروض تعزيز هذا التقدم بالإسراع في معالجة ملفات باقي المعتقلين، والذين يتجاوز عددهم المئات عبر تفعيل آلية العفو وخاصة في ظل بقاء عدد من القيادات والرموز ذات الأثر في تعزيز ثقافة اللاعنف داخل السجن فضلا عن الغالبية من المعتقلين ممن وقعوا ضحية محاكمات غير عادلة، وعلينا استثمار هذه اللحظة التاريخية للعمل من أجل تجميع كل طاقات الأمة المغربية لمصلحة النهضة والتنمية والاستقرار، والنظر للمستقبل بروح إيجابية ترفض كل ارتهان للماضي، فذلك هو الكفيل بجعل المغرب نموذجا ديموقراطيا حقيقيا في المنطقة، يحقق التحول السياسي المطلوب بكلفة أقل ومردوية أعلى وإشعاع أقوى، وذك في محيط إقليمي يعاني من مخاض التحول الديموقراطي. كنا نود أن تكتمل فرحة الإفراج لكن الأمل كبير في الله ثم في الإرادة الإصلاحية الديموقراطية للدولة ولمؤسساتها من أجل الطي النهائي لهذه الصفحة المظلمة من تاريخ المغرب.