أجمع المشاركون في ندوة حول موضوع ''الإصلاح الدستوري والمالية العمومية: أية حكامة؟'' على أن المدخل الأساسي والضروري لتفعيل مراقبة المالية العمومية والتدبير النزيه والشفاف للسياسات العمومية تكمن في ''النضال من أجل ضمان الحق دستوريا في الوصول إلى المعلومة''. وتسائل الحضور في ندوة نظمتها مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد بسلا يوم الأربعاء 6 أبريل 2011: ماذا سيراقب البرلمان ومن سيسائل في وضع لا تمنح له المعلومة الكافية والصحيحة؟ وتوقفت عدد من المداخلات حول أعطاب التدبير المالي العمومي في المغرب. لعل أبرزها وجود فصول في الدستور ''تكبل'' دور البرلمان في المحاسبة والرقابة والمناقشة والمتابعة. أيضا غياب سياسة لتقييم السياسات العمومية، وعدم إخراج قانون تنظيمي للمالية جديد يضبط ''بشكل ديمقراطي'' آليات إقرار الميزاية العامة إعدادا ومراقبة وتصفية. كما تساءلت عدد من المداخلات ''عن مدى دستورية البرامج القطاعية التي تناسلت في المغرب خلال السنوات الأخيرة والتي تدير أمولا قدرت ب 500 مليار درهم''. وأجمعت المداخلات على أن القانون التنظيمي للمالية، وهو عبارة عن الدستور الذي ينظم تدبير المالية العمومية، بشكله الحالي أصبح متجاوزا. متسائلين عن السر وراء تلكأ الحكومة، بالرغم من تعهد التصريح الحكومي منذ سنة ,2007 عن إخراج قانون تنظيمي للمالية. كما توفقت جل المداخلات عند الفصول 50 و51 و52 من الدستور الحالي، مطالبين بضرورة تعديلها، في أفق ضمان حق البرلمان في ''التأثير'' في تحديد أولويات التدبير الاقتصادي والمالي. كما طالب الجميع بضرورة وضع حد ''للتسيب الدستوري والقانوني'' الذي تستند إليه المؤسسات العمومية، والتي تعد عدد منها ''دولة داخل الدولة حيث لا رقيب ولا حسيب''. في قرائته لتدبير المالية العمومية، اعتبر لحسن الداودي، نائب برلماني وأستاذ الاقتصاد، أن الفصل 51 من الدستور يستعمل في المغرب ''بنية سياسية''. منبها إلى أن الحكومة تعمد في كثير من الأوقات إلى التشريع من خلال مراسيم خارج الدورات البرلمانية. مشددا على المغرب ''يعرف ظاهرة الهروب الجماعي من المراقبة البرلمانية من قبل الإدارة أو المؤسسات العمومية'. قائلا: لا يراد للبرلمان في المغرب أن يضطلع بدوره في المسائلة. مشددا على ضرورة إعادة النظر في قانون تصفية الميزانية وطرق إعداد والمصادقة على الميزانية العامة. أحمد الزايدي رئيس فريق الاتحاد الاشتراكي بمجلس النواب، بدوره شدد على وجود خلل في الفصلين 51 و52 من الدستور والمطلوب إعادة تعديلهما. واصفا وضع البرلمان''بأنه مساهمة المؤسسة التشريعية في القانون المالي جد متقدمة في التأخر''. معتبرا أنه ''يجب استثمار ورش الإصلاح الدستوري المفتوح حاليا لإصلاح ما يمكن إصلاحه''. مبرزا على أن قراءة الدستور الفرنسي تبرز أن الفصل 40 من ذات الدستور يشابه الفصل 50 من الدستور الفرنسي، لكن في التجربة الفرنسية من النادر استخدام ذلك الفصل في حين أن المغرب'' يعرف إسهالا في استعمال ذات الفصل''. و الأمر يرجع، حسب الزايدي، إلى الثقافة السياسية السائدة في المغرب ''الضاربة في التأخر''. مطالبا من جهة أخرى بضرورة إصلاح القانون التنظيمي للمالية وتدبير الميزانية من منطلق البرامج و السياسات العمومية. فتح الله ولعلو وزير المالية السابق الذي دبر السياسة الاقتصادية لعشر سنوات، أن تجربته بينت أن تقوية الديمقراطية ترتبط أساسا بتقوية دور الحكومة والبرلمان في الرقابة المالية. مشددا على ضرورة مأسسة النقاش بين المؤسستين التشريعية والتنفيذية عند تحضير الميزانية. كما طالب بدسترة مفهوم السياسات العمومية في مراقبة المالية العمومية. من جانب آخر عن ضرورة المطالبة بإعادة الاعتبار لعدد من المفاهيم منها مفهوم تدبير النفقات ومفهوم المعلومة. أما محمد كريمن، رئيس لجنة المالية والتجهيزات والتخطيط بمجلس المستشارين، فأكد على غياب الجرأة لدى الحكومة الحالية تسمح لها بالحسم في ترددها لوضع مشروع قانون التنظيمي للمالية للمناقشة. كما ذكر بعدد من المؤشرات الدالة على هيمنة الحكومة في تدبير النقاش داخل البرلمان بخصوص الميزانية العامة. مؤكدا على أن البرلمان، بصلاحياته الدستورية الحالية، لا يساهم سوى في تعديل بنود في الميزانية في حدود 1 بالمائة. من جهته اعتبر أحمد بن الشيخ رئيس الجمعية المغربية للتقييم أن مأسسة ودسترة تقييم السياسات العمومية بالمغرب يجب أن تحضى بالأولوية في مطالب الإصلاح الدستوري. وقال بن الشيح، في سياق حديثه عن ضرورة تقوية آليات التخليق والحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة، أن المغرب عرف خلال العشرية الأخيرة ''سيلا'' من التصريحات بخصوص التخليق، لكنه على أرض الواقع ''لم يتم اتخاذ أية إجراءات تهم تقييم السياسات العمومية''. وطرح بن الشيخ عدد من الاقتراحات، منها إضافة إلى دسترة تقييم السياسات العمومية، ضرورة خلق آلية مستقلة تابعة للبرلمان يعهد إليها تقييم السياسات العمومية، وخلق تكامل بين الآليات الموجودة حاليا، مع ضرورة ضمان حق الولوج حإلى المعلومة الضرورية التي هي أساس كل تقييم مستقيم، وكل هذا هو الكفيل بوضع حد لحالات ''الانحراف عن استخدام المال العام في غير أوجهه المطلوبة تنمويا واجتماعيا''.