أجمع المشاركون في اليوم الدراسي حول ''موقع المرأة والأسرة في الإصلاح الدستوري المرتقب'' الذي نظمه منتدى الزهراء للمرأة المغربية يوم الثلاثاء 29 مارس 2011 بالرباط على مطلب دسترة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة والمرأة، واعتبار الأسرة ثابتا من ثوابت الأمة. وخلص المشاركون على أنه حان الوقت لكي يدخل المغرب من الناحية الدستورية نادي الدول التي تنص على أهمية الأسرة وحمايتها دستوريا، معتبرين أن التنصيص الدستوري على أهمية خلية الأسرة من شأنه أن يمنحها ضمانات وأن يكون لها مردود إيجابي على كيان الأسرة المغربية وعلى ''حظها'' في السياسات العمومية. وأثيرت عدة أسئلة في اليوم الدراسي ذاته خاصة في ما يتعلق بالمعاهدات الدولية وحجيتها، ومن الأولى حين التعارض الاتفاقيات الدولية أم القوانين الوطنية؟ قضايا ''الكوطا''، والأسرة في الدساتير المقارنة والمعاهدات الدولية الخاصة بالمرأة، واقتراحات تهم قضايا الأسرة والمرأة، كانت في صلب النقاش خلال اليوم الدراسي. وسجل النائب البرلماني والمحامي محمد بن عبد الصادق، في مداخلة له بموضوع ''موقع الأسرة في الإصلاح الدستوري المرتقب''، (سجل) الفراغ المسجل في الدستور المغربي من حيث التنصيص على قضايا الأسرة والمرأة، إذ باستثناء فقرة تتطرق للمساواة بين المواطنين، يقول بن عبد الصادق، ليس هناك أي تنصيص دستوري على هذا الموضوع، هذا بالرغم من التطور التي عرفتها التشريعات الدولية في قضايا المرأة والأسرة وكذلك رغم التحولات المسجلة واقعيا في بنية الأسرة المغربية، فالعهد الدولي يشير في بنديه 23 و24 على أن الأسرة تشكل الوحدة الأساسية في المجتمع. ويدعو بن عبد الصادق إلأى تدارك وهذا التخلف عن الركب في التعديل الدستوري المرتقب، مبرزا أن التنصيص دستوريا على اعتبار الأسرة النواة الأساسية في المجتمع، يتطلب النظر إلى الأسرة بنوع من التوازن والتجانس بين مختلف مكونات البنية. واعتبر بن عبد الصادق أن مشكل الأسرة هو مشكل المجتمع ككل، لذلك المطلوب هو خلق الانسجام بين مطلب دسترة الأسرة والمرأة مع باقي الحقوق الأخرى. وكنوع من تحديد الأرضية المناسبة لأي تعديلات دستورية تتوخى ''التمكين للمرأة'' تطرقت فاطة الزهراء بنحسين، الكاتبة العامة لمنتدى الزهراء للمرأة المغربية، إلى موضوع الأسرة في الدساتير المقارنة وخلصت إلى أن المغرب ينتمي إلى خانة الدول التي لا تدرج قضايا المرأة والأسرة في أية مادة من الدستور. بالمقابل أبرزت الباحثة على أن هناك أربع مجموعات تنتظم خلالها الدول العربية في ما يخص موقع الأسرة في دساتيرها، إذ أن هناك دولا تنص في دستورها على دعم الأسرة من قبل الدولة وهنا تندرج الجزائر ومصر واليمن، وتقر المجموعة العربية الثانية على أن الأسرة ركن أساسي في المجتمع والدول تضمن لها الحماية، وضمنها تنتمي دول السودان والعراق والإمارات العربية المتحدة، وتركز المجموعة الثالثة على الجانب القيمي الإسلامي والأخلاقي في قضايا الأسرة والدستور. وفي ما يخص دول العالم فهي أيضا تنتظم في علاقة دستورها بقضية المرأة والأسرة في أربع مجموعات، حسب مداخلة فاطمة الزهراء بنحسين، فهناك دول كاليابان وباناما وبعض الدول الإفريقية وتركيا تعتبر أن الزواج والأسرة هو الأساس الطبيعي للمجتمع وهما موضوعان لحماية الدولة من خلال التنصيص عليها دستوريا. وتنص المجموعة الثانية في دستورها على مبدإ حماية الأطفال وأن الدولة تضمن رعايتهم (وهنا تندرج أغلب دول أمريكا اللاتينية). بعض الدول كاليونان وكوريا وإيطاليا أقرت في دساتيرها على أولوية دعم الأسرة المتعددة الأفراد. أما المجموعة الرابعة فلم تدرج الأسرة في أي بند من دساتيرها واكتفت بالتنصيص على مبدأ المساواة بين المواطنين. ضمن هذا المجموعة تنخرط كل من فرنسا وألمانيا وهلندا. الأكيد من خلال قراءة بنحسين أن المغرب يتبنى ''النموذج'' الفرنسي. فهل تأتي التعديلات المرتقبة بجديد؟ وفي باب المقترحات اعتبرت بنحسين أنه بسبب تحولات المجال والتشريع فالمطلوب إنشاء ودسترة المجلس الأعلى للأسرة وشؤون المرأة، مع التنصيص على مبدإ الإنصاف بدل الحديث عن المساواة المطلقة أو المناصفة، كذلك التنصيص على دور المرأة كأم، وعلى تناغم كل القوانين التي تهم الأسرة مع الشريعة الإسلامية. وفي ما يخص إشكالية العلاقة بين المعاهدات الدولية والقوانين الوطنية اعتبر عبد العالي حامي الدين، أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق بطنجة، أن مبدأ عدم التدخل تراجع بسبب تطور حركية التشريع، معتبرا أن مبدأ التحفظ ''لا يجب أن يمنعنا من المساهمة في التشريع الدولي وتبني المعاهدات الدولية''. مبرزا في ذات الوقت أن هناك آليات دستورية تعتمدها عدد من الدول (كأمريكا مثلا) للحفاظ على خصوصيتها وقيمها. وتساءل حامي الدين: كيف يمكن أن تتحمل القواعد الدستورية ضغوط القواعد الدولية؟ وما هو موقع القضاء الدستوري أمام هذا التغلغل المتزايد للقواعد الدولية على القانون الوطني؟ خاصة وأن القواعد الدولية تتدخل على مستويين: إجرائي ومادي، إنها تمس أولا الهياكل الداخلية للدول أي تنظيم السلطات العامة ضمن اختصاصاتها الدولية مما يخل بتوازنات دستورية كبيرة داخل الدول، كما أنها تقر تبعا لذلك بحقوق والتزامات للأفراد والمجموعات الموجودة تحت ولاية الدولة، بالتوازي مع الحريات الأساسية التي تمنحها كل دولة إلى الأفراد وهو ما يمثل تأثيرا ماديا. تدخل حامي الدين أثار عدد من الأسئلة، في هذا السياق اعتبرت فاطمة النجار، داعية وجمعوية، أن دسترة سمو المعاهدات الدولية على القوانين الوطنية ''هو نوع من فتح باب جهنم''، مشددة على أن تلك المعاهدات ماهي إلا حصيلة اختلال موازين القوى العالمية لصالح قوى الاستبداد العالمي الذي يتعامل في ظل ازدواجية القوانين. من جهته تقدم عبد السلام بلاجي، متخصص في الفقه الإسلامي والقانون الدستوري، بعدد من المقترحات، منها ضرورة التنصيص في ديباجة الدستور المرتقب على أهمية الأسرة والمرأة والشباب، في ظل ''منظور اجتماعي أوسع''. كما طالب بالنظر في الفصل السادس من الدستور الحالي وإضافة أن لا تتعارض التشريعات الصادرة عن البرلمان مع أحكام الإسلام. كما شدد على إضافة فقرة ''أن لا تتعارض مقتضيات المعاهدات الدولية مع الثوابت الوطنية والإسلامية'' إلى الفصل 31 من الدستور الحالي. نفس الٍرأي تبنته النائبة البرلمانية جميلة مصلي حينما اعتبرت ''أنه من غير المقبول أن تصبح المعاهدات الدولية أسمى من الأديان''. معتبرة أن الجمعيات النسائية مطالبة في إطار التدافع بإعادة النظر في كثير من المفاهيم كمفهوم المساواة والمناصفة، مع تجاوز النظر إلى ملف المرأة من جهة الحقوق السياسية فقط. فالتحديات تتطلب النظر إلى الأسرة بنظرة شمولية وتكاملية بعيدا عن أية نزعة ''نسوانية'' تصارعية. يشار إلى أن خلاصات هذا اليوم الدراسي ستدعم عمل منتدى الزهراء في صياغة مذكرة اقتراحاته التي سيقدمها في الأيام القليلة القادمة إلى اللجنة المكلفة بالتعديلات الدستورية، حسب ما صرحت به بثينة قروري رئيسة المنتدى ل ''التجديد''.