ترى الدكتورة جميلة لعماري أستاذة بكلية الحقوق بطنجة، ومستشارة جماعية بالمجلس الجماعي لطنجة، وباحثة في قضايا المرأة والأسرة أن على اللجنة المكلفة بتعديل الدستور على ضوء خطاب 9 مارس الجاري، تفعيل توجه الخطاب في ما يخص قضية المرأة، بل وتعزيز مكانة الأسرة وإضافة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلى الحقوق السياسية لتمكين المرأة والأسرة من التمتع بمكانة أسمى، وذلك في ظل احترام الثوابت الوطنية. وأبدت جميلة لعماري في حوار ل ''التجديد'' تفاؤلها بخصوص نتائج الاقتراحات والاستشارات مع لجنة تعديل الدستور على ضوء تجربة مدونة الأسرة التي أفضت نقاشاتها إلى حصول توافق بين مختلف التيارات المجتمعية أدى إلى ولادة مولود أرضى الجميع. وفي ما يلي نص الحوار: بداية ما هي قراءتك للخطاب الملكي ليوم 9 مارس 2011 في الشق المتعلق بالمرأة والأسرة؟ التعديل الدستوري يعتبر ورشا تاريخيا بالنسبة للمغرب على اعتبار أن وظيفة الدستور تتمثل في ضمان الحريات الفردية والجماعية وضمان حقوق الإنسان، وفي هذا السياق شكل الخطاب الملكي استجابة لتطلعات مختلف مكونات الشعب المغربي بما فيها المرأة، حيث تم الإعلان عن ضرورة تعزيز مشاركة المرأة في تدبير الشأن الجهوي، خاصة وفي الحقوق السياسية عامة، وذلك بالتنصيص القانوني على تيسير ولوجها للمهام الانتخابية، وطبعا الخطاب الملكي يعتبر مناسبة لمأسسة حقوق المرأة عبر الآلية الدستورية، على أساس أن ذلك سيعطي للمشرع فسحة لتشجيع ولولج وظائف الانتداب الانتخابي بين النساء والرجال، كما سيعمل على فرض مقاربة النوع في السياسات العمومية على المستوى الجهوي، سواء من حيث التصور أو التسجيل أو المراقبة، أو التقييم. وأيضا سيعمل على إدماج مقاربة النوع في المخططات والموازنات الجهوية، كما سيعمل على خلق فرص لاستتباع إصلاحات أخرى على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي. وكيف يمكن، في نظرك، ترجمة مضمون التوجهات العامة للخطاب الملكي بخصوص تعزيز مشاركة المرأة في الحياة العامة، إلى مقترحات عملية تعتمدها اللجنة المكلفة بصياغة الدستور؟ على اللجنة المكلفة بصياغة الدستور أن تنصت إلى نبض الشارع المغربي، وجمعيات المجتمع المدني التي تهتم بالمرأة، كما تهتم بباقي الأطياف، حتى تستطيع الخروج بمطالب منسجمة تؤدي الدور الذي جاء من أجله التعديل الدستوري في ما يخص المرأة والأسرة، وعليها أيضا أن تبحث في قضايا أخرى موازية للمرأة والتي لم تتم الإشارة إليها في الخطاب، ولكن يمكن أجرأتها أثناء التعديل مثل الأمومة وحماية الأسر، ومعاقبة كل من سولت له نفسه أن يعتدي على حقوق المرأة. ما هي قراءتك في التمثيلية النسائية في اللجنة المكلفة بإعداد مشروع الدستور على ضوء الخطاب الملكي ل 9 مارس 2011؟ أرى أن هذه التمثيلية غير كا فية وتضم فئة معينة وهي فئة الأستاذات الجامعيات، لذلك يجب أن تنفتح على مختلف أطياف المجتمع المدني أيضا. وما هو الواجب القيام به من قبل جمعيات المجتمع المدني من أجل تعزيز مكانة المرأة والأسرة في الدستور الذي سيتم اقتراحه؟ على كل الأطياف المهتمة بقضايا المرأة أن تقوم بصورة عاجلة بتعبئة مجتمعية شاملة وتوسع دائرة النقاش حتى تستطيع المواكبة والمساهمة في الورش الإصلاحي الدستوري المفتوح خلال المرحلة الراهنة، عبر تقديم مقترحات ومناقشة الآراء المطروحة والتداول فيها بما يعزز مكانة المرأة والأسرة، تفعيلا للتوجه الملكي في الخطاب المعلن عن تعديل الدستور. عندما يتم الحديث عن قضية المرأة والأسرة يثار موضوع المرجية المحلية والمرجعيات الدولية، ما قولك في هذا الموضوع؟ أرى من وجهة نظري أن يتم التشبث بثوابت الشريعة الإسلامية الموجودة أصلا في الدستور الحالي وتعزيزها، إذ ينص الدستور الحالي على أن الإسلام هو دين الدولة، وفي ظل طرح موضوع سمو المرجعية، فإنني أرى ضرورة الحفاظ على سمو المرجعية الإسلامية دون إغفال الاهتمام بالمرجعيات الدولية التي تحترم المرجعية المحلية. من خلال اشتغالك على موضوع المرأة والأسرة، هل لك بعض الاقتراحات العملية بخصوص تعديل الدستور. لدي بعض من الاقتراحات من قبيل إصلاح قانون الوظيفة العمومية إصلاحا جذريا يوظف المساواة التي تنسجم مع وضعية المرأة الاجتماعية، ولا ضير من الاستقاء من بعض القوانين الأوروبية التي سارت في اتجاه استحضار وضعية المرأة الاجتماعية في وضع القوانين، مما يسهل على المرأة أداء مهمة أمومتها على أحسن وجه دون حرمانها من بعض الامتيازات، ودون أن تجدن النساء أنفسهن عبئا على مهنهن. وهناك مجموعة من التدابير يجب أن يعاد فيها النظر حتى يكون فيها التمييز الإيجابي لصالح المرأة بحكم طبيعتها ومكانتها في الأسرة والمجتمع؟ ما هي المكتسبات المتعلقة بالمرأة التي توجد في الدستور الحالي والواجب الحفاظ عليها؟ الدستور الحالي لا يتضمن مكتسبات حقيقية للمرأة، ففي الوقت الذي نجدة يتضمن 108 فصلا و 13 بابا لم يخصص منه سوى فصلا يتيما ينص على مساواة المرأة والرجل في الحقوق السياسية دون الحديث عن الحقوق الاجتماعية وأرى أن لا يتم إغفال هذه الحقوق في الإصلاحات الدستورية المقبلة، إذ يجب التنصيص على حقوق الأسرة والأمومة والطفولة وحمايتها وفقا لضوابط تحترم من خلالها الثوابت الوطنية، وما نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من أن الأسرة هي الخلية الطبيعية والأساسية في المجتمع ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة، والذي نلاحظه مقارنة مع بعض دساتير الدول العربية، أن هذه الأخيرة كانت سباقة إلى الحديث عن حماية الأسرة والأم والطفل بشكل مباشر وصريح، مثل سوريا واليمن بل إن البعض منها مثل مشروع دستور فلسطين نص على ضمان شخصيتها القانونية واستقلال ذمتها المالية وعلى معاقبة كل من تسول له نفسه المس بحقوق المرأة. وأشير أيضا إلى أن جمعيات المجتمع المدني لها بعض الاقتراحات في مجال الأسرة حري باللجنة أن تأخذ بها وتوليها رعاية خاصة وتتيح لها فرصة التضمين في مشروع الدستور المقبل. هل من تعليق على الآلية الاستشارية التي ستعتمدها اللجنة المكلفة بتعديل الدستور؟ إذا طبقت آلية الاستشارة على الوجه الأحسن، وكما وعد بذلك بعض أعضاء اللجنة الذين أوكلت لهم مهمة الإنصات والتشاور، سواء مع جمعيات المجتمع المدني أو غيرهن من شباب وفعاليات سياسية وثقافية، (إذا طبقت) فإن ذلك سيمكن من الوصول إلى نتيجة ترضي الجميع. ومن الطبيعي أن يتلقي الذين يقدمون اقتراحاتهم على اللجنة في بعض الأمور وسيختلفون في أخرى، وعبر المشاورات المجتمعية والاستفتاءات يمكن الوصول إلى توافقات، وهناك تجارب سابقة أنتجت نتائج مرضية للجميع، أذكر على سبيل المثال ما حصل بخصوص مدونة الأسرة التي مرت عبر مخاض عسير لكن ولادتها أنتجت مولودا أرضى الجميع وأثمر ثمارا انعكست جودتها على المجتمع المغربي، وأنا متفائلة إلى حد بعيد، على اعتبار أن الاختلاف فيه رحمة، وفي الأخير يبقى الهدف للجميع هو إحداث إصلاحات دستورية لا سيما في الشق المتعلق بالمرأة ترضي الجميع وتكون عادلة إلى حد ما. ولا يفوتني أن أشير إلى أن الحديث عن إصلاحات دستورية يتم في ظل جهل الكثير بمضامين الدستور إلا من قبل نخبة تشمل أساتذة القانون وبعض النخب التي لا تمثل أغلبية الشعب المغربي، والمسؤولية الآن ملقاة على عاتق أساتذة القانون وأطياف المجتمع المدني والفعاليات السياسية وغيرها من أجل تأطير المواطنين. كلمة أخيرة للمرأة المغربية. المرأة المغربية الآن أمام فرصة من أجل مسايرة الركب لتنعم النساء بحقوق كثيرة، وهي أمام محطة تاريخية فريدة من نوعها، والخطاب الملكي يهدي للمرة ثانية ورشا إصلاحيا دستوريا، يتيح لها أن تطرح اقتراحاتها من أجل نقل المرأة نقلة نوعية، بشرط أن تكون الأجرأة والتفعيل في مستوى تطلعات المرأة المغربية.