عبر محمد عبد الوهاب رفيقي، المعتقل بسجن بوركايز بفاس على خلفية ما يعرف ب''ملف السلفية الجهادية'' والمعروف ب ''أبو حفص''، عن فرحته بتأسيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، على اعتبار أنه خطوة لمحو ما أسمته الرسالة ب''سنوات الخيبة التي جرعنا إياها، مجلس استشاري زعموا أنه لحقوق الإنسان، ولم نر منه إلا المبادرات اليائسة، والعجز التام، والوعود الباهتة، والتصريحات الاستهلاكية'' وعبر رفيقي، في رسالته التي توصلت ''التجديد'' بنسخة منها عبر مصادر من عائلته، عن تخوفه من أن تخيب آماله أيضا في المجلس الحالي ''خاصة وأن المجلس جهة رسمية غير مستقلة''، كما جاء في الرسالة. وتساءل أبو حفص في رسالة مفتوحة إلى إلى محمد الصبار، الأمين العام للمجلس، عن رصيد المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في حماية حقوق الإنسان المغربي طيلة سنوات مشيرا إلى أن ''الاختطافات لم تتوقف، والاعتقالات التعسفية لم تنته، والاعتداء على المعتصمين أصبح عادة مألوفة، والتعذيب في المعتقلات يشهد به الخاص والعام، والسجون لا زالت تعج بالأبرياء، وأوضاع السجناء يرثى لها الحال، والقضاء لا زال عفنا فاسدا موجها، وتداخل السلطات لا زال قائما''. وأشار أبو حفص في رسالته إلى أن الصبار اعتلى ذلك المنصب في وقت حساس ودقيق، ''لا مجال فيه للمناصب الشرفية، ولا للكراسي الوهمية، ولا للنفاق السياسي، ولا لديمقراطية الواجهة ، فالشعوب قد كسرت الحواجز، والشهية قد فتحت، والطمع قد زاد واستزاد، فلا مجال إلا للجد والصدق والفعالية والإنتاج، وإلا مزبلة التاريخ ولعنته''. من: أبي حفص محمد عبد الوهاب رفيقي إلى: السيد محمد الصبار الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان سلام من الله عليكم ورحمته وبركاته: قد أكون تأخرت عنكم في الكتابة زمنا طويلا، على الأقل لشكركم على نضالكم وجهدكم الحقوقي الذي بذلتموه دفاعا عن مظلوميتنا وحقوقنا، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله، فاعذرونا بارك الله فيكم، لكن تأسيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان دفعني لمراسلتكم، للتعبير لكم عن استبشاري ومن معي بهذه الخطوة، وتفاؤلنا بمدى إمكانية قدرته على محو سنوات الخيبة التي جرعنا إياها، مجلس استشاري زعموا أنه لحقوق الإنسان، ولم نر منه إلا المبادرات اليائسة، والعجز التام، والوعود الباهتة ، والتصريحات الاستهلاكية ، ثمان سنوات من المراسلات والتظلمات، والشكاوى والطلبات، وعشرات الوقفات العائلية أمام المجلس والاحتجاجات، والتجاوب مع كل المبادرات الصادرة منه والإشارات، وماذا كانت النتيجة؟، سنوات عمرنا لا زالت تحترق قلب القضبان ، وشبابنا يغتاله ببطء صدأ الزنازن والجدران، وطاقاتنا عطلها المنع والحرمان، وعوائلنا تعبت وكلت وعجزت عن التحمل، وأرهقها الجمود وقلة التجاوب والصدود والنكران، فلا مبادراته قد فعلت، ولا وعوده قد أنجزت، لا للحق نصر، ولا للباطل كسر، مئات الملفات عرضت بين يديه، ولم نر تحقيقا جادا ولا سعيا حثيثا لإنقاذ سمعة البلد من تجاوزات وانتهاكات و ظلم صارخ اعترف به العام والخاص، بل يأتي التصريح الملكي قاطعا بحصول الانتهاكات ولا نسمع للمجلس حسا ولا ركزا، لا تفعيلا للتصريح، ولا تحديدا للحالات، ولا مطالبة بإجراء البحوث والتحقيقات، فما فائدة هذا المجلس وما جدواه؟، بل الأعظم من هذا أن يطلق المجلس مبادرة، ويعقد لها بنودا ثلاثة، ويتجاوب معها أغلب السجناء، بل تجاوبت ومن معي معها بإقرارها وتأصيلها تأصيلا شرعيا، وإضافة سبعة بنود أخرى، تظهر مدى اعتدالنا ووسطيتنا، وتزيل الغشاوة عن كثير من الافتراءات التي نالتنا، فلما كان التجاوب أدار المجلس ظهره، ودفن رأسه، وتخلى عن مبادرة كان هو صاحبها ومطلقها، هذا ما جنيناه من مجلس بائس، محدود الصلاحيات، تسيره التوجيهات، وتقوده التعليمات، غابت عنه الشجاعة، وافتقد الجرأة والجسارة، رضي لنفسه أن يكون واجهة خداعة، وطلاء باهتا، فلذلك ذهب إلى مزبلة التاريخ غير مأسوف عليه. بل ماذا حقق هذا المجلس للشعب المغربي، ما هو رصيده في حماية حقوق الإنسان المغربي طيلة هذه السنوات، الاختطافات لم تتوقف، والاعتقالات التعسفية لم تنته، والاعتداء على المعتصمين أصبح عادة مألوفة، والتعذيب في المعتقلات يشهد به الخاص والعام، والسجون لا زالت تعج بالأبرياء، وأوضاع السجناء يرثى لها الحال، والقضاء لا زال عفنا فاسدا موجها، وتداخل السلطات لا زال قائما، والفساد المالي لا زال مستشريا، فماذا قدم هذا المجلس للمواطن المسكين؟ سراب في سراب في سراب، ولا يعترض معترض بهيئة الإنصاف والمصالحة، وما كان من جلسات الاستماع والاعتذار والتعويضات، فتلك إرادة سياسية عليا، لم يكن المجلس فيها إلا أداة تنفيذية ، تتلقى التعليمات والتوجيهات، ولا دخل له بالمبادرة ولا فاعلية له فيها، فماذا يرجى من مجلس مكتوف الأيدي، عديم الإرادة ، مسلوب القوة؟ وإن كنا قد تفائلنا بقيام هذا المجلس، رغم المرارة التي لا زالت حلوقنا تتجرعها من المجلس السابق، فلما منح من صلاحيات التدخل، ومهام الملائمة والمراقبة، وإمكانية التحري والتحقيق، كل هذا يجعلنا نفتح معه باب الأمل، لعل المولى سبحانه وتعالى يجعله سببا لرفع المعاناة والمحنة. إلا أننا مع هذا الاستبشاروالتفاؤل، لا نخفيكم تخوفنا من أن تخيب آمالنا مرة أخرى، خاصة وأن المجلس جهة رسمية غير مستقلة، مما يجعل تخوفنا مشروعا، إذ لا أمل يرجى من مؤسسة ليست إلا واجهة للتلميع والتوهيم، بل عنصرا من عناصر جريمة التستر على الخروقات والانتهاكات، نربأ بكم أن تكونوا كذلك، أو أن تتواطئوا على مثل هذا المنكر الفاحش، إلا أن ذلك لا يكون إلا إذا تمتعتم بالاستقلالية التامة عن كل السلطات العامة، وملكتم الحق في استجواب من كان والتحقيق مع من كان، مهما كان وزنه أو مركزه، ونأيتم بأنفسكم عن تلقي أي تعليمات أو توجيهات، من أي جهة أو سلطة، وكانت لكم الصلاحية الواسعة للتدخل القوي لحماية حقوق البشر في أي زمان أو مكان، وفتحتم أبوابكم لكل المظلومين والمقهورين والمستضعفين، واستمعتم لهم بكل عناية، ونظرتم في شكاواهم بكل حزم وجدية، حينذاك يمكن الاطمئنان لقيامكم بدور فعال في حماية حقوق الخلق ورفع المظالم وحفظ الحقوق. وإن كنا قد استبشرنا بقيام المجلس فإن استبشارنا قد زاد بتعيينكم أمينا عاما للمجلس، وذلك لمواقفكم السابقة، في الدفاع عن حقوق الإنسان عموما، وعن معتقلي هذا الملف خصوصا، وتنديدكم المستمر بما شاب هذا الملف من خروقات وانتهاكات، وما عرفته المحاكمات من ظلم وحيف وجور، وقد ظللتم قريبين من هذه المأساة ومن مآسي الأسر والعوائل كل هذه السنوات، ولعل هذا ما دفعني لمراسلتكم بدلا من رئيس المجلس، فأرجو أن تستمروا في أداء رسالتكم، والوفاء لمبادئكم، وألا تدفعنكم اتجاهاتكم الفكرية، وانتماءاتكم الحزبية ، إلى التنكر لهذه المبادئ وممارسة الانتقائية المقيتة، فالحقوق هي لكل البشر، وليس لليساريين أو اليمينيين أو الإسلاميين، وألا تكونوا كمن سبقكم في المجلس السابق السيء الذكر، ممن قضى منهم ومن ينتظر، ممن كانوا بالأمس دعاة الجمهورية المغربية، وأرادوا إسقاط النظام وإشعال الفتنة، فلما لبسوا العباءة المخزنية، واستحلوا الأريكة الرسمية، تنكروا لحقوق الطبقات المسحوقة، وأداروا ظهرهم للمستضعفين والمضطهدين، بل تواطئوا على التستر على الجرائم وكتمانها، فنحن نربأ بك أن تكون كهؤلاء، حفاظا على رصيدك النضالي، وصونا لمسارك التاريخي. لا يخفى عليك سيادة الأمين العام، أن العالم العربي يعيش تحولات عميقة، وتغيرات جذرية، وكلها تتجه عقاربها نحو التحرر ، والانعتاق من الاستبداد والفساد والظلم ، ونحو فرض إرادة الشعوب على كل الإرادات ، محلية كانت أو دولية، وإن هذه البلاد الطيبة المباركة، لا يمكن أن تكون بمعزل عن هذه الأحداث، ولا بد أن تمسها رياح التغيير، ولا بد للإصلاحات أن تأخذ مسارا جديا وسريعا وفعالا، ولقد كنتم من أشد المطالبين بإصلاح القضاء، وهو مطلب ملح وأساسي وضروري، ولا محيص عنه ليحس المواطن أنه يعيش حقا في دولة الحق والقانون ، فلا حق ولا قانون دون قضاء مستقل نزيه مستقل عن كل السلطات ، وإصلاح هذا الجهاز الحيوي والخطير والذي يمس حريات الناس وحياتهم، لا يكون إلا بتصحيح الأخطاء، خاصة إذا كانت الأخطاء عظيمة وفظيعة ، شوهت سمعة هذا السلك، بل شوهت صورة الوطن، وأحرجته أمام المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، أخطاء لا يمكن اغتفارها ولا تجاوزها، قضاة تحقيق أشبه إلى الجلادين منهم إلى القضاة، ومحاكمات ماراطونية أسرع من أوسيان بولت، ومحاضر معدة حتى قبل الاعتقال، ورفض لإحضار الشهود، وأحكام خيالية جاهزة بلغت آلاف السنين، فحري بكم وقد تبوأتم هذا المنصب أن تجدوا وفي أقرب وقت حزمة الحلول التي تصحح هذه الأخطاء ، وتصلح الصورة بعد فسادها. لقد اعتليتم هذا المنصب في وقت حساس ودقيق، لا مجال فيه للمناصب الشرفية، ولا للكراسي الوهمية، ولا للنفاق السياسي، ولا لديمقراطية الواجهة ، فالشعوب قد كسرت الحواجز، والشهية قد فتحت، والطمع قد زاد واستزاد، فلا مجال إلا للجد والصدق والفعالية والإنتاج، وإلا مزبلة التاريخ ولعنته. وعليه،فإننا سيادة الأمين العام، نحملكم ورئيسكم ومجلسكم مسؤولية تاريخية، مسؤولية المعتقلين الأبرياء الذين قادتهم الحملات الأمنية إلى أقبية السجون دون ذنب ارتكبوه ، ولا جرم اقترفوه،مسؤولية الدعاة والشيوخ الذين ليس لهم من ذنب إلا كلمة أو رأي، مسؤولية شباب هذا الوطن الذي أخطأ يوما ما، وعرف خطأه ومأخذه، ومع ذلك لم تمد إليه يد حانية أو مشفقة،مسؤولية الآباء والأمهات الذين عانوا ولا زالوا يتكبدون حرمانهم من فلذات أكبادهم، ويتحملون عناء شد الرحال لزيارتهم وإعالتهم، مسؤولية الزوجات اللواتي فقدن المعيل والسند والسكن، مسؤولية الأطفال الأبرياء الذين فتحوا أعينهم على أبواب الحديد السوداء، وممرات الولوج من أجل الزيارة، وبزات الموظفين الرسمية، وإجراءات التفتيش المهينة، مسؤوليتهم وهم يرون أقرانهم يتمتعون بحنان الأب ورعايته وتربيته ودعمه، وهم لايعرفون من آبائهم إلا زيارات متقطعة ، ومكالمات هاتفية محسوبة، نحملكم مسؤولية الأجساد التي تهترئ، والطاقات التي تهدر، والمآسي التي تتفاقم ، والاحتقان الذي يتراكم، والحقد الذي يتولد، لقد حملتم مسؤولية جسيمة، أمام الله تعالى أولا، ثم أمام التاريخ، وما نراكم إلا أهلا لها، حريا بها، فلا تخيب أملنا فيك، ولا تدخل اليأس إلى قلوبنا من وجود الأشراف والأحراربهذه البلاد الحبيبة . لقد بلغ إلى مسامعكم يقينا ما كان بسجن سلا، وما كان من الاعتصام ومحاولة إشعال النار في الأجساد، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على مدى ما يحس به المعتقلون من انسداد الآفاق، ومن اليأس من التجاوب مع المطالب العادلة، ومن الاحتقان الناتج عن تجاهل الدولة لكل النداءات والصيحات والمناشدات، ويدل أيضا على أن عهد الاستسلام للمهدئات والمسكنات قد ولى إلى غيررجعة، فلا الوعود تنفع، ولا الأخبار المنسوبة إلى مصادر مطلعة تفي بالغرض، ولا التطمينات الفجة تعمل، بل ليس إلا الجد والفعالية وكل ما هو ملموس ومرئي وواقع، ولهذا نناشدكم أن يكون هذا الملف على رأس أولوياتكم، فإن عجزتم أو اصطدمتم بما يعيق عملكم، أو تلقيتم من التعليمات والتوجيهات ما يمنعكم من ممارسة مسؤوليتكم، فلا أظن أن شجاعتكم تخذلكم لإعلان استقالة فورية، تكون تاجا تزينون به رأس مساركم النضالي والحقوقي، وتكونون بها قد أبرأتم ذمتكم، وأخليتم مسؤوليتكم، وليتحمل غيركم نتائج هذه المأساة وعواقبها. عندما كنا صغارا، كانت المعلمة تضع ختمها على دفتر الامتحان، وعليه: عند الامتحان، يعز المرء أو يهان، وصدقت، إنه امتحان التاريخ، فإما العزة وإما المهانة. وفقكم الله لما فيه خدمة الصالح العام، ويسر لكم القيام بمهامكم، وأعانكم على ذلك وسددكم، والسلام عليكم ورحمة الله كتبه بالسجن المحلي بوركايز بفاس أبو حفص محمد عبد الوهاب رفيقي في: الثاني من ربيع الثاني 1432ه الموافق: 07 مارس 2011م