في الجزء الأول من هذا الحوار الذي أجرته التجديد مع المخرجة هاجر الجندي، تحدثت المخرجة عن الجانب المسرحي، وفي هذا الجزء الثاني نسلط الضوء على أعمالها الدرامية التلفزية والمواضيع التي تشتغل عليها، وأيضا مشاريعها الفنية المستقبلية، وكيف ولجت لهذا المجال وهي الحاصلة على دبلوم الإخراج التلفزي. كما نكشف للقارئ رؤيتها للعمل الدرامي ووجهة نظرها للتوجهات الجديدة للسينما المغربية . والحقيقة أنه خلال الحوار كانت الصراحة والعفوية وعزة النفس هي سمة المخرجة هاجر الجندي التي تمتن في مشوارها الفني لوالديها الحاج الجندي والحاجة فاطمة بنمزيان ولأخيها أنور الجندي الذي كان دائما يثق في قدراتها ومؤهلاتها. وقد أبدت المخرجة حرصها على ضرورة التوفيق بين حياتها كزوجة وأم وحياتها الفنية. كيف جاء ولوجك عالم الإذاعة والتلفزة؟ أنا أساسا حاصلة على دبلوم الإخراج التلفزي من أجل تقديم البرامج والدراما، و أول عمل قمت به هو ''دعاء الأنبياء'' وهو شكل جديد، بحيث ليس دراما تلفزية أو وثائقية، وإنما عبارة عن برنامج اخذ شكل سلسلة تلفزية. والذين قدموا البرنامج ليسوا مذيعين أو مقدمي برنامج وإنما هم نجوم الدراما المغربية، ونحن قمنا بتأمين وجوه معروفة لصالح الخطاب الديني ببلادنا. والفكرة نبعت من كون أن التلفزة المغربية كانت تريد ابتهالات وأدعية لبثها بعد آذان صلاة المغرب خلال رمضان. فارتأينا أن نبتدئ بمن هم أعلم بالدعاء وهم الأنبياء، وذلك من خلال ما جاء في القرآن من أدعية وردت على لسانهم. لكن أضفنا إليها السياق التي وردت فيه. وكانت تجربة متميزة ونتمنى أن نتممها، حيث هناك جزأين نريد الاشتغال عليهما وهما ''دعاء الأولياء'' ثم ''دعاء الأتقياء''. وقد شاركت في ذلك العمل عدة أسماء فنية من الجيل السابق والجيل الحاضر مثل الوالد والممثل المقتدر عبد القادر مطاع والممثل المتميز ربيع القاطي الذي أقدره تقديرا كبيرا لأنه إنسان خلوق وجاد، ويعرف طريقه جيدا. وشارك أيضا محمد الطالب ونخبة من خريجي المعهد العالي للمسرح والتنشيط الثقافي ونخبة من الرعيل الأول. و كذلك الفنان البشير عبدو... وهنا أفتح قوس لأقول لماذا لا يتم استغلال وترويج مثل هذه الابتهالات والأدعية في برامج أخرى وخصوصا وقت الذروة؟ بعد ''دعاء الأنبياء'' جاءت سلسلة ''الشفا'' التي تحدثت عنها كثيرا في عدة محطات إعلامية، سيما وأنها عرفت مشاركة عدة نجوم مغربية وعربية مثل أشرف عبد الغفور وليلى طاهر وكذلك رشيد الشمراني، والفنان المغربي محمد البلهيسي الذي يعد من النخبة...على أن مجموعة من الأسماء كانت ستشارك في العمل لولا المرض أو ظروف أخرى قاهرة كالمرحوم إدريس التادلي ومولاي احمد فنيش والممثلة السورية منى واصف. ما هو السياق الذي جاء فيه هذا العمل؟ سلسلة ''الشفا بتعريف حقوق المصطفى'' مأخوذة عن كتاب ''الشفا'' للقاضي عياض، وهو أحد أمهات كتب السيرة النبوية على المستوى الوطني والعربي الإسلامي. وكما هو معلوم فالكتاب يتحدث عما يجب وعما لا يجب في حق الرسول صلى الله عليه وسلم. ويصفه خلقا وخلقا...وهو أيضا من كتب الرقائق التي تزيد من إيمان المسلم. عندما كنت اشتغل على ''دعاء الأنبياء'' طلب مني أن انقل كتاب ''الشفا'' إلى عمل تلفزي، أي دراما وثائقية وأيضا ''بردة البوصيري''. فكان هذا الإطار الذي جاء فيه العمل. و قد شارك في هذا العمل الفنان مصطفى تاه تاه الذي قام بدور الراوي بطريقة فنية زجلية بعيدة عن الخطابة الرتيبة. فهو يقدم الحلقة للمشاهد. ثم تأتي مشاهد تمثيلية حول مراحل من حياة القاضي عياض قبل وبعد توليه مسؤولية في مدينة سبتة المغربية. فنحن دائما نشتغل على البعد الثقافي والوطني والديني. لأن الخيط الرابط في أعمالنا هو انتصابها للدفاع عن وطننا وتراثنا وثوابتنا ومقدساتنا. وقد يسر الله لنا هذا العمل حيث من لطفه وكرمه أن بعث لي أستاذا جليلا من النخبة أعطاني دعاء كي أردده خلال تصوير العمل، و الدعاء هو :''اللهم صلي على سيدنا محمد الذي ملأت عينه من جمالك وقلبه من جلالك فصار فرحا مؤيدا منصورا وعلى آله وصحبه وسلم تسليما والحمد لله على ذلك''. هذه تسمى الصلاة الجمالية. والحقيقة أن هذا الدعاء وزعته على الفريق التقني والفني كله، ونحن نشتغل كنا نردده. وبصراحة الله سبحانه وتعالى فتح علينا أبواب الخير والتيسير خلال التصوير، وساد جو من الهدوء والمحبة والأخوة بيننا. الحمد لله على ذلك. ومن هنا أدعو الناس الذين سيشاهدون ''الشفا'' بأن يقرؤوا هذا الدعاء الجميل. وفي هذا الصدد أذكر بشيء هو أننا ونحن نشتغل في هذا الميدان الإعلامي والسينمائي هدفنا هو رضى الله تعالى. فنحن من خلال ''الشفا'' نريد أن نساعد المشاهد الذي لم يتمكن من قراءة الكتاب أن ينهل من خيراته ورقائقه. أخبرتني أنك بصدد التهييء لمشروع جديد، ما هو؟ نريد أن نشتغل على ''سبعة رجال'' الموجودين بمراكش، لكن ليس بطريقة فلكلورية أو بطريقة الطقوس والعادات المصاحبة لزيارة الأضرحة والتي لا تمت بصلة إلى الدين. نحن نريد أن نبين من هم سبعة رجال مراكش، علماء مراكش السبعة: القاضي عياض، الجزولي ، التباع، يوسف بن علي، السهيلي، أبو العباس السبتي، علمهم، سلوكهم وتقواهم. فالعمل اسمه ''السباعية'' وهو عبارة عن سلسلة في 28 حلقة، وكل أربع حلقات حول عالم من العلماء السبعة. الجزء الأول سيكون حول شخصية أبو العباس السبتي. وعنوان هذا الجزء هو ''العباسية'' أو''الوجود ينفعل بالجود'' وهذه مقولة لأبو العباس السبتي. لأنه ربما كان يسعى إلى الدخول على الله تعالى من باب الإنفاق من أجل الإصلاح الاجتماعي. ومن هنا جاءت كلمة ''العباسية'' في دارجتنا، بمعنى مكرمة تصاحب انطلاق مشروع ما. وذلك نسبة إلى أبو العباس السبتي أو سيدي بلعباس كما يأتي على لسان الجميع. فنحن نشتغل الآن على هذا الرجل الذي اختلى بنفسه في جبل كيليز أربعين عاما من أجل العلم، ليدخل بعدها مراكش مصلحا. و قد استهدف شريحة اجتماعية لم تكن محط اهتمام الجميع وهي شريحة فاقدي البصر أو كما يطلق عليها أهل مراكش بأدب ''لبصرى''. وقد استطاع أبو العباس السبتي أن يخرج من بينهم علماء وحفظة القرآن والسيرة النبوية، فساروا ذاكرة مراكشية مغربية. فأبو العباس السبتي هو رجل صاحب كرم وجود. وبالنسبة لي فالرجل أراه من زاويتين، المصلح الاجتماعي والعالم الجليل المنفق، الذي كان شعاره ''الوجود ينفعل بالجود''. بعده سنرى حياة القاضي عياض كفقيه من فقهاء المالكية، وهذا الجزء سيكون مختلفا عن ''الشفا'' الذي ركزنا فيه فقط على الكتاب. ثم الرجالات الآخرين إن شاء الله. إضافة إلى هذا العمل، اشتغل على كلاسيكيات المسرح المغربي التي سنعيدها برؤية جديدة وبممثلين جدد. وهناك مشروع آخر عبارة عن أوبريت للأطفال بعنوان ''اوبريت السلام'' مأخوذة من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم حول زوجته خديجة رضي الله عنها وآسيا امرأة فرعون ومريم عليها السلام، كأحسن نساء هذا الكون. إلى جانب لوحات أخرى عن أنبياء الله عيسى وموسى عليهما السلام. ثم إبليس كبطل القصة الذي يدعو إلى العصيان وعقوق الوالدين وعدم الاعتراف بالدين...ومن خلال اللوحات المتعددة نحاول أن نبين للأطفال كيف أن الخير يهزم إبليس ويوحد كل الناس مهما اختلفت أديانهم. والعمل هو باللغة العربية والفرنسية. ما هي خصوصية هذه الأعمال المغربية مقارنة مع ما نراه اليوم في الفضائيات المشرقية؟ عن أي الفضائيات تتحدث فالفضائيات المشرقية فيها روتانا من جهة والرسالة وأخواتها من جهة أخرى (تضحك مازحة). بالنسبة للفضائيات الإسلامية فيها خطاب مباشر ونحن نشتغل على مادة إبداعية فنية، بمعنى لا نرى في هذه الفضائيات أعمالا درامية إلا نادرا. فأغلبية البرامج تعتمد على ديكور جميل وعالم لطيف يحدث ويفتي. وبالتالي لا نرى إلا الوعظ المباشر حتى في الأعمال الفنية التي يقدمونها. بينما نحن لا نقدم الخطاب المباشر ولا مادة وعظية علمية. فللأسف سارت هذه الفضائيات في هذا التوجه علما أن لديها إمكانيات ضخمة لإنتاج أعمال درامية أو فنية تخدم نفس الهدف. هل تعتقدين أن هذا النوع من الأعمال التي تقومين بها تلقى تشجيعا من المسؤولين عن المجال السمعي البصري ببلادنا أم العكس؟ بصراحة كل أعمالي قوبلت بالترحيب وإن كانت وتيرة الاشتغال بطيئة. كل مسرحياتي تم تقديمها بالرغم من كونها توجه نقدا لبعض الأوضاع الاجتماعية، وإن كانت تحذف بعض المقاطع منها أحيانا (تضحك). والحقيقة أن الأمر راجع لكون أن مثل هذه الأعمال الدرامية لم تقدم من قبل. كيف تفسرين توجه العديد من الأعمال السينمائية نحو قيم مغايرة لقيمنا؟ وأنا أجيب على سؤالك لا أريد أن يفهم من كلامي أنني أرفض الآخر أو أرفض الانسجام مع واقعنا وحاضرنا. فحق التعبير مضمون. ولكن على من يدعي أنه حامل لمشعل التقدم والحضارة لبلادنا أن يكون على قدر المخاطب، فعندما يتوجه إلى الأوروبي ليأخذ ما عنده، فليأخذ وليعطي. وهذا يستوجب أن تكون لك هوية خاصة وفكر معين حتى يتسنى لك الوقوف على أرضية صلبة. بمعنى انه يتعين عليك ألا تخاطب الآخر وكأنك وعاء فارغ ستملئه بمعطياته هو. ويكفي أن أقول أنه على مستوى رؤية الآخر، فإنه لن يحترم شخصا لا مرجعية ولا خلفية له ولا تاريخ له. وعليه فعار على مبدعين مغاربة يقدمون أعمالا سينمائية في المهرجانات بفكر لا يمثل المغرب. فعندما قدمت السينما الكورية مثلا في مهرجان مراكش، رأينا السينما الكورية بثقافتها، فلماذا لا نرى سينما مغربية تمثل ثقافتنا؟ ألا يوجد مثلا إلا الشباب المدمن والمتمرد في المجتمع لتصويره في أعمال تلفزية أو سينمائية؟ ألا يوجد الطبيب والمهندس والعالم الناجح...؟ لماذا لا نرى شخصية المرأة المكافحة؟ أو الصفحات البيضاء لمدينة من المدن المغربية؟ فالمادة الفنية موجودة إذن. من جهة أخرى لا نريد أن يعرض لنا بعض المخرجين حياتهم الشخصية ثم يدعون أن أعمالهم تمثل الواقع المغربي. وعليه، فعلى مستوى اختلاف القيم أقول نستحق كشباب غير متفلت من قيمنا أن نجد أنفسنا في السينما. لا أقل ولا أكثر. ما هو الحلم الفني الكبير الذي يراودك؟ هو تجسيد شخصيات من تاريخ المغرب على مستوى السينما. زينب النفزاوية وفاطمة الفهرية وعبد الله كنون، والمختار السوسي والمكي الناصري وأبو الحسن العكاري عالم الرباط، فالناس يعرفون فقط حومة العكاري، لكن لا يعرفون من هو العكاري. فأحلامي هي أن يعرفوا الناس منهم هؤلاء الشخصيات الوطنية البارزة. أن يروهم في أعمال سينمائية مغربية. فأحلامي هي جماعية إذن وليست شخصية، أحلامي أن أرى سينما مغربية تمثل وتشرف المغرب وتحقق أعلى الإيرادات، ويشاهدها النخبة وعامة الناس. كما أتمنى أن يكون للسينمائيين والمبدعين المغاربة هيئة وطنية تجمعهم للنقاش والحوار وتبادل الآراء بكل محبة وتقدير، من أجل التاريخ العظيم لهذا البلد، الذي لازال لم يأخذ حقه في السينما والإبداع الفني. وهذه دعوة للجميع من أجل الاهتمام به.