الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تصعد رفضها لمشروع قانون الإضراب    تعاونيات جمع وتسويق الحليب بدكالة تدق ناقوس الخطر.. أزيد من 80 ألف لتر من الحليب في اليوم معرضة للإتلاف    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    اكتشاف جثة امرأة بأحد ملاعب كأس العالم 2030 يثير الجدل    البطولة الوطنية.. 5 مدربين غادروا فرقهم بعد 15 دورة    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي من 26 إلى 28 دجنبر بالأردن    توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس    جدل تعديلات مدونة الأسرة… بين مؤيد ومنتقد    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    "الاتحاد المغربي للشغل": الخفض من عدد الإضرابات يتطلب معالجة أسباب اندلاعها وليس سن قانون تكبيلي    الحبس موقوف التنفيذ لمحتجين في سلا    وكالة بيت مال القدس واصلت عملها الميداني وأنجزت البرامج والمشاريع الملتزم بها رغم الصعوبات الأمنية    مقتل 14 شرطيا في كمين بسوريا نصبته قوات موالية للنظام السابق    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    حزب الأصالة والمعاصرة يشيد بإصلاح مدونة الأسرة ويدعو إلى تسريع المصادقة عليه    حلقة هذا الأسبوع من برنامج "ديرها غا زوينة.." تبث غدا الجمعة على الساعة العاشرة    "التجديد الطلابي" تطالب برفع قيمة المنحة وتعميمها    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    "ال‬حسنية" تتجنب الانتقالات الشتوية    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    صناعة الطيران: حوار مع مديرة صناعات الطيران والسكك الحديدية والسفن والطاقات المتجددة    شرطة أصيلة تضطر لاستخدام السلاح لتحييد خطر شقيقين في حالة سكر    حملات متواصلة لمحاربة الاتجار غير المشروع في طائر الحسون أو "المقنين"    الحكم على 13 عضوا من مناهضي التطبيع ب6 أشهر حبسا موقوفة التنفيذ    تدابير للإقلاع عن التدخين .. فهم السلوك وبدائل النيكوتين    بيت الشعر في المغرب ينعي الشاعر محمد عنيبة الحمري    سنة 2024 .. مبادرات متجددة للنهوض بالشأن الثقافي وتكريس الإشعاع الدولي للمملكة    الممثل هيو جرانت يصاب بنوبات هلع أثناء تصوير الأفلام    الثورة السورية والحكم العطائية..    الضرورات ‬القصوى ‬تقتضي ‬تحيين ‬الاستراتيجية ‬الوطنية ‬لتدبير ‬المخاطر    اعتقال طالب آخر بتازة على خلفية احتجاجات "النقل الحضري"    كيوسك الخميس | مشاهير العالم يتدفقون على مراكش للاحتفال بالسنة الميلادية الجديدة    الصين: أعلى هيئة تشريعية بالبلاد تعقد دورتها السنوية في 5 مارس المقبل    الإعلام الروسي: المغرب شريك استراتيجي ومرشح قوي للانضمام لمجموعة بريكس    "البام" يدعو إلى اجتماع الأغلبية لتباحث الإسراع في تنزيل خلاصات جلسة العمل حول مراجعة مدونة الأسرة    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    "الجديدي" ينتصر على الرجاء بثنائية    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    التوجه نحو ابتكار "الروبوتات البشرية".. عندما تتجاوز الآلة حدود التكنولوجيا    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    الوزير قيوح يدشن منصة لوجيستيكية من الجيل الجديد بالدار البيضاء    حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المخرجة هاجر الجندي : في المجال الفني يجب ضبط النصوص التي يتم استقدامها من الخارج وفق منظومتنا القيمية
نشر في التجديد يوم 07 - 03 - 2011

هاجر الجندي من المخرجات المغربيات اللواتي يؤمن بأن للفن رسالة داخل المجتمع، في زمن كثر فيه العبث الفني وطغى فيه فن هجين لا لون له ولا عمق فيه.
تنطلق المخرجة هاجر الجندي في أعمالها الفنية سواء في المسرح أو التلفزة من الواقع الاجتماعي للمغاربة وثقافتهم وقيمهم وأصالتهم. كما تتميز الجندي باشتغالها المستمر على التراث المغربي المنسي الذي تحاول أن تبرزه للمتلقي المغربي، رغم الصعوبات التي تعتري المجال الفني ببلادنا. وهكذا فقد انتهت مؤخرا من عمل تلفزي متميز وهو سلسلة حول كتاب ''الشفا'' للقاضي عياض، وتستعد لعمل سينمائي حول شخصية زينب النفزاوية زوجة السلطان يوسف بن تاشفين.
في هذا الحوار الذي يحاول أن يغوص في تجربتها الفنية، تحدثنا المخرجة التي تحرص على أن توفق بين واجباتها العائلية كأم وكزوجة وعملها الفني، عن رؤيتها للفن وعن مسارها الفني الذي ابتدأ بالمسرح، وكيف لا وهي تنتمي إلى عائلة مسرحية عريقة، فهي ابنة الممثل الكبير الحاج محمد حسن الجندي والفنانة فاطمة بنمزيان، وأخت الفنانين أنور وحسن الجندي والمخرجة حليمة الجندي.
كيف بدأت مسارك الفني؟
قبل أن أجيبك، اسمحلي أن ابتدأ بالأخير والجديد، أنا الآن في صدد الاستعداد لعمل سينمائي سيكون إن شاء الله حول شخصية زينب النفزاوية زوجة السلطان يوسف ابن تاشفين رحمة الله عليهما. فطاقم التأليف يشتغل عليه حاليا. ونحن الآن في مرحلة البحث عن مصادر التمويل لأن عمل من مثل هذا الحجم يتطرق لتراث بلادنا لابد له أن يأخذ حقه ماديا، خاصة على مستوى الملابس والديكورات، وأيضا اختيار الممثلين والطاقات الكفأة التي تجعل من هذه الشخصية تظهر بالوجه اللائق بها. فموازاة مع كتابة السيناريو ننظر إذن في الإنتاج.
أما بخصوص مساري الفني فقد ابتدأ مع المسرح، لكنني لا أتذكر بالضبط متى بدأت. وذلك بحكم انتمائي لأسرة فنية. فبيتنا كان عبارة عن ورشات و أوراش للعمل المسرحي. بمعنى أنني كبرت بين التأليف والتمثيل، وعلى خشبة المسرح وفي كواليسها، فأنا أتذكر في سن السادسة أو السابعة كنت أدخل مرات عديدة أثناء العرض المسرحي لحاجة ما لأجد نفسي أمام الجمهور. وهذا ربما ما جعلني ألج عالم المسرح الذي يجري مجرى الدم في عروقنا.
أما على مستوى الاحترافي، فبدايتي كانت سنة 1996 حيث كلفت بمساعدة الإخراج ومساعدة في التسيير لعرض مسرحي عبارة عن أوبريت غنائية اسمها ''الحياة أمانة'' كانت من إنتاج لجنة الوقاية من حوادث السير، العرض كان جميلا وموجها للكبار والصغار. قمنا به بجولة عبر ربوع المملكة، وخاصة ما في يسمى النقط الحمراء لحوادث السير بالمغرب. ولا زلت أتذكر الطرقات الوعرة التي مررنا منها رفقة الحاجة حبيبة المذكوري والحاجة أمينة رشيد والوالدة الحاجة فاطمة بنمزيان، والفنان مصطفى تاهتاه وبنعبد الله الجندي وعبد الله ديدان وبشرى العوينزي ومحمد الأثير، وطاقم من الكوريغراف، حيث كنا نسافر في حافلة كبيرة محملة بالديكورات، وتسير في الطرق الملتوية الخطيرة بين الجبال.هذا ترك لدي انطباعا يتمثل في أن الأمر قد يبدو يسيرا ومثيرا للمرح لكنه هو أمر جاد جدا، أن تنقل عرضا مسرحيا إلى مثل تلك المناطق. فذلك ارتبط عندي بأنك ممكن أن تخاطر بحياتك لكي توصل رسالة فنية. وهذه ليست شعارات ولكنها واقع وتجربة نعيشها.
كتجربة في الكتابة، في نفس السنة، شاركت في تأليف اوبريت بعنوان ''النعمة'' مع اللجنة الوطنية لحوادث السير. والعرض كان خاصا بالصغار. بعدها جاءت مسرحية ''الدبلوم والدربوكة'' حيث قمت بمساعدة الإخراج مع أخي أنور الجندي. المسرحية جاءت في أوج أزمة البطالة، حيث عالجت قصة طالب يحمل دبلوما لطب الأسنان يجد نفسه مضطرا أن يحمل الدربوكة مع أخيه الذي يسير فرقة غنائية شعبية، من أجل تحصيل لقمة العيش وفتح عيادة طبية. وقد لاقت إقبالا جماهيريا سنة 1998 و .1999
بعد ذلك لم أتوقف بل كنت دائما اشتغل مع فرقة ''مسرح فنون'' على مستوى التسيير والتأليف والتداريب...
لكن مساري أخذ اتجاها أكثر تأصيلا وتقعيدا حين ذهبت إلى كندا من أجل دراسة الإخراج في مؤسسة ''سيني كور''، حتى لا يقال أنني احترفت انطلاقا من المشروعية التاريخية (العائلة). وإن كنت لا أنكر أن تواجد والدي في الميدان الفني أعطاني دفعة قوية لمساري، سيما على مستوى العلاقات مع فنانين كبار كالطيب الصديقي والطيب لعلج والحاج الهاشمي بنعمر واحمد فنيش ورموز فنية أخرى.
فكل تلك الرموز كانت بالنسبة لي وأنا صغيرة جزء من عائلتي، بمعنى أنهم أعمامي أو خالاتي، وهو أيضا مايروا في ابنتهم. فهذا جعلني لم ارتبك في مساري، بل ساعدني لأخطو بثقة كبيرة. وهنا أذكر فضل الفنان الكبير عبد القادر مطاع واشتراكه معي بدون تردد في أول عمل مسرحي لي، إضافة إلى الحاجة حبيبة المذكوري ووالدتي وأخي أنور الذي كان له فضل كبير في مساري والذي كان يثق كثيرا في مواهبي.
والعمل الآخر هو مسرحية ''المدير والبندير'' التي وإن كانت كوميدية إلا أنها تعالج قضية مهمة هي تواجد مدير على رأس مؤسسة يستغل منصبه في أشياء أخرى وفي اللهو عوض العطاء وخدمة الآخرين.
مسرحية أخرى، هي ''للا بنتي'' التي تحكي قصة أب يفقد زوجته فتتعرض ابنته لصدمة نفسية، فيكرس حياته لها عوض أن يتزوج مرة أخرى. وهذه المسرحيات قدمناها في جولات خارج المغرب بأوروبا.
وقد لاقت ترحابا كبيرا من طرف الجالية المغربية التي أنستنا العراقيل ونقص الدعم الذي نلاقيه هنا.
فالفرقة تتكون من 24 فردا وكل واحد منهم يعول عائلة، وعليه أن يترك لها حاجياتها لمدة شهر، وعندما تذهب مثلا إلى شركة الخطوط الملكية الجوية قصد تخفيض بسيط، لان هذا عمل وطني مغربي نذهب به إلى الجالية المغربية التي تشكل الشريحة الكبيرة من زبنائنا، فتقابل بالرفض، بحجة الأزمة المالية.
لست ادري لو كانت نانسي عجرم أو هيفاء قادمة إلى المغرب هل ستعرف الشركة نفس العجز في الميزانية؟ أم أن المسألة متعلقة بالاستخفاف بالمسرح المغربي الأصيل؟ هل سياسة الكيل بمكيالين نحن فقط المستهدفين منها؟ لا أعرف.
بمعنى أن العراقيل دائما موجودة؟
صحيح، لكن لم نتوقف والحمد لله تلقينا دعما من طرف مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، مؤسسة البنك الشعبي، وكذلك وزارة الثقافة باختلاف وزرائها. ففرقة ''مسرح فنون'' كانت والحمد لله تلقى الدعم من هذه المؤسسات، نظرا ربما لكونها عريقة (27 سنة) ، وخصوصا لجدية أعمالها، ولجماهيريتها.
بعد ذلك جاءت مسرحية ''بنت الشعب'' وهي من بين الأعمال الأكثر تميزا. لتعاطيها لموضوع الشجع والنفاق وحب المال...
المسرحية الأخرى والتي قمنا بها بجولة في أوروبا هي ''للياتي .كوم'' وهو عنوان موقع لجمعية نسائية اجتماعية لكنها فقيرة. هذه الجمعية تحاول أن تحصل على دعم من طرف وزيرة أوروبية لكن يغدر بها فيذهب الدعم لجمعية غنية لكنها ذات مصالح شخصية.
كيف تقيمين هذه التجارب المسرحية؟
نحن نشتغل على مسرح يقال عند البعض إنه مسرح تجاري، والحقيقة أننا لا نقوم بالمسرح التجاري.
وإنما مسرح مغربي محترف. لماذا مغربي؟ لأن اللباس مغربي، الحوار بلهجة مغربية، لا نستعمل لغات أخرى، وإذا استعملنا لغة أجنبية فلتوجيه رسالة معينة، ولأننا نشتغل على التراث الشفهي المغربي، مثل الأمثال المغربية والموسيقى المغربية أو اللحن المغربي الذي نلبسه كلاما جميلا عوض كلام الإسفاف، ومن خلاله يتم الترفيه الجميل.
هناك مفارقة، في الوقت الذي يحقق هذا المسرح المغربي نجاحا جماهيريا ، نجد أن النخبة تقاطعه، في نظرك لماذا؟
في المغرب فقط، أما في أوروبا فجميع شرائح جاليتنا تحضر لعروضنا. الأب والابن و الطبيب والمهندس والمثقف والأجانب وحتى من هو متزوج بأجنبية.
المشكل هنا ببلادنا يرجع إلى سببين: من جهة غياب الدعاية الكافية التي تمكن النخبة من معرفة وجود عروض مسرحية. فنحن نلتقي العديد من الناس فيتساءلون عن أعمالنا، علما أن المسرح الوطني مسرح محمد الخامس له برنامج شهري يقدمه في مطويات للجميع. بمعنى أنه ليست لدينا تقاليد فرجة. فمن العيب أن المثقف أو الذي يدعي أنه من النخبة لا يذهب إلى المسرح لأخذ برنامج الشهر. هناك نقص في التغطية الإعلامية للعمل المغربي، على جميع المستويات. بخلاف عندما يتعلق الأمر بعمل عربي أو أجنبي.
السبب الثاني هو أن تلك النخبة لديها أحكاما مسبقة، أكليشيهات عن المسرح الذي نقوم به، قد يكون هذا ناتج عن بعض العروض الرديئة. فالبعض من النخبة يعتقد أن الذهاب لعروضنا المسرحية أو ما شابهها فيه مضيعة للوقت. وعلى العموم فالمشكل مشكل تواصل قبل أن يكون نوعية المقاطع أو نوعية العمل.
فمثلا مجموعة من الناس من يحسبون على النخبة عندما حضرت أعمالنا غيرت منظورها للأشياء. بمعنى تم إعادة الجسر بينها وبين العمل المسرحي المغربي. ولتمتين هذا الجسر لابد من التعاون من كلا الطرفين. وعموما عملنا موجه لجميع الطبقات بلغة سلسة يجد الكل نفسه فيها.
ومن هنا نوجه لهم الدعوة للتعرف على نوعية الأعمال التي تقام في المسرح الوطني، ولا يعقل أن لا تعجبهم مسرحية واحدة. لان الأشكال مختلفة كما الأذواق تختلف. وعموما هناك غياب لتقليد مسرحي الذي كان سائدا من قبل كما حكى لي والدي.
على ذكر التقليد المسرحي وخلافا للسابق، نلاحظ اليوم غياب الإقبال على المسرح لماذا؟
لعدة أسباب، من بينها التلفزة. فمثلا يحكى لي ان في السبعينات كان هناك المسرح المباشر أي ان العروض تمر مباشرة على الشاشة الصغيرة، وكانت لجل الأقلام الوازنة كالأستاذ عبد الله شقرون والمرحوم إدريس التادلي وعبد السلام الشرايبي والطيب الصديقي ووالدي...الذين أسسوا للمسرح المغربي. هؤلاء كانوا أولا يقدمون لمشاهدي التلفزة فرجة مسرحية، و كان المشاهدون لهم ارتباط نفسي بهم كفنانين، وبالتالي عندما يعرفون أن هناك عرضا مسرحيا لأحد مهم يذهبون إليه.
اليوم التلفزة فقدت هذا الدور بحيث لم تعد العروض تمر باستمرار، وحتى أوقات البث لبعض العروض المسرحية إما في الظهيرة أو في وقت متأخر من الليل. فالدعاية إذن لها دور في غياب الإشعاع المسرحي الذي كان سابقا. من جهة أخرى هناك الانفتاح الإعلامي، بمعنى أنه سابقا كان إعلامنا موجها لنا كجمهور وكمبدعين في إطار رقعة جغرافية وزمنية محددة نتحرك فيها، لكن حاليا الناس انفتحوا على العالم من خلال تعدد المحطات الإعلامية.
أي العولمة؟
نعم العولمة، وإن كان فيها ما هو جيد وما هو سيء. فمن ضمن الأمور التي تأثرت بهذا الانفتاح هي فقدان ذلك الإخلاص للمسرحيين المغاربة وأعمالهم، الذي تربى عليه الجيل السابق. وهذا لا يمكنه أن يؤدي إلا إلى تراجع على مستوى العلاقة بين الجمهور والفنانين، وأيضا على مستوى الأعمال المقدمة.
العديد من المسرحيين تراجعوا إلى الوراء ولم يعد إنتاجهم بنفس الغزارة التي كان عليها، مثل الأستاذ الطيب الصديقي أو الأستاذ الطيب لعلج والمرحوم عفيفي...لأنهم أصبحوا لا يجدون إلى من ''سيتحدثون'' من خلال كتاباتهم. فللأسف الناس أصبحوا اليوم ينساقون وراء الأغاني (تضحك) أكثر من القراءة والتمثيل. فالطفل أول ما يحفظ اليوم هو أغنية ''شخبط شخابيط''...أي أن جمهور الغناء كبر على حساب جمهور التمثيل والمسرح والقراءة...فكل هذه الحيثيات إضافة إلى مقاطعة النخبة للأعمال المسرحية حتى وإن كانت نخبوية أدت إلى التراجع المسرحي، وتراجعت مجموعة من الفرق المسرحية.
لكننا ورغم ذلك فالحمد لله في ''مسرح فنون'' لزلنا مستمرين ومحافظين على جمهور مخلص لنا ولأعمالنا. خاصة وأننا في السنوات الأخيرة انفتحنا على شريحة أخرى هي شريحة السجون والإصلاحيات داخل المغرب وخارجه. فالسنة الماضية مثلا وبدعم من وزارة الجالية المغربية بالخارج قمنا ب 30 عرضا في أوروبا لمدة شهر، أي كل يوم عرض مسرحي. منها 20 عرضا في الإصلاحيات السجنية موجها للسجناء المغاربة هناك. وقد كانت من أجمل العروض التي قمنا بها وتفاعل المغاربة هناك مع أعمالنا. ونفس الشيء هنا في بعض السجون المغربية.
وفي اعتقادي في ما يتعلق بالنخبة، هناك نخبة ضيقة سجنت نفسها في خطاب معين، أي أنها منغلقة على نفسها وعليها أن تنفتح على الناس. وألا تحكم على شكل من أشكال الفرجة لم تراها قط. ونحن مستعدون للحوار وسماع النقد. وبالمناسبة فنحن نشتغل حاليا على كلاسيكيات الأدب المغربي وسنحولها إلى أمسيات مسرحية ستقام في المسرح وستبث على التلفزة. وهذا مفهوم جديد اتفقنا عليه. ونتمنى من نخبنا أن تتعامل معنا وتعرض علينا نصوصهم وإبداعاتهم لتقديمها، بدون إقصاء.
وأنت تركزين على رسالة المسرح، هناك مسرح آخر عنوانه الإثارة والقطيعة مع ثقافة المجتمع المغربي وقيمه، ما رأيك في ذلك؟
أنا أولا أؤمن بالحق في الاختلاف، لأنه قد اختلف او اتفق مع الآخر في قيم ما، لكن لا يمكنني أن ألغي حقه في الوجود. ويمكن القول إن الانفتاح والعولمة لهما تداعيات ايجابية وتداعيات سلبية. ففي المعهد العالي للمسرح والتنشيط الثقافي للأسف الطلبة لم يدرسوا كلاسيكيات الأدب المغربي، ولكن فقط كلاسيكيات الأدب أو المسرح العالمي. نحن درسنا أيضا المسرح العالمي لكن وجدنا من يلقن لنا معه قيمنا وثقافتنا المغربية. بخلاف هؤلاء الطلبة الذين لم يجدوا من يدرس لهم منظومة قيمنا في مواجهة منظومة القيم الجديدة. وبالتالي أصبح هؤلاء الطلبة سفراء لمنطومة القيم الجديدة في مجتمعنا. أي منا لكنهم يعيشون غربة او في غربة. فهم يحسون بأن المجتمع لا يفهمهم والمجتمع يرى أنهم غرباء عليه.فالمبدع عندما يشتغل على عمل فيه قيم جديدة، فمن البديهي أن يعرف مخاطبه، ومدى قبوله وهدفه...أي أسئلة مكونات التواصل: ماذا؟ أين؟ متى؟ كيف؟ لماذا؟ فهؤلاء المبدعون الجدد يكتفون ببعض هذه المكونات التي تنحصر في الكيف، أي الصيغة. لكن لا يضبطون المكان والسياق الزمني والهدف.
فأنا لا افهم كيف أن مبدعة مغربية لها اسم مغربي (تضحك، سعيدة او خديجة...) تقوم بعمل لمبدعة اسمها صوفي ...هل هو تقليد أعمى؟ تشبه بالغربيين؟استيلاب؟ تغريب؟ او بحسن ظن نقول عمل طليعي؟ او هناك طليعة سابقة لزمنها ونحن متأخرون؟ لكن الشيء الأكيد أن السياق الزمني والمكاني غير مضبوط أو فيه خلل. على أن هناك من المبدعين والمبدعات من يتورطون في هذا الاتجاه حينما يلتقون بكتاب غربيين فيسعون إلى ترجمة عملهم، عوض التكييف الصحيح لها، دون الأخذ بعين الاعتبار السياق الثقافي للمغاربة. فتقع الكارثة. فالمفروض هو ضبط النصوص التي يتم استقدامها من الخارج وفق منظومتنا القيمية وثوابتنا الوطنية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.