1 المنطلقات إيمانا من حركة التّوحيد والإصلاح بأهمية التجديد في المنظومة التربوية التكوينية بصفة خاصة، باعتبارها منظومة متحركة تتراكم فيها التجارب باستمرار؛ مواكبة لما يظهر في الحقل النظري من رؤى ناتجة عن البحث المستمر، والتقويم العلمي للتجارب العملية، والسعي إلى تطويرها، والاستفادة من التجارب العملية التي خاضتها المنظمات المعتبرة العاملة في حقل التربية النظامية وغير النظامية .... وانطلاقا من رؤية الحركة المتمثلة في إقامة الدين وإصلاح المجتمع، ومن الكسب المتحقق في مجال التربية والتكوين بموازاة مع المنعطفات والتحولات الكبرى التي عرفتها الحركة من ''التنظيم الجامع'' إلى ''التنظيم الرّسالي''، وما يعنيه ذلك من تحول في مقاصد التربية والتكوين؛ من تربية مغلقة في محاضن خاصّة بالتنظيم بهدف بناء الجماعة، نحو اعتبار التربية والتكوين وظيفة استراتيجية تتوجه بمقاصدها في التّزكية نحو المجتمع بأفراده ومؤسساته، فضلا عمّا كشفت عنه متطلبات الانفتاح من حاجيات تربوية وتكوينية، وما أفرزته من اختلالات وآفات تربوية؛ تتطلب ضرورةً صياغة منظومة تربوية تكوينية، تجديدية ومعاصرة، تدعم خيار الرّسالية والمشاركة والانفتاح، وتعيد للتربية والتكوين دورهما الحقيقي في التزكية والتأهيل. وبالنظر كذلك إلى المتغيرات الوطنية والدولية التي كشفت وخاصة في السنوات الأخيرة عن استهداف مباشر لمنظومة القيم؛ بهدف إعادة صياغتها وفق نموذج العولمة الاستهلاكي المادي؛ مما يستوجب تقوية الممانعة الإيجابية في جسم أبناء الأمة لتمكينهم من الحفاظ على هويتهم وخصوصياتهم الحضارية، ومن القدرة على استيعاب المتغيرات، وعلى التعاطي الواعي معها عن طريق إنتاج خطاب راشد وممارسة أصيلة متجددة ومنفتحة وقابلة للتداول والانتشار. وانطلاقا من الدراسات الحديثة في مجال التربية بصفة عامة وبناء المناهج بصفة خاصة؛ لأن استثمارها في بناء منظومة التربية والتكوين لحركة التّوحيد والإصلاح سيسهم إلى حد كبير في تحقيق النتائج المرجوة بفاعلية أكبر للوصول إلى أحسن مردود بأقل مجهود، وخاصة على مستوى إعادة بناء المفاهيم وتشكيل التصورات، وكذا تطوير الطرق والوسائل وأساليب التقويم ... وبناء على نتائج التشخيص الأولي لوضعية التربية والتكوين بالحركة، سواء على مستوى التصور النظري أو التنفيذ الإجرائي العملي. وهو التّشخيص الذي كشف عن جهود مقدّرة في البرامج، وعلى توفر هيكلة معتبرة لفضاءات التربية والتكوين داخل التخصصات، وعلى وجود طاقات يمكن استثمارها وفق سياسة التخريج، ثم متابعة تكوينها المستمر، وفق نظرة متجددة ومتنوعة تمكنها من مواكبة حاجيات الحركة المتسارعة والمتطورة باعتبارها حركة دعوية تشتغل في واقع يتغير ويتطور باستمرار... انطلاقا من كل تلكم التحولات والمعطيات والمستجدات والمتغيرات، سعت حركة التوحيد والإصلاح إلى إعداد منظومة تربوية تكوينية متجددة مواكبة لتطورات حاجيات الحركة، وإلى وضع رؤية واضحة وشاملة للتكوين وتخريج الأطر انطلاقا مرجعيات محدّدة. 2 المرجعيات إنّ حركة التّوحيد والإصلاح تجعل من الكتاب والسنة المصدر الأعلى لكل مبادئها ومنطلقاتها وأهدافها، والموجه الأسمى لكلّ اختياراتها واجتهاداتها (1). ولذلك فإنّ منظومة التربية والتكوين تهتدي بمبادئ العقيدة الإسلامية وقيمها السّامية الرامية إلى تربية وتكوين المواطن المتصف بالاستقامة والصلاح. ثمّ بعد ذلك تعتمد المنظومة المرجعيات التّالية: 1 وثيقة ''الميثاق'' لحركة التّوحيد والإصلاح؛ وخاصة منها فقرة المبادئ والمنطلقات التي تحدد هوية الحركة في كونها حركة مفتوحة في وجه كل مسلم من أبناء هذا الوطن يريد أن يتفقّه في دينه ويعمل به ويدعو إليه(2). 2 وثيقة ''الرؤية التربوية'' لحركة التّوحيد والإصلاح التي عبّرت عن الهدف التّربوي للحركة بما يلي: فهدفنا أن نخرج أنفسنا ومن شاء معنا من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام(3) والتي أكّدت على محورية ''التّربية'' في عمل الحركة بما يلي: التربية محور عملنا وجوهره، فأهدافها هي أهدافه، سعيا لإقامة الدين على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع والحكومة والأمة والإنسانية جمعاء(4)، والتي تشدّد على أن الإسلام رسالة تربوية لا يدعو الناس إليه ثم يُهملهم ويتركهم، بل يأمر بتعهدهم حتى يفقهوه ويعلموه(.5) 3 وثيقة ''رسالة الحركة'' التي لخّصتها في: الإسهام في إقامة الدين وتجديد فهمه والعمل به، على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والأمة، وبناء نهضة إسلامية رائدة وحضارة إنسانية راشدة؛ من خلال حركة دعوية تربوية، وإصلاحية معتدلة، وشورية ديمقراطية، تعمل وفق الكتاب والسنة. وتعتمد الحركة أساسا إعداد الإنسان وتأهيله، ليكون صالحا مصلحا في محيطه وبيئته. كما تلتزم منهج التدرج والحكمة والموعظة الحسنة، والتدافع السلمي، والمشاركة الإيجابية والتعاون على الخير مع غيرها من الأفراد والهيئات (6). 4 التوجه الاستراتيجي للحركة في المجال التربوي الذي ينصّ على ضرورة إقامة منظومة تربوية ترتقي بالفرد إلى مستوى حسن الالتزام بالدين والدعوة إليه، ومنظومة تكوينية لتخريج أطر رسالية. 3 عناصر المنظومة أ مقاصد المنظومة: تتوخى حركة التّوحيد والإصلاح من هذه المنظومة تحقيق مقاصد عدّة؛ على رأسها: الارتقاء بأداء الفرد إلى مستوى أرقى من حسن الالتزام بالدين أحكاما وقيما، والالتزام بالدعوة إليه بحكمة وتبصر، ووسطية واعتدال... الإسهام في تخريج الأطر الرّسالية، القوية والأمينة، المتوفّرة على خبرات علمية ومهارات عملية والمتشبّعة بمنظومة قِيم راقية؛ تؤهّلها للإسهام في بناء تنمية شاملة وتشييد حضارة راشدة. هذه المقاصد مع ما سبقها من منطلقات ومرجعيات هي التي تحدّد المواصفات التي يجب استهدافها في المتخرّج من هذه المنظومة التّربوية التّكوينية. سواء منها المواصفات العامّة ''النّهائية'' التي يُتوخّى الحصول عليها بعد استكمال كلّ مراحل المنظومة؛ أو المرحلية التي يُتوخّى الحصول عليها في نهاية كلّ مرحلة من المراحل. وفي ما يلي المواصفات العامّة التي يتوخّاها المنهاج؛ وستتم الإشارة إلى المواصفات الخاصّة مع كلّ مرحلة من المراحل في سياق التّعرّض إلى هندسة التّربية والتّكوين. ب المواصفات العامّة للخريج: تسعى منظومة التربية والتكوين إلى الانتقال من مجرّد ''تلقين المعرفة'' إلى ''بناء المعرفة'' من خلال الإسهام الفعلي للمتكونين في إنتاجها والبحث عنها والاقتناع بها؛ وذلك باستخدام مهارات الفهم والاستيعاب والتحليل والنقد البنّاء والاستنتاج المركز وامتلاك أدوات التكوين الذاتي المستمر، والتواصل الإيجابي مع المحيط لنشر المعرفة والقيم الإسلامية، كما تتوخى ترسيخ منظومة القيم الإسلامية، وإبراز أهمية الالتزام بها في السلوك الفردي والجماعي. وبذلك تتحدد المواصفات العامّة للخريج على مستوى المعارف والقيم والمهارات كالتّالي: أ على مستوى المعارف: يتعيّن على منظومة التّربية والتّكوين لحركة التّوحيد والإصلاح عبر مراحلها المختلفة أن تساهم في بناء الموسوعة المعرفية التي يتوفّر عليها الفرد عند التّخرّج؛ والتي تتكوّن من: ü المعرفة الإسلامية الصحيحة المستندة إلى المصادر الأصلية للتشريع (القرآن والسنة والإجماع) ومقاصد الشريعة الإسلامية وقيمها. ü المعرفة الإسلامية في توازنها وشموليتها لقضايا الكون والحياة والمصير. ü المعرفة الإسلامية المرتبطة بواقع الحياة والممارسة اليومية. ü المعرفة الإسلامية المتفاعلة مع المعارف الأخرى. ü الإطّلاع على مناهج مفكّري الإسلام في بناء وتجديد المعرفة الإسلامية. ü الانفتاح على رصيد الحكمة الإنسانية ومختلف العلوم الطبيعية والإنسانية والاجتماعية وتطبيقاتها في مختلف مجالات الحياة. ب على مستوى القيم: يتعيّن على منظومة التّربية والتّكوين لحركة التّوحيد والإصلاح أن تغرس في الفرد الذي يستفيد منها ويلتزم بها عددا من القيم الإنسانية النّبيلة؛ التي يمكن تلخيصها في ما يلي: ü قيم المراقبة الذاتية والتقوى والإحسان. ü قيم الوسطية والاعتدال. ü قيم التّشاور والحوار والتواصل. ü قيم العدل والحرية والدفاع عن الناس. ü قيم احترام الحقوق والواجبات وأداء الأمانات. ü قيم المبادرة والطموح والفاعلية والمسارعة إلى فعل الخير ü قيم التسامح والتعارف وحب الخير للعالمين. ü قيم التّدافع السّلمي والمشاركة الإيجابية والتّعاون على الخير مع الغير. ü قيم الاعتزاز بالهُوية وبالانتماء.... ü قيم الجمال والإبداع.... ت على مستوى المهارات: يتعيّن على منظومة التّربية والتّكوين لحركة التّوحيد والإصلاح أن تعمل على إتاحة الفرصة للأفراد الذين يستفيدون منها ويلتزمون بها للتّدرّب على مجموعة من المهارات في أفق اكتساب القدرات الضّرورية التي تؤهّلهم لتبليغ رسالتها على أحسن وجه. ومن ذلك اكتساب القدرة على: ü الاستيعاب والتحليل والتعليل والتّقويم والنقد الإيجابي. ü التمييز والتصنيف وترتيب الأولويات ü التواصل والحوار والتّأثير وتدبير الاختلاف ü حلّ المشكلات وبناء الاختيار واتخاذ القرار ü التّخطيط والبرمجة والعمل الجماعي.. ü التّحمّل والتّكيّف مع المواقف المختلفة. ü تحويل واستثمار المعرفة في الوضعيات المختلفة ü استخدام تكنولوجيا الإعلام والتواصل في نشر المعرفة والقيم الإسلامية. ملحوظة هامّة لا شكّ أنّ هذه المواصفات ما هي إلاّ تعبير عن نوايا تربوية وتكوينية يبقى تحقيقها مرتهنا بمدى إمكانية تطبيق مختلف مراحل تنفيذ المنظومة على أرض الواقع في حركة التّوحيد والإصلاح بما يقتضيه ذلك من تنّوّع في طرق ووسائل وفضاءات التّربية والتّكوين والتّقويم من جهة، ومن جهة أخرى بمدى التزام الفرد المنتظم فيها وحرصه على الاستفادة القصوى من كلّ مراحلها ودوراتها. (يُتبع) 1 ص18؛ الميثاق. 2 ص11؛ الميثاق. 3 ص18؛ الرّؤية التّربوية 4 الرّؤية التّربوية؛ ص.19 5 الرّؤية التّربوية؛ ص.17 6 انظر رسالة حركة التوحيد والإصلاح.