اعتبر محمد ضريف أن الخطاب الملكي استجاب لأغلب مطالب القوى السياسية والنقابية والشبابية، وأكد أنه تجاوز بأن يكون مراجعة دستورية إلى وضع ملامح دستور جديد. وهي ملامح استطاعت أن تجمع بين الملكية والديمقراطية، بالانتقال من ملكية تنفيذية إلى ملكية متوازنة تُقتسم فيها السلطة بين المؤسسة الملكية والوزير الأول. وأكد أن تعيين لجنة برئاسة الفقيه عبد اللطيف المنوني تضع مشروعا للدستور الجديد يعرض على الاستفتاء الشعبي، هي إحدى طريقتين لوضع أي دستور ديمقراطي. ولم يستبعد ضريف أن تتلو هذا الخطاب قرارات أخرى مثل العفو عن المعتقلين السياسيين على خلفية قانون الإرهاب. فيما يلي نص الحوار: ما تعليقك على الخطاب الملكي وما مدى استجابته للقوى السياسية والشباب المغربي؟ أعتقد أن الخطاب قد استجاب للعديد من المطالب التي كانت ترفعها القوى السياسية والنقابية والشبابية للشعب المغربي. لذلك فالخطاب تجاوز أن يكون مراجعة دستورية إلى رسم ملامح دستور جديد. تقوم لجنة دستورية بصياغته ثم يعرض على الاستفتاء بعد ذلك، وأكيد أن اللجنة التي ستشرف على وضع هذا الدستور الجديد ستتقيد بالتوجيهات التي تضمنها الخطاب. خاصة المباديء السبعة التي ستحدد فلسفة الدستور المنتظر. وهي تعتبر استجابة للعديد من المطالب، منها مثلا مطلب دسترة الأمازيغية، الذي رفعته الحركة الأمازيغية. هناك قوى سياسية كانت تطالب بدستور جديد يرتكز على مبدأ فصل السلط، وهو ما ورد في الخطاب بشكل واضح، وتحدث عن أن الحكومة ستنبثق عن انتخابات حرة ونزيهة، وتمثل أغلبية برلمانية واضحة. كما أشار إلى أن القضاء سيصبح سلطة مستقلة، وتحدث عن تعزيز صلاحيات السلطة التشريعية، سواء بتوسيع مجال القانون، أو إعادة النظر في صلاحيات مجلس المستشارين بحيث كان في السابق مجلسين بصلاحيات متشابهة تقريبا. والخطاب الملكي نص على أن مجلس النواب ستكون له الأولوية فيما يتعلق بالتشريع ومراقبة السياسة العامة، وهو الذي يمنح الثقة للحكومة. إضافة إلى دسترة الجهوية، وتوصيات الإنصاف والمصالحة ومنح ضمانات للمواطنين المغاربة على مستوى حقوق الإنسان. هل تؤسس هذه المباديء التي وردت في الخطاب إضافة إلى صلاحية اللجنة في اقتراح منظومة دستورية جديدة هل يؤسس ذلك لدستور جديد وبالتالي لنظام سياسي جديد؟ قلت إننا لسنا بصدد مراجعة دستورية كما كانت تتم في الماضي، والتي كانت تقتصر على إدخال تعديلات على دستور 1962 ابتداء من تعديلات 1970 حتى تعديلات 1996 نحن أمام دستور جديد سيؤسس لنظام سياسي جديد. هناك مطالب تم التعبير عنها دعت إلى دستور ديمقراطي، ومن خصائص أي دستور ديمقراطي إقرار مبدأ الفصل بين السلطات، وهذا ورد في الخطاب الملكي بشكل دقيق، وإقرار مبدأ سُمو القانون، وهذه وردت أيضا في الخطاب، حيث نص على أن الدستور الجديد سيعرض على استفتاء شعبي. نحن إذن أمام مرحلة جديدة إذا استثمرت بشكل جيد من شأنها أن تحدث قطيعة مع الكثير من الممارسات السابقة. وإقامة نظام يستطيع بالفعل أن يوفق بين الملكية والديمقراطية، بمعنى آخر، الانتقال من ملكية تنفيذية كما تحدث عنها الملك محمد السادس في 2002 إلى ملكية متوازنة يكون فيها اقتسام السلطة بين المؤسسة الملكية وحكومة تمثيلية منبثقة عن أغلبية برلمانية في انتخابات ديمقراطية. هناك من يتساءل بخصوص اللجنة المكلفة بإعداد مشروع الدستور الجديد ولماذا لا يتم انتخابها وبالتالي تشكيل مجلس تأسيسي منتخب؟ لن يطرح أي إشكال على هذا المستوى في اعتقادي، هذه اللجنة لن تضع دستور جديدا بل ستضع مشروع دستور يعرض على الشعب في استفتاء شعبي. وفقهاء القانون الدستوري متفقون على أن هناك طريقتين لوضع الدستور الديمقراطي: الأولى عبر لجنة تأسيسية منتخبة يقوم الشعب بانتخابها، وتسمى سلطة تأسيسية، مهمتها وضع دستور للبلاد وليس وضع مشروع دستور. وهذه الطريقة هي التي اتبعتها تونس أخيرا، بحيث أعلنت أنها ستنتخب هيئة تأسيسية في 24 يوليوز المقبل لوضع دستور جديد للبلاد. وهناك طريقة ثانية وهي أن تقوم هيئة بوضع مشروع دستور ويعرض على الاستفتاء الشعبي، ليرفض أو يقبل، وهذه الطريقة هي التي اتبعتها فرنسا، للتذكير، في وضع دستور الجمهورية الخامسة في سنة 1958 هل ترى أن الخطاب الملكي ل9 مارس نجح في امتصاص غضب الشعب المغربي والتجاوب مع مطالبه؟ بالتأكيد، لأن الإشكال في المغرب الذي كان يطرح سابقا، كانت هذه المطالب السياسية عوض الاستجابة لها يتم الإحالة إلى إصلاحات ذات طبيعة اقتصادية واجتماعية. أعتقد أن المطالب التي عبرت عنها فئات الشعب المغربي كانت دائما تنقسم إلى قسمين: مطالب اجتماعية واقتصادية تتعلق بتحسين مستوى عيش المواطن، وأخرى ذات طبيعة سياسية، تنصب على إعطاء مصداقية للمؤسسات الدستورية، وتوسيع الحريات والمشاركة. واليوم أعتقد أن ما ورد في الخطاب من مباديء وتوجيهات يتضمن استجابة للمطالب السياسية، وإذاما استثمرت اللجنة المكلفة بوضع مشروع الدستور الجديد عناصر الخطاب، فإننا المغرب سيحصل فعلا على دستور ديمقراطي فعلا، وسيمكن من تحقيق مصالحة تاريخية بين الديمقراطية من جهة والمؤسسة الملكية من جهة أخرى. لأن ما قاله الملك اليوم يضع حدا لما يسمى الملكية التنفيذية، دون أن يصل ذلك إلى ملكية برلمانية، التي يحتاج تحقيقها المرور عبر مرحلة انتقالية، خاصة وأن دعائم الملكية البرلمانية غير متوفرة. هناك من يتخوف من إفراغ هذا الخطاب من مضمونه خاصة وأن بنود كثيرة جيدة في الدستور الحالي كان يقع الالتفاف عليها، هل ترى مبررات لمثل هذه التخوفات؟ أعتقد أن الخطاب الملكي كان واضحا، بحيث تحدث عن ضرورة اعتماد نظام ديمقراطي للمغرب، وتحدث عن ضرورة توسيع ضمانات قانونية وقضائية. وهذه المحددات والمرتكزات الجديدة لمشروع الدستور المنتظر يجب أن تستوعبها اللجنة المكلفة. وأعتقد أيضا أن السياق الإقليمي والمحلي لا يسمح بأن يتم الالتفاف على التوجهات التي تضمنها الخطاب، وعلينا أن ننتظر حتى تفرغ اللجنة في نهاية يونيو المقبل حتى يمكن تقييم عملها. ولا يمكن أن ننخرط في محاكمة النوايا منذ البداية. هل تتوقع أن يتم اتخاذ إجراءات وقرارات أخرى مثل الإفراج عن المعتقلين السياسيين في السجون المغربية؟ كل شيء يمكن توقعه، أتوقع أن ينخرط المغاربة بكل فئاته وهيئاتهم في نقاش عمومي حول مشروع الجهوية الموسعة، لأن الملك توصل بمشروع الجهوية الموسعة الذي أعدته اللجنة التي كانت مكلفة بذلك. ومعلوم أن الخطاب الملكي ل 20 غشت 2010 كان قد دعا إلى إغناء وتطوير الأفكار التي يتضمنها مشروع الجهوية الممكنة. وأتوقع أيضا أن تثير خطوة وضع مشروع دستور جديد نقاشا بدوره، وأنه مباشرة بعد الاستفتاء الشعبي على الدستور الجديد، ستتم إقالة الحكومة الحالية، وتشكل حكومة انتقالية جديدة تعد لانتخابات .2012 وليس مستبعدا أن يبادر الملك إلى اتخاذ قرارات أخرى تجاه ملف المعتقلين السياسيين على خلفية الإرهاب، بالنظر إلى التجاوزات التي عرفها هذا الملف ويتحدث عنها الجميع، وكان الملك نفسه قد اعترف بها في حوار مع جريدة ''إلباييس'' الإسبانية أيضا.