الدكتور أحمد محمد الدغشي باحث يمني مختص في شؤون الجماعات الإسلامية ومحلل سياسي خبير بالشأن اليمني، حاولت ''التجديد'' أن تقترب من خلاله على حقيقة الحراك اليمني وأهم المكونات التي تقود الانتفاضة الشعبية ضد نظام الرئيس عبد الله صالح، وتفاعلات الموقف بين مبادرات المعارضة وطبيعة استجابة الموقف السياسي، والسيناريوهات التي يمكن أن يؤول إليها الوضع اليمني بعد هذا الحراك لاسيما أنه يعرف ثلاث تحديات كبيرة تزيد من تعقيد الصورة وجعلها أكثر غموضا، فمن جهة هناك التحدي الحوثي في صعدة، ومن جهة ثانية هناك الحراك الجنوبي في عدن، ومن جهة ثالثة هناك تحدي تنظيم القاعدة. ضمن هذا السياق يحاول الباحث أحمد محمد الدغشي أن يوضح تحليله للوضع ويرسم الإمكانات التي يمكن أن يصير إليها اليمن. ما حقيقة الحراك اليمني، وما هي المكونات التي تقوده؟ وما هي سقف مطالبه؟ حقيقة الحراك اليمني يكاد ينحصر حالياً في هدف جامع مشترك معلن من قبلهم جميعاً باستثناء مجموعة قليلة محسوبة على السلطة وتسمى أحزاب التحالف الوطني وهذه ليست داخلة في مسمّى الحراك ابتداء، ويتمثل في إحداث النظام السياسي اليمني إصلاحات حقيقية جذرية وعاجلة، بضمانات مؤكّدة، أو إسقاطه بكل مكوّناته. هناك على الأقل ثلاث تحديات تجعل صورة الحراك اليمني معقدا أو على الأقل غير واضح: الجبهة الحوثية، الحراك الجنوبي، وتنظيم القاعدة، كيف تعاطت المعارضة أو الانتفاضة الشعبية مع هذه التحديات وكيف كيفت مطالبها؟ نعم هناك ثلاث تحديات رئيسة تتمثل في : تحدي الجبهة الحوثية الباسطة سيطرتها الفعلية على محافظة صعدة تقريبا وجزء غير قليل من محافظتي الجوف وعمران، وما يقال عن الهدنة معها ليس حقيقيا على الأرض، بل إن الاتفاقات في الدوحة خ وإن لم تتأكد بعد رسمياً- يعطيهم المشروعية في تلك السيطرة، والتحدي الثاني المتمثل في الحراك الجنوبي بشقيه المطالب بالانفصال والمطالب بجملة من المطالب الحقوقية العادلة المشروعة وقد يكون منها تعديل صيغة الوحدة إلى فيدرالية بدل الاندماجية الحالية، ثم هناك التحدي الذي يظهر ويختفي وهو مجموعات العنف وأبرزها (تنظيم القاعدة) في أكثر من منطقة من اليمن، وإن تمركز أكثر في المحافظات الشرقية والجنوبية، ثم أضيف إلى هذا تحدّي المعارضة المدنية الشرعية وهو تحدّي أحزاب المعارضة المتمثلة فيما يُعرف ب( اللقاء المشترك) الذي يضم إسلاميين ويساريين وسواهم، كما أضيف إليه منذ العام الماضي ما يُعرف باللجنة التحضيرية للحوار الوطني، وهي التي تضم شخصيات قبلية وواجهات اجتماعية ورموزاً سياسية وثقافية وسواها. ويكاد سقف المطالب اليوم ينقسم بين اتجاهين أحدهما تمثله فئة محدودة فيما يبدو أعني محدودة داخل أحزاب اللقاء المشترك ولجنة الحوار الوطني وإن ظهرت هائلة خارج هذا الإطار، ومعهم الحوثيون والحراك الجنوبي بقسميه الوحدوي والانفصالي وكذا عدد هائل من الشباب الذين يقودون الفعاليات اليوم المطالبة بتحقيق هذا المطلب وهو إسقاط النظام بكل مكوّناته، أما القاعدة فلا يُعرف لها موقف معلن حتى الآن. واتجاه آخر خ يبدو أنه يمثل الأغلبية في اللقاء المشترك ولجنة الحوار الوطنيخ ويدعو إلى إصلاحات سياسية جذرية، ويطالب بضمانات حقيقية لتنفيذ ذلك، وإن أعلن تأييده لحق الاتجاه الآخر في التعبير عن مطالبه. أمهلت القوى السياسية المعارضة الرئيس اليمني مدة من الزمن للقيام بإصلاحات حقيقية تترجم مطالبها السياسية، كيف تجاوب النظام السياسي مع هذه المطالب، وهل برزت هناك أي مؤشرات عن تفاعل للنظام السياسي مع هذه المطالب؟ نما إلى علمي وهذا ليس معلناً رسمياً حتى الآن أن القوى السياسية التي أمهلت النظام اليمني مدة محددة من الزمن إلى منتصف شهر 3 /2011م، هي التي ترابط في الشارع اليوم من الشباب الذين يرفعون شعارا: (ثورتنا ثورة شباب لا حزبية ولا أحزاب) أي من المتظاهرين والمعتصمين، وإن كان نسبة غير قليلة منهم تنتمي إلى أحزاب اللقاء المشترك، على خلاف الموقف الرسمي المعلن لهذا الإطار، حيث إن اللقاء المشترك وحلفاءه لم يعلنوا عن موقف لهم نهائي ومحدد لاستجابة النظام لمطالبهم، بل إن موقفهم المعلن مؤخراً وإن ذهب إلى تعليق الحوار مع السلطة لأنها حسب ما ورد في بيانهم سلطة تحشد المرتزقة والمأجورين لاحتلال الساحات العامة ومداخل المدن وإرهاب الأهالي وتعكير السكينة العامة''، وتأكيدها ب'' أن لا حوار مع الرصاص والهراوات وأعمال البلطجة ولا حوار'' ؛ لكن الرئيس الدوري لأحزاب اللقاء المشترك الدكتور محمد عبد الملك المتوكل قد قال لبعض المصادر الإعلامية على خلفية ذلكً:'' إن ذلك الموقف المعلن ليس نهائيا، على اعتبار عدم وجود مواقف نهائية في السياسة''، كما نبّه في تصريحه '' إلى حاجة المواقف السياسية للكثير من المرونة، وأن المطلوب من المؤتمر الشعبي العام أن يرد على مطالب المشترك وشركائه التي تضمنتها بياناته السابقة والأخيرة''. والواقع أن النظام السياسي لم يتجاوب بأي شكل يذكر مع مطالب المعارضة، بل على العكس، المعارضة هي التي تجاوبت مع ما وصفت بمبادرة الرئيس في 2/2/2011م أمام مجلسي النواب والشورى، بعد أن أعلن أن لا توريث ولا تأبيد، ودعا لجنة الأربعة المكونة من أحزاب اللقاء المشترك وأحزاب المؤتمر الحاكم إلى إعادة انعقاد جلساتها لمواصلة الحوار، تجاوبت المعارضة بعد نحو عشرة أيام من مبادرته، حيث قبلت رسمياً من حيث المبدأ العودة للحوار عبر لجنة (الأربعة)، ووضعت بعض المطالب لا الاشتراطات كتنحية أقارب الرئيس حتى الدرجة الرابعة من المواقع العليا في السلطة، لكن اللافت استمرار نزول ما يُعرف في المصطلح (المصري) ب(البلطجية) في احتلال ميدان التحرير بصنعاء الذي كانت المعارضة قد حددته لمسيرتها، واستمرارهم في ذلك الاحتلال ثم وهذا هو الأخطر القيام بأعمال الاعتداء المتكرر على المعتصمين من الطرف الآخر ولا سيما من الناشطين السياسيين والحقوقيين وفي مقدّمتهم بعض العناصر النسائية، وقد بلغت حدّ القتل في صنعاء على سبيل المثال ناهيك عن عدن. ثم جاءت سلسلة من لقاءات الرئيس بزعماء قبليين وأعوانهم من محافظة صنعاء ، وما ورد فيها من خطابات مؤزّمة ثم شحن إعلامي فاقم الأزمة أكثر وأكثر. لحد الساعة لا تزال الساحة اليمنية تعيش توازن القوى بين القوى المطالبة بإسقاط النظام وبين مؤيدي الرئيس، في نظركم هل هناك من مؤشرات ترجح أحد الخيارين: خيار إجبار الرئيس على التخلي عن السلطة، أو خيار نجاح الرئيس في الاستمرار في السلطة وإقناع المعارضة بالإصلاحات التي سيقوم بها؟ حتى الآن ليس ثمة ما يلوح في الأفق بجدية من قبل السلطة في القيام بإصلاحات حقيقية بل على العكس كما ذكرت آنفاً ومن الصعب التكهن على وجه الدّقة بأي الخيارين هو الأقرب، بيد أن الأمل لا يزال معقوداً بعد الله تعالى على بروز ولو قليل من (الحكمة اليمانية) لإقناع السلطة بالقيام بإصلاحات حقيقية بضمانات فعلية، لتفادي البركان المدمّر، الذي يتسع نطاق قوته يوما بعد آخر، لاسيما مع ما نشهده من إعلانات متتابعة من التخلي عن الاستمرار في الانتماء إلى عضوية الحزب الحاكم لشخصيات ذات ثقل وتأثير في الجماهير، وآخرهم الشيخ حسين بن عبد الله الأحمر، رئيس مجلس التضامن اليمني، ونجل الشيخ الفقيد عبد الله الأحمر، الذي كان شيخا لمشايخ حاشد، ورئيساً لمجلس النواب، علاوة على كونه رئيساً أعلى لهيئة تجمع الإصلاح. إلى أي حد يمكن للانتفاضة الشعبية التي تعرفها اليمن أن تنجح في إسقاط النظام السياسي؟ من الصعب التكهن بأي الخيارين يمكن أن يؤول إليه الوضع اليمني، التوجه نحو إسقاط النظام، أو قبول النظام السياسي بإجراء إصلاحات سياسية جدرية.. يعرف اليمن جملة من التحديات التي تجعل من العامل الدولي والإقليمي محددا أساسيا في المعادلة السياسية الداخلية، من ذلك تنظيم القاعدة، ودور اليمن الجيوستراتيجي، وما يمكن أن ينجم عن تحور السلطة من آثار على المستوى الإقليمي، في نظركم كيف تقيمون الموقف الدولي وخاصة الأمريكي منه مما يجري في اليمن من حراك شعبي؟ الموقف الدولي لا يعوّل عليه كثيرا، إذ الغربيون والأمريكيون في مقدّمتهم تعرّوا من الأخلاق كثيرا، كمخرج مباشر لتربيتهم البراجماتية المتطرّفة، بل الهوبزية نسبة إلى الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز: أحد رواد نظرية الشر في الإنسان همهم مصالحهم الضيقة، ولو على حساب الشعوب الأخرى وكرامتها. وما حدث في تونس ومصر خير شاهد على صحة هذا التحليل. لذا فمن الخطأ أن يراهن اليمنايون الراشدون في السلطة إن ظل فيهم راشد والمعارضة على الموقف الغربي والأمريكي خصوصاً بل ينبغي أن يكون مجرد رافد مساعد لا عاملاً مؤثراً حقيقياً أو موجها لمسار الأحداث. ذلك هو المفترض أما الواقع فمن المؤسف أن السلطة ترمي بكل ثقلها على العامل (الدولي)، في الوقت الذي تتهم المعارضة بارتمائها في أحضان الخارج، وذلك تناقض فج، كما أن المعارضة للأسف تعوّل بنسبة غير قليلة على العامل الخارجي، وهذا موقف أعتقد أنه يكتنفه قدر من الإشكالات والتحدّيات، ولاسيما لحزب عريق بحجم (التجمع اليمني للإصلاح،) لذلك وكي لا تقع في تناقض مماثل لتناقض السلطة فإن عليها أن تجعل الموقف (الدولي) مجرّد موقف ثانوي مساند لا أصلي فاعل، لأن الغرب الرسمي الاستعماري عدو حضاري لأمتنا، وهذه حقيقة كثيرا ما تغيب عند التعاطي في العمل السياسي الداخلي، وعادة ما ينظر الخارج الرسمي إلى مايجري على الأرض، فيضطر أن يغير استراتيجياته وقناعاته تبعاً لذلك، دون الالفات إلى البيانات والتصريحات النظرية!! وما الدور الذي يمكن أن تلعبه الأحزاب السياسية المعارضة في رسم هذا السيناريو أم أن الانتفاضة الشعبية في اليمن تجاوزت الأحزاب برمتها؟ يصعب القول إن الانتفاضة الشعبية تجاوزت الأحزاب جميعا على نحو ما جرى في الحالتين التونسية والمصرية، فالأمر هنالك جد مختلف، ومع التأكيد على التباين السابق في الموقفين الشعبي المرابط على الأرض والرسمي لأحزاب المعارضة؛ إلا أن المعارضة لم تخف تأييدها ودعمها لحق الشباب وسواهم في التعبير عن مطالبهم ، وقد سخّرت إعلامها المرئي والمقرؤ ومواقعها الإلكترونية تجاه المسيرات والتظاهرات، لكن تريثها عن الانضمام إليهم تراه على ما يبدو من قبيل العمل بالحكمة القائلة (لا تضع البيض كلّه في سلّة واحدة)، لاسيما أن نزولها إلى الشارع رسميا يعني انتهاء فرصة الحوار رسميا، وهذا موقف له من التداعيات ما ينبغي أن يُضرب له ألف حساب. وقد قال الرئيس الأعلى الدوري لأحزاب اللقاء المشترك الدكتور المتوكّل في سياق تصريحاته المشار إلى طرف منها سابقا:'' الشباب طلب من قيادة المشترك واللجنة التحضيرية عدم مشاركتهم حتى لا تسرق منهم الثورة''، لكنه أشار إلى تبنيهم برنامج زيارات ميدانية وصفها با '' الضرورية''. وما الدور الذي تحتله الحركة الإسلامية بجميع أطيافها بما في ذلك الحركة السلفية - في صنع مستقبل اليمن في ضوء هذا الحراك الشعبي؟ الدور الذي تحتله الحركة الإسلامية وعلى وجه الخصوص حركة الإخوان المسلمين التي تعرف في اليمن ب( التجمع اليمني للإصلاح) مع أن الإخوان هم لحمة التجمع وسُداه تمثل الدور الطليعي في كل هذا الحراك، ولولا كونها في هذا الإطار (اللقاء المشترك) ما كان شيء من هذا الزخم الذي ينسب إلى المعارضة. أما غيرهم فغير ممكن إطلاق حكم عام فيه ، إذ لم تعلن الأطر الأخرى أي موقف رسمي لها، لكن بعض المواقف الفردية لبعض رموز السفلية الجديدة الممثلة بجمعيتي (الإحسان الخيرية) و(الحكمة اليمانية الخيرية) تشير إلى تفاعل إيجابي مع مسار التغيير ، وإن بدا ذلك بأقدار متفاوتة، في حين أن السلفية التقليدية رغم تشرذمها وازدياد الانقسامات في صفوفها كل يوم تلك التي أطلق عليها المفكر السلفي المعروف ( محمّد سرور بن نايف زين العابدين) وهو الذي تنسب إليه السلفية الجديدة عموما (السرورية) ب(حزب الولاة) أي ذوي الولاء المطلق للسلطات الرسمية لايتردّدون في التصريح بأنهم مع اتجاه الحاكم أيّاً كان وضعه، بوصفه ولي الأمر الذي لاتجوز منازعته بأي معنى، ومن ذلك التعبير عن أي مطلب في صورة تجمهر أو مسيرات واعتصامات ونحوها، وقد أخبرني أحد هؤلاء البارحة تحديداً أن السلطة ستطبع له على نفقتها خ ومعه بعض مشايخه- رسالة تحرّم المسيرات والتظاهرات يبلغ عدد نسخها 300 ألف نسخة!!!