اعتبر عباس بوغالم، أستاذ العلوم السياسية، أن الثورات الشعبية التي تشهدها المنطقة العربية لم تطح بالأنظمة التسلطية في مصر وتونس فقط، بل أطاحت بنظام الحزب الوحيد فيها. وأكد أن المغرب الذي ظل يفتخر بإقراره التعددية الحزبية منذ فجر الاستقلال نقضها بشكل جذري منذ تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة، وأرجع تعالي أصوات لقيادات حزبية وجمعوية تطالب بحله إلى ''وضعية الشريك المفضل'' لدى الدولة. فيما يلي نص الحوار: بعد انهيار الحزبين الحاكمين في تونس ومصر، هل ترى أن زمن أحزاب الدولة في الوطن العربي قد ولّى بدون رجعة؟ أولا من الواجب تهنئة الشعبين المصري والتونسي على ثورتهما، وأسأل الله أن يكلل ثورة الشعب الليبي بالنجاح ويعجل ببزوغ فجر الحرية في هذا البلد الشقيق أيضا. وجوابا على السؤال أقول إن ما شهدته تونس ومصر لم يشكل انهيارا للحزبين الحاكمين فيهما، بل انهيارا لنظامين تسلطيين هما الأعتى قمعا في العالم العربي، ولعل القاسم المشترك بينهما هو هيمنة الحزب الحاكم ولعقود من الزمن على الحياة السياسية، باحتكار السلطة في مقابل غلق المجال السياسي أمام أية معارضة أو تعددية حزبية وسياسية حقيقية. ولذا كان نظام بن علي في تونس ونظام مبارك في مصر كل منهما يوصف بأنه يشكل نموذجا ل''لأنظمة السلطوية المغلقة'' في وجه أية مشاركة وممارسة سياسية ولو شبه ديمقراطية، حيث ينعدم وجود أي هامش للانفتاح السياسي الذي من شأنه استيعاب باقي التيارات والتوجهات السياسية. لذلك فلا غرو في القول أن حزب الدولة أو الحزب الوحيد المهيمن في العالم العربي كان عاملا أساسيا في تأجيج الثورات في العالم العربي، في تونس ومصر و في اليمن، وفي باقي البلدان العربية. ومشكلة الحزب المهيمن أو حزب الدولة الحاكم في البلدان العربية أنه سرعان ما يتحول إلى وسيلة في يد الدولة، تتقوى به إزاء باقي التشكيلات الاجتماعية والتيارات السياسية. الحزب الوحيد أو المهيمن المفروض فيه عمليا أن يكون هو الحزب الحاكم والمسير الفعلي، لكن في حقيقة الأمر سرعان ما يصبح هذا الحزب مجرد واجهة لجهاز حكم بوليسي وأداة قمع فعالة. لذلك يمكن القول إن وجود حزب الدولة المهيمن من عدمه يعد متغيرا أساسيا في فهم ما يجري من حولنا والتنبؤ بمآلات ما يموج في العالم العربي، فالأنظمة التي تريد ضمان حد أدنى من استمراريتها لا شك أنها مطالبة بإعادة النظر في طبيعة العلاقة الموجودة بين الدولة والأحزاب السياسية. وبالتالي ضرورة إقرار تعددية حقيقية تضمن المساواة بين كافة التوجهات السياسية والحزبية، وهذا لن يتم إلا بالقطع مع عقلية وثقافة الحزب الوحيد المهيمن. والواقع أن أغلب البلدان العربية لا زالت تعاني من هيمنة ثقافة الحزب الوحيد على مستوى الممارسة، على الرغم من أن بعضها يقر بمبدأ التعددية الحزبية على مستوى الشكل، الأمر الذي يقتضي ضرورة تفكيك الأسس الفكرية التي تستند إليها هده النخب السياسية الحاكمة، باعتباره عائقا ثقافيا في وجه أي تحول ديمقراطي. في المغرب، طالما وقفت الدولة وراء إيجاد أحزاب تُنعت بأنها أحزاب القصر، هل ترى أن المغرب كان بحاجة إلى مثل هذا الأحزاب؟ الجواب عن هدا السؤال يقتضي ابتداء التذكير ببواعث اعتماد التعددية الحزبية في مغرب الاستقلال، ذلك أن المغرب كان من دول العالم الثالث القليلة التي أخذت بنظام التعددية الحزبية. وما ينبغي التأكيد عليه في هدا السياق أن الأخذ بهده التعددية لم يكن تتويجا لمسار تاريخي وسياسي واجتماعي، بقدر ما كان بسبب استحالة إقامة نظام يقوم على أساس الحزب الوحيد، ودلك انسجاما مع الطابع الملكي لنظام الحكم، وبالتالي فالحاجة إلى إقرار التعددية الحزبية أملته الحاجة والضرورة لتجسيد منزلة الملك كحكم داخل المنتظم السياسي المغربي... وقد شكلت مسألة إقرار التعددية الحزبية إحدى الركائز الأساسية التي اعتمدت عليها الملكية لضبط التوازنات السياسية، وبالتالي التحكم والهيمنة على الحقل السياسي المغربي. لدلك يمكن القول أن التعددية الحزبية بالمغرب استحالت إلى مجرد أداة في يد السلطة لضبط مختلف التيارات والتوجهات السياسية والحد من تأثيراتها وطموحاتها، وهدا ما يفسر وقوف الدولة وراء خلق وتشكيل أحزاب، درج الاصطلاح عليها بالأحزاب الإدارية، الهدف من وراءها إيجاد قوى سياسية بديلة ومضادة للأحزاب المنبثقة عن الحركة الوطنية المعارضة، وموالية لتوجهات الحكم، فعلى هذا الأساس تم تأسيس حزب جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية سنة ,1963 وحزب التجمع الوطني للمستقلين أو الأحرار سنة ,1977 وحزب الاتحاد الدستوري سنة .1983 أما بخصوص حاجة المغرب إلى مثل هده الأحزاب كما جاء في سؤالكم، فينبغي التمييز في هذا الإطار بين مرحلة الملك الراحل الحسن الثاني والمرحلة الحالية. في المرحلة الأولى لا شك أن الهدف من تشكيل أحزاب سياسية إدارية تسير في فلك السلطة أملته الظروف السياسية التي عرفتها مرحلة بداية الاستقلال والمتسمة بتباين الاستراتيجيات والصراع من اجل السلطة بين الملك والأحزاب المنبثقة عن الحركة الوطنية. ولئن كان الهدف من خلق هذه الأحزاب الإدارية هو تحجيم دور وتأثير الأحزاب السياسية المعارضة في الحياة العامة للبلاد عموما، فغالبا ما كان يتم تبرير ذلك بفكرة ملء الفراغ السياسي، وبفكرة الحلول محل الأحزاب السياسية القائمة التي كانت تتهم بانعدام الفعالية. وبالتالي فضمان استقرار واستمرارية الحكم عبر التحكم السلطوي في مختلف دواليب الحكم في إطار من الشرعية الدستورية الشكلية هو التصور الذي كانت تنتظم من داخله الحجج والتبريرات الكامنة وراء خلق أحزاب إدارية موالية للسلطة في عهد الملك الراحل الحسن الثاني. وإذا كان الأمر كذلك خلال مرحلة حكم الملك الحسن الثاني، فان التساؤل ما زال قائما حول حاجة المغرب لمثل هده الأحزاب في ظل المرحلة الحالية؟ وهل المغرب في حاجة إلى استنساخ هده الممارسة أصلا؟ يبدو أن ظهور حزب الأصالة والمعاصرة المقرب من الدولة على الساحة السياسية المغربية وتمتعه بوضعية ''الشريك المفضل'' سيظل معه هدا التساؤل قائما. بناء على الحالتين التونسية والمصرية، ما هي توقعاتك بخصوص مستقبل الأصالة والمعاصرة؟ في الواقع إن التعددية الحزبية التي يفتخر المغرب بإقرارها مند الاستقلال قد تم نقضها بشكل جذري من خلال سيناريو إخراج حزب الأصالة والمعاصرة. لذلك أعتقد أن تشكيل هذا الحزب بالكيفية التي تمت بها، يدل على أن النخب والسلطة السياسية الحاكمة لازالت تستبطن تصورا وتمثلا للسلطة السياسية موغلا في التقليدانية التي تمتح من معين ثقافة التحكم والهيمنة القائمة على أساس الأحادية الفكرية. ولا شك أن الحتمية التاريخية واللحظة السياسية التي تعيشها البلدان العربية تؤكد أن عصر حزب الدولة الحاكم قد ولى وأن عقلية وثقافة حزب الدولة المهيمن آيلة إلى الزوال. منذ بداية الأحداث التي تشهدها الدول العربية، ارتفعت أصوات تطالب بحلّ هذا الحزب، ما رأيك وكيف تبرره؟ المبدأ هو الحق في حرية تأسيس الأحزاب السياسية على أساس قواعد التكافؤ بين مختلف الفاعلين السياسيين، لكن يبدو أن ملابسات وسياق تشكيل هذا الحزب واستفادته من ''وضعية الشريك المفضل'' تخل ولا شك بقواعد المساواة بين الأحزاب، ولعل هذا ما يفسر تزايد حدة الأصوات المطالبة بحله.