لغاية اليوم ثمة ممانعة مغربية إزاء التفاعل الإيجابي والاستباقي لدروس حدثين حملا آثارا كبيرة على مستقبل المنطقة والسياسات الدولية الموجهة إليها، الأول تمثل في الإعلان عن نتائج استفتاء السودان وترسيم تقسيمه كنتيجة لضغط أمريكي واضح، فرض احترام أجندة الاستفتاء وتجاوز كل العقبات التي أثيرت، والثاني ظهر في الموقف الدولي من انتفاضة الشعب المصري، والذي تحول معه الموقف الإسرائيلي إلى موقف ثانوي غير مؤثر في جعل الموقف الدولي داعما لنظام مبارك ضد إرادة الشعب المصري، وفي المقابل استعادة الشعوب لقوتها في حسم شرعية الأنظمة. ثمة دروس أخرى لكلا الحدثين، لكن نكتفي اليوم في هذه المقالة بالتوقف عند هذين الدرسين، واللذين تعززهما تطورات الوضع اللبناني، بفعل انقلاب المعادلة السياسية لمصلحة توجه يقوده حزب الله بعد أن كان قبل خمس سنوات مرفوضا ومحاصرا وموضوع مشروع تصفية استئصالية تقوده الإدارة الأمريكية، لكن تحولت رهانات مجموع مكونات الساحة اللبنانية باستثناء تيار المستقبل من الرهان على الخارج إلى الرهان على الداخل. تجتمع هذه الدروس عند نقطة مفصلية، هي أن الرهان الحقيقي هو على الداخل ممثلا في الشعوب وليس على الخارج متجسدا في الغرب، وأن ذلك يمر حتما عبر الديموقراطية، التي أعلن المغرب الدخول إليها راغبا لا مكرها، ولا نريد له أن يتقدم فيها مرغما. إن ما يقع يكشف عن تحولات عميقة، تؤشر لانطلاق مرحلة جديدة سيكون ثمن الاستمرار في الاشتغال بالأدوات القديمة في التعاطي معها، هو الاندثار والتفكك والانزواء إلى الهامش، باعتبارها المخاطر التي قاومت الدولة المغربية منذ نشأتها قبل حوالي 12 قرنا الوقوع فيها. والمراهنة على ممانعة الاستبداد العربي وسعيه للتكيف مع هذه التحولات الجارية في تونس ومصر هي مراهنة خاسرة تشبه المراهنة على ممانعة الاستعمار إزاء المقاومة الشعبية في الخروج قبل أن يترك المنطقة مطرودا، هذا بالرغم من الاختلافات الكبيرة بين الأمرين. رسالة اليوم هي أن الجيل الحالي هو جيل الديموقراطية مثلما هو جيل الاستقلال قبل حوالي خمسين سنة، وقدر هذا الجيل في العالم العربي أن يخوض معركة الديموقراطية مثل ما خاض جيل الخمسينيات معركة الاستقلال، ودرس الشباب المصري واضح في استعداد هذا الجيل للتضحية والاستماتة، وذلك بشكل فرض على القيادات والقوى السياسية والاجتماعية القائمة أحد خيارين، إما تحمل المسؤولية في قيادة هذا الجيل أو التراجع إلى الخلف. نعم ثمة عناصر اختلاف بين الدول العربية، إلا عناصر الاختلاف هاته غير مقنعة لتجاهل ما يقع أو رفض العمل على استباقه، لأن حركة الانتقال الديموقراطي في حالة مد وليس جزر، وستطال آثارها الجميع، وما سيحدد حجم هذه الآثار هو قدرة الأنظمة على استباق هذا المد، وامتلاك الجرأة على اعتماد السياسات اللازمة لانفتاح سياسي وديموقراطي حقيقي، وهو الأمر الذي نعتقد أن أوان القيام به في المغرب لم يفت.