في تونس، الجيل نفسه الذي نشا في حضن الدكتاتور هو الذي سينتفض، وسيقف في وجه جلاديه، ومن سرقوا عرق جبينه و ثرواته وجعلوها دولة بين عائلة الرئيس و أصهاره. سيواجه هذا الجيل الرصاص الحي بصدور عارية، وسيسقط في يد الرئيس والمراقب الغربي الذي سيتأخر في التنديد بالمجزرة، دشن الجنرال بنعلي حكمه في تونس أواخر الثمانينات بتقديم الإسلاميين قربانا على أعتاب سادته الغربيين، الذين مازالوا يعانون من عقدة الحروب الصليبية، فأغدقوا عليه القروض وشجعوا المستثمرين، وسوّقوا ''للمعجزة التونسية''، التي جعلت الإقلاع الاقتصادي غير مرتبط بالحريات السياسية و المدنية، بل وغير مرتبط بتعزيز الهوية. عملت الآلة الإعلامية الغربية على تسويق هذه الصورة الكاذبة عن تونس الجريحة، تونس التي كانت بمثابة سجن كبير، ومقبرة للشرفاء، كان الجلاد في سجون الطاغية بنعلي يتفنن في تعذيب المعتقلين بمجرد الشبهة: يغتصب الرجال و النساء أمام أزواجهم و ذويهم، بل و يسلط الكلاب المدربة على الاغتصاب على المعتقلين، يحصي أنفاس المصلين المترددين على المساجد، يحظر الحجاب في الجامعات و أماكن العمل، ثمّ ما يلبث أن يوجه سهامه إلى الإسلام نفسه! فوّض لمثقفين يساريين تحديث الإسلام، فعاثوا فسادا في المقررات الدينية، فنشأ جيل مقطوع عن هويته أو هكذا ظنّ المراقبون، وسوّق لمشروع تحرير المرأة، فصفق له الغرب بقوة، ثمّ شرع سماسرة المشروع الحداثي الاستئصالي يتجوّلون في الدوّل المجاورة من أجل إقناعها باعتماده، فهؤلاء العرب و الأمازيغ لا شأن لهم بالحريات و حقوق الإنسان، هذه للإنسان الغربي و حسب! في هذا السياق علينا أن نقرأ حركة الاستئصاليين في المغرب الذين خ بعد فشلهم في الإقناع بحلّ حزب العدالة و التنمية بعد أحداث 16 ماي خ شرعوا يطاردونه من المواقع التي دفعه إليها الناخب، ولعل مهزلة اعتقال عضو الأمانة العامة للحزب المستشار ''جامع المعتصم''، تمثل قمّة الخسّة والانحدار السياسي الذي يبشر به الحزب الأغلبي. في تونس، الجيل نفسه الذي نشا في حضن الدكتاتور هو الذي سينتفض، وسيقف في وجه جلاديه، ومن سرقوا عرق جبينه و ثرواته وجعلوها دولة بين عائلة الرئيس و أصهاره. سيواجه هذا الجيل الرصاص الحي بصدور عارية، وسيسقط في يد الرئيس والمراقب الغربي الذي سيتأخر في التنديد بالمجزرة، وسيضرب إعلاميا بسور من حديد على الأحداث المتسارعة، فهو يثق في تلميذه ''النجيب'' الذي ربما يستعيد المبادرة، إذ سقوطه يعني سقوط مشروع ضخم يراد من خلاله التخلّص من قوى الممانعة في وجه التطبيع مع العدو الصهيوني، و على رأسها الحركة الإسلامية. يومين فقط قبل سقوط الطاغية، تصرّح ''أنياس لوفالو'' مسؤولة العلاقات الفرنسية العربية قناة ''الجزيرة'' حين أحرجها المذيع بسؤال عن سبب تأخر فرنسا عن استنكار المذبحة التي اقترفها النظام البوليسي بحق الشعب التونسي، بينما نددت بموقف ''باغبو'' منذ أول يوم لإعلان الانتخابات في ساحل العاج، بقولها: ''إن النظام التونسي حليف لفرنسا لأنه قضى على الأصولية واستأصل الحركة الإسلامية''!! لكن فرنسا رفضت استضافة حليفها في الحرب على الأصولية، بعد فراره من المعركة! ولسان حالها يحكي ما قرّره القرآن عن موقف الشيطان من حلفائه بعد توريطهم في معارك لا قبل لهم بها :( وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم، فلما ترآءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم، إني أرى ما لا ترون، إني أخاف الله، والله شديد العقاب) . ذهب الطاغية بنعلي غير مأسوف عليه، وسيلحق به كل استئصالي، وكما قال شيخ الإسلام :''الإسلام مع خصومه كالصخرة مع الإبريق: إذا سقط الإبريق على الصخرة فويل للإبريق، وإذا سقطت الصخرة على الإبريق فويل للإبريق''!!