شكك الكاتب البريطاني الشهير ''روبرت فيسك'' في إمكانية تحقيق الديمقراطية بالعالم العربي في الوقت الراهن، ما دام الغرب متمسكًا بدعم الأنظمة المستبدة؛ للحفاظ على السلام مع الكيان الصهيوني، ومنع الإسلاميين من الوصول إلى الحكم. وقال روبرت فيسك إن الانتفاضة التونسية، ربما تجلب سفكاً للدماء والدموع، لكنها لن تجلب الديمقراطية، مضيفاً أنها لا تنذر بما سماه ''فجر الديمقراطية''، وليست مؤشراً على بداية النهاية للحكام المستبدين في المنطقة، مؤكداً أن أي مستبد يعرف أنه سيكون بخطر إذا فكّ القيد عن مواطنيه. وأكد فيسك في مقال له بصحيفة (الإندبندنت) البريطانية في عدد أول أمس بعنوان: ''الحقيقة القاسية حول تونس''، أن الغرب ظلَّ يدعم الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي إلى أن أطاح به الشعب، وستبحث الولاياتالمتحدة وحلفاؤها عن ديكتاتور جديدٍ ليّن في تونس ليحكم البلاد بعد بن علي. وأضاف أن سفك الدماء سيستمر في العالم العربي، وستستمر معه السجون السرية وبطش الشرطة، وستعمل الأنظمة المستبدة على خفض أسعار المواد الغذائية لتهدئة شعوبهم. وأشار إلى أن ما حدث بتونس هزَّ الأنظمة المستبدة التي دأبت على تزوير الانتخابات وتهريب الأموال إلى سويسرا، مضيفًا أن الغرب ليس من مصلحته دعم الديمقراطية في العالم العربي إلا إذا كانت تصب في مصلحته، كما حدث عندما رفضت الولاياتالمتحدة الوقوف في وجه الجيش الجزائري الذي ألغى الانتخابات التي كادت أن تصل بالإسلاميين إلى الحكم قبل عشرين عامًا. وأضاف أن الغرب سيستمر في دعم الحكام المستبدين وتسليحهم، وحثّهم على السلام مع الكيان الصهيوني، ودفعهم إلى فرض عقوبات على إيران، مشددا على أن الغرب دائماً ما يمدح الحكام المستبدين لكونهم أصدقاء لأوروبا المتحضرة، ولإحكام قبضتهم على الإسلاميين. وتابع فيسك أن حكومة الوحدة الوطنية التي سيتم تشكيلها من قبل محمد الغنوشي، الذي كان خادماً لبن علي لمدة تقترب من 20 عاماً، ستضمن مصالح الغرب بدلاً من مصالح شعبه. وذكر فيسك أن الغرب يريد ديمقراطية في تونس، ولكن ليس الكثير من الديمقراطية، في إشارة إلى ما حدث في الجزائر التي أراد لها الغرب الديمقراطية في أوائل تسعينيات القرن الماضي، لكن عندما اتضح أن الإسلاميين قد يفوزون في الجولة الثانية من الانتخابات، سارع الغرب إلى دعم الحكومة التي يساندها الجيش، والتي أشعلت حرباً أهلية حصدت أرواح حوالي 150 ألف شخص، كما ورفض نتائج الانتخابات الفلسطينية التي أتت بحركة حماس إلى الحكم في فلسطين، واعترض كذلك على اتفاق الدوحة الذي جعل حزب الله بالحكومة اللبنانية. وأكد فيسك أن الغرب يريد تطبيق القانون والنظام والاستقرار في العالم العربي، حتى في مصر التي يحكمها نظام فاسد وتالف، سيحصل الغرب على ما يريده فيها. ولفت الكاتب البريطاني إلى أن المنطقة العربية ''مختلة وظيفياً''، ومتصلبة، وفاسدة، مضيفاً أنها عاجزة تماماً عن تحقيق أي تقدم اجتماعي أو سياسي، مؤكداً أن فرص تحقيق الديمقراطيات الناشئة من الفوضى في منطقة الشرق الأوسط، معدومة. وأوضح فيسك أن دور الحكام العرب، من وجهة نظر الغرب، هو ''إدارة شعوبهم، والسيطرة عليهم، وزرع الحب تجاه الغرب، وكراهية إيران''. وأشار فيسك إلى أن العالم الإسلامي، في فوضى مؤسفة، في إشارة إلى أن مصر خرجت للتو من انتخابات برلمانية وصفها ب''الوهمية''، وبالنسبة للبنان العجوز المسكين لم يعد لديه حكومة، مضيفاً أن جنوب السودان قد يكون شمعة صغيرة مضيئة، في حال إذا تم الاستفتاء بنزاهة، مؤكداً أنه لا يجب المراهنة على ذلك. واستطرد الكاتب البريطاني قائلاً، إن الغرب يريد انتخابات نزيهة، ولكنه يجعل العرب يصوتون لمن يريده، أي الغرب. ولفت فيسك إلى تخفيض مصر، والأردن، والجزائر، لأسعار بعض السلع الأساسية بعد الأزمة التونسية الأخيرة، متسائلاً عن سبب ارتفاع هذه السلع في المقام الأول. وأكد فيسك أن وحشية الشرطة وغرف التعذيب ستستمر في دول المنطقة العربية، مضيفاُ أن الغرب سيستمر أيضاً في المحافظة على علاقاته الجيدة مع الحكام المستبدين في المنطقة، وسيستمر في طلبه منهم السلام مع إسرائيل. وختم فيسك مقاله قائلاً إنه إذا كان زين العابدين بن علي فرّ خارج تونس، فإن الغرب سيبحث الآن عن ديكتاتور أكثر مرونة ليحل محله، وسيستمر الجيش التونسي في إطلاق النار حتى يستعيد الاستقرار.