بعد أسبوع واحد من الاعتداء الهمجي على مراسل صحيفة الصباح بمراكش، إذ تلقى المسكين ضربة رأسية غادرة من مخرج مهرجان الفنون الشعبية، تعرض الزميل محمد أفزاز، صحافي بيومية التجديد، يوم الخميس الماضي هو الآخر إلى العنف والسب والتهديد والاستفزاز، وكان الفاعل هنا مستشارا من فريق الاتحاد الاشتراكي ببلدية تمارة، وكانت المناسبة انعقاد دورة المجلس البلدي لهذه المدينة، ومسرح الاعتداء أمام المستشارين والسلطات المحلية، والسبب محاولة التقاط صورة لجانب الحضور... حيث قام المستشار المذكور بنزع آلة التصوير من الصحافي وقال له بالحرف :سير راني نخلي دار مك، وهدده قائلا: غادي نخرج عليك ونصفيك من الوجود إذا هو تحدث عن الموضوع في الصحافة... هذه هي الحكاية التي لم يسمع عنها أغلب المغاربة، ولم نقرأها بالعناوين الكبرى على الصفحات الأولى للجرائد الوطنية، كما لم يتلق الزميل الدعم الكافي الذي يستحقه من المنابر الإعلامية والزملاء والنقابات الصحفية، ولم تتقاطر عليه بيانات الاستنكار والمساندة، وبقي هاتفه المحمول محتفظا بمعدله العادي في استقبال المكالمات الهاتفية، ولم تنظم الجمعيات الحقوقية وقفات احتجاجية ضد المعتدي وأخرى تضامنية أمام منزل الصحفي الذي هدد بالتصفية من الوجود إن هو تحدث في المنابر الإعلامية عن الاعتداء الذي لحقه. ولم نشاهد ممثلي هيئات المجتمع المدني وهم يوقدون الشموع على روح الشهيد الحي محمد أفزاز، ولم تتنافس بعثات التلفزتين المغربيتين على الانفراد بأخذ تصريح من أحد ضحايا التهديدات الإرهابية...! بل كان حظ الزميل مربع صغير من 139 كلمة على الصفحة الثانية من المنبر الذي يعمل به، وانتهت الحكاية... وفي أقل من ثانية تخيلت صورة مقلوبة للمشهد ذاته، وقلت في نفسي: ماذا كان سيحدث لو كان المعتدي أحد الملتحين أو من المحسوبين من قريب أو بعيد على حزب العدالة والتنمية، وكان المعتدى عليه يمثل إحدى الصحف الوطنية؟ وسيزداد المشهد بهاء لو علمنا أن ما أثار انتباه الزميل أفزاز هو دخول أحد المستشارين المعارضين بلباس عسكري..! أما إذا أضفنا أن الفريق المعارض كان جاهزا لنسف الدورة اكتملت لدينا الصورة.... ونحن نعيش هذه الأجواء التي تحاول إحدى الصحف جاهدة تذكيرنا فيها بأحداث 16 ماي، أكيد أن اسم المعتدي وصوره كانت ستغزو الصحف التقدمية والحداثية، والقنوات التلفزية، كما لن تخلو الصفحات الأولى للجرائد اليومية والأسبوعية من الافتتاحيات والتعليقات والعناوين المثيرة للملفات والتحاليل المؤدية جميعها إلى تأكيد علاقة حزب المعتدي بالإرهاب المتأصل في خطابه وسلوكه، أما اللباس العسكري مع اللحية، ولو كانت مشذبة، فهو الدليل القاطع على أن الحزب قد عقد العزم على إرهاب الشعب وممثليه، بعد عودته من التدريبات على الحدود الأفغانية الباكستانية، وهو ما كان سيعتبر تطورا خطيرا في مهاجمة حرية الرأي بالمغرب، وإعلانا للحرب على الحداثة والديموقراطية وحقوق الإنسان، وأكيد أن عبارة نخلي دار بوك ..ونهرس لمك وجهك التي شنفت أسماع الحاضرين كان صداها سيتردد في الأرجاء، وكانت ستجد مكانها في المانشيتات العريضة لالصحف الكبرى حتى يتأكد من في قلبه ذرة من ريب أن ليس في القنافذ أملس... أكيد أن كلا من نبيل الخافقي ومحمد أفزاز لن يتراجعا قيد أنملة عن ملاحقة الحقيقة وتقديمها للرأي العام، الذي ينتظرها من أمثال هؤلاء الذين لن يزيدهم الاعتداء أو التهديد إلا مصداقية وإصرارا على المضي قدما، وتشبثا بخدمة صاحبة الجلالة رغم كل المصاعب والمتاعب، التي أصبحت قطعة لذيذة من حياة الصحافي الأصيل. إسماعيل العلوي