رأينا في الحلقة السابقة بخصوص المسح على الخفين انتصار ابن العربي من المالكية لتحديد توقيت المسح للمسافر ثلاثة أيام بلياليهن وللمقيم يوم وليلة، ونرى في هذه الحصة صفة المسح ونواقضه، يقول أبو زيد القيرواني في رسالته :وصفة المسح أن يجعل يده اليمنى من فوق الخف من طرف الأصابع، ويده اليسرى من تحت ذلك، ثم يذهب بيديه إلى حد الكعبين، وكذلك يفعل باليسرى، ويجعل يده اليسرى من فوقها واليمنى من أسفلها. ولا يمسح على طين في أسفل خفه أو روث دابة حتى يزيله بمسح أو غسل. فقال المالكية إن الواجب من ذلك مسح أعلى الخف واعتبروا مسح أسفله مستحبا، فنجد مالك في موطئه وكأنه أعمل الروايتين معا، فقد روى مالك عن هشام بن عروة أنه رأى أباه يمسح على الخفين قال وكان لا يزيد إذا مسح على الخفين على أن يمسح ظهورهما ولا يمسح بطونهما، وجاء الاكتفاء بمسح ظاهر الخفين مرفوعا إلى رسول الله عليه وسلم، فقد روى أبو داود بسنده وصححه الألباني عن علي رضي الله عنه قال: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه ومن النقاد من ضعف عبارة لو كان الدين بالرأي وصحح الباقي. ومن جهة أخرى سأل مالك كما في الموطأ ابن شهاب الزهري عن المسح على الخفين كيف هو؟ فأدخل ابن شهاب إحدى يديه تحت الخف والأخرى فوقه ثم أمرهما ولم أجد في الحديث المرفوع ما يؤيد ما ذهب إليه الزهري إلا حديثا رواه الترمذي وضعفه الألباني عن المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخف وأسفله وقال الترمذي: وهذا قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء وبه يقول مالك والشافعي وإسحق وهذا حديث معلول لم يسنده عن ثور بن يزيد غير الوليد بن مسلم قال أبو عيسى وسألت أبا زرعة ومحمد بن إسمعيل عن هذا الحديث فقالا ليس بصحيح لأن ابن المبارك روى هذا عن ثور عن رجاء بن حيوة قال حدثت عن كاتب المغيرة مرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر فيه المغيرة فالظاهر أن حديث علي أرجح من حديث المغيرة، وآثر مالك الجمع بينهما فجعل ما في الأول واجبا لقوته، وما في الثاني مستحبا لضعفه على الأقل من طريق الرواية، وقال ابن رشد في البداية عندما قارن بين المذاهب في المسألة والأسد في هذه المسألة هو مالك معتبرا جمع الأحاديث عوض الترجيح بينها طريقة حسنة. وأما عن نواقض هذه الطهارة فيأتي في مقدمتها كل ما ينقض الوضوء، فكل ما ينقض الوضوء ينقض المسح على الخفّين ، لأنّ المسح بدل عن بعض الوضوء، فيعيد المسح عند تجديده وضوءه، روى الترمذي وغيره بسنده وصححه الألباني عن صفوان بن عسال قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم أي لا تنزع مع النواقض المذكورة وإنما يمسح عليها، إلا أن تكون جنابة فيجب غسل الرجلين مع عموم الأعضاء. وفي هذا المعنى روى مالك في موطئه أن عبد الله بن عمر قدم الكوفة على سعد بن أبي وقاص وهو أميرها، فرآه عبد الله بن عمر يمسح على الخفين فأنكر ذلك عليه. فقال له سعد: سل أباك إذا قدمت عليه؟ فقدم عبد الله فنسي أن يسأل عمر عن ذلك حتى قدم سعد. فقال: أسألت أباك؟ فقال: لا. فسأله عبد الله فقال عمر: إذا أدخلت رجليك في الخفين وهما طاهرتان فامسح عليهما قال عبد الله وإن جاء أحدنا من الغائط فقال عمر نعم وإن جاء أحدكم من الغائط.