كيف تقيمون التحرك المغربي الرسمي لمعالجة ملف المغاربة المطرودين من الجزائر؟ لا يوجد أي تحرك فعلي، وإنما بعض الأسئلة التي يطرحها النواب البرلمانيون على وزير الخارجية، والتي تتم الإجابة عنها أحيانا بعد مرور أكثر من شهرين على المناسبة التي تم طرح السؤال بشأنها وفي أغلب الأحيان يقدم الجواب بطريقة خشبية، يعني بشكل (لقد كنا سنجتمع، ولكن لم يتحقق ذلك...)، أما من ناحية طرح الملف على المستوى الرسمي مع الجزائر أو في المنتظم الدولي فلم تقم الحكومة المغربية وطيلة خمسة وثلاثين سنة بأي تحرك في هذا الشأن. باختصار أقول أن قضية المغاربة المطرودين من الجزائر ما زالت غير واردة في أجندة الحكومة المغربية. تم خلال الشهور الأخيرة صدور قرار جزائري ضمن قانون المالية لهذه السنة يسمح بمصادرة وضم أملاك المغاربة المطرودين لخزينة الدولة الجزائرية بادعاء أن أصحابها تخلوا عنها، كيف تقيمون رد الفعل الرسمي المغربي على هذه الخطوة؟ نحن في جمعية المغاربة ضحايا الطرد التعسفي بالجزائر نقوم بحكم اشتغالنا على هذا الملف بمتابعة كل ما يصدر في الصحف الجزائرية، وبتاريخ 22 أبريل من السنة الجارية، وجدت خبرا في جريدة الشروق الجزائرية يقول بأن الجزائر تصادر ممتلكات الأقدام السوداء، وعندما قرأت المقال كاملا، وجدت أن المقصود هم المغاربة، حيث قامت الحكومة الجزائرية بموجب الفصل 42 من قانون المالية الجزائري لهذه السنة، بأمر المحافظة العقارية بالتشطيب على أسماء ملاك الأراضي المتخلى عنها، والمقصود بذلك أراضي المغاربة، أما أراضي الأقدام السوداء فقامت الدولة الجزائرية بمصادرتها في الستينات وتولت إدارتها بواسطة هيئة سميت آنذاك ببيانفاكان،ولكن أراضي المغاربة كانت ما تزال مسجلة في ذلك الوقت باسمهم لأن الطرد لم يكن قانونيا. المهم أنني عندما قرأت الخبر، قمت بإرسال رسالة لوزير الخارجية المغربي، أناشده فيها بحرارة للتدخل لدى الجزائر أولا ثم لدى المنتظم الدولي ثانيا، وقمت كذلك بإصدار تصريح في الإذاعة الوطنية لتجديد المناشدة لوزارة الخارجية المغربية للتدخل، مؤكدا أننا نشهد عليها الشعب المغربي إن لم تفعل، لأن القضية ليست مجرد مسألة ظرفية أو تحركات وكلام سياسي أو لعب تحت الطاولة ولكنها قضية مرتبطة بحقوق وكرامة وشرف المغاربة. وللأسف لم يعر وزير الخارجية أي انتباه لرسالتنا التي وجهناها له، وفي اليوم الموالي قمنا بمراسلة الوزير الأول، عباس الفاسي، نطالبه فيها كذلك بالتدخل، لكن دون جدوى. قامت الجزائر مؤخرا بتبني قضية المرحلين الجزائريين من المغرب بشكل رسمي، فهل سجلتم أي تحرك مماثل على الجانب المغربي لتبني القضية رسميا وبوضوح؟ دعيني أقول لك أن الجزائر ومنذ ستة أشهر كانت تقوم عبر الدرك الجزائري بالبحث عن أي وثيقة يمكن أن تثبت أن أحد الجزائريين كانت له أملاك في المغرب، ولو كانت أملاكا قديمة قاموا ببيعها ثم العودة للجزائر. وكانت الدولة الجزائرية تقوم بهذا البحث من أجل طرح هذه الوثائق كورقة في مقابل الورقة المغربية لطرح قضية أملاك المغاربة المطرودين من الجزائر. فالجزائر تحاول طرح هذه الورقة في إطار المزايدة، إذ كما يقال في مجال كرة القدم بأن الفريق الذي لا يسجل سيتلقى الأهداف، ولهذا قامت وزارة الخارجية الجزائرية بالإدعاء في هذه القضية، فللنظام الجزائري قضية دون أن يتوفر على ضحايا، فهم لم يستطيعوا تقديم ولو شخص واحد أمام الإعلام والتلفزة الجزائرية على اعتبار أنه ضحية يملك أرضا أو ملكية محددة في المغرب. إذن فالنظام الجزائري أراد من خلال هذه الورقة أن يقوم بإلهاء الحكومة المغربية وبالتحديد وزارة الخارجية المغربية، ليسجلوا نقاطا تحقق لهم التعادل في هذا الملف، وهو الأمر الذي نرفضه من حيث هذه الصيغة. وأقول أنه كان على الحكومة المغربية أن تتدخل في هذا الملف المتعلق بالأملاك باعتبار أنها حكومة مواطنين ، فإن كانت علينا واجبات كمواطنين، يجب بالمقابل أن تكون لدينا حقوق لدى حكومتنا، فبصراحة أقول وعلى مسؤوليتي بأن وزارة الخارجية لم تفعل شيئا في هذا الملف. أشرت إلى ضرورة إثارة الملف بشكل عام أمام المنتظم الدولي، كيف كان التفاعل الرسمي مع تحرككم وهل تم تقديم أي دعم محدد لكم في هذا الإتجاه؟ الدعم الوحيد الذي نتلقاه من الحكومة المغربية في هذا الملف هو إقدامها على إخراج الضحايا من بعض المساكن التي أعطاها لهم الحسن الثاني سنة .1975 نحن حتى لم نتلق أي جوابا عل كل مراسلاتنا سواء إلى الوزير الأول أو وزارة الخارجية أو الداخلية، أو وزارة الإتصال، الذين بعثنا لهم جميعا برسائل وطلبنا منهم حقا لا دعما، وللأسف لا يوجد أي رد سواء كان إيجابيا أو سلبيا، فكما قلت لك قامت بعض الأحزاب السياسية كحزب العدالة والتنمية وحزب الإستقلال و حزب الحركة الشعبية وكذا الإتحاد الدستوري وحزب التقدم والإشتراكية، كل هذه الأحزاب قامت بإثارة بعض القضايا المتعلقة بالقضية أمام البرلمان، لكن الأجوبة، وكما سبق أن قلت لك، تكون خشبية. نحن نضحي بوقتنا ومن أموالنا الخاصة لنرفع ونعرف بهذه القضية أولا أمام الرأي العام الوطني، وثانيا أمام الرأي العام الدولي، فقبل خمس سنوات لم يكن أي أحد يعلم بأن الجزائر طردت 350 ألف شخص، وأنها نكلت بالمغاربة واغتصبت نساءهم، واستولت على ممتلكاتهم وشتت عائلات كثيرة، لم يكن أحد يعرف هذا. ورغم هذا فعندما أردنا تأسيس جمعيتنا في سنة ,2005 ووجهنا بعدد غير قليل من العراقيل من السلطات المغربية. وبخصوص إثارة الملف دوليا، فكما سبق وأشرت كانت هناك فرصة سانحة أمام الحكومة المغربية لتفعل ذلك عندما قامت السلطات الجزائرية بمصادرة أملاك المغاربة، حيث أن الحكومة المغربية تتوفر على ملف قوي في هذا الشأن، لأنه في 15 مارس ,1963 كانت توجد اتفاقية بين المغرب والجزائر تحمي أملاك وحقوق المواطنين في البلدين، وهو الإتفاق الذي خرقته الجزائر، لذلك كان على المغرب أن يذهب إلى محكمة العدل الدولية ويطرح القضية أمامها، حيث كانت المحكمة ستصدر قرارا تمهيديا لوقف الإجراء والعمل بالقانون الجزائري، ريثما تبث المحكمة في الملف، الذي كان يمكن للمغرب أن يجد بجانبه عددا كبيرا من الدول المحبة للحرية والعدالة، ولكن للأسف ضيعت الحكومة المغربية الفرصة بعدم تحركها في هذا الإتجاه، ونحن كجمعية لا نملك إلا أن نراسل ونحتج لدى المعنيين الذين عليهم القيام بواجبهم في هذا الإتجاه، خاصة وأن المحكمة الدولية لا تفصل في قضايا ما بين جمعيات ودول، بل تفصل في النزاعات بين الدول وهوالأمر الذي استدعى التدخل المباشر لوزارة الخارجية المغربية. ماذا بخصوص التعامل الرسمي مع ضحايا الطرد التعسفي من الجزائر ومساعدتهم اجتماعيا واقتصاديا؟ هناك كثير من التصريحات الرسمية بهذا الخصوص، والتي لا أدري بما أجيب عليها، حيث يتجرأ أحيانا بعض المسؤولين على القول بأن المطرودين يحظون بعناية فائقة في المغرب وهذا مخالف للواقع، حيث ما زالوا يعانون من التفرقة والتهميش والإجحاف، فحينما يصدر حكم بطرد امرأة مسنة تفوق ثمانين سنة وتعاني من عدة أمراض وليس لها معيل، لتسكن الشارع، فلا أظن أن هذا يمكن أن يندرج ضمن العناية الفائقة، اللهم إلا إذا كان هؤلاء المسؤولون يقصدون شيئا آخر بقولهم العناية الفائقة. لكن أستطيع أن أقول لك بأنه يمكنك التوجه إلى عدد من المناطق والمدن المغربية، للوقوف على حالة هؤلاء الإجتماعية والإقتصادية، ففي خميس الزمامرة مثلا، قرب العاصمة الرباط، ستجدين 14 عائلة مغربية مطرودة من الجزائر يسكنون في صهاريج الماء، بعيدا عن الحضارة والتمدن. لا أملك إلا أن أقول أنه من العار أن نكون في المغرب وفي الألفية الثالثة، وما زال هناك مواطنون يعيشون في عصر ما قبل التاريخ. طيب لا تذهبوا إلى خميس الزمامرة، يمكنكم أن تتوجهوا إلى حي القامرة بمدينة الرباط نفسها، حيث ستجدون عائلات تعيش في أوضاع بئيسة للغاية، ولا من يمد لهم يد العون. وما زالت معانات هؤلاء مستمرة إلى اليوم، حيث انهم يضطرون مثلا إلى القدوم من جميع أنحاء المغرب إلى مقاطعة حسان بالرباط لاستخراج أي ورقة رسمية، بعد أن تم تسجيلهم جميعا بتلك المقاطعة بعد قدومهم من الجزائر، والمعاناة متنوعة. وهنا يجب أن أقول أن الجزائر كانت تقصد من خلال طرد هذا العدد الكبير من المغاربة وترحيلهم إلى المغرب، أن تخلق أزمة اقتصادية واجتماعية وأمنية ينهار تحت ثقلها المغرب، وهو الأمر الذي استطاع الحسن الثاني رحمه الله أن يتجاوزه، ففرق مجموع العائلات المطرودة على كل المدن المغربية وأسكن بعض العائلات في المدارس وتم تشغيلهم في وظائف مختلفة، المشكل أنه بعد مرور مدة من الزمن، وعند حصول حالة وفاة مثلا لمعيل الأسرة أو تقاعده، لا يتبقى له أو لعائلته إلا مبلغ زهيد لا يتجاوز في أحسن الحالات 300 درهم، كما يتم طردهم من المساكن الممنوحة لهم، دون الإهتمام بالوجهة التي سيلجؤون إليها من أجل المأوى، وقد راسلنا العديد من الجهات بهذا الخصوص. وأقول لك أن هذا مجرد اختصار لصورة المعاناة المستمرة والسياسة التي تتعامل بها الحكومة المغربية مع هؤلاء الضحايا،.