دار بيني وبين بعض الزملاء الصحفيين حوار حول صعوبات العمل الصحفي في المغرب، ليس فقط على مستوى الإكراهات المتزايدة على مهنة المتاعب فيما يتعلق بكلفة الإنتاج وغياب الدعم للصحف غير الحزبية ومشاكل التوزيع والطابع السياسي للدعم الذي يأتي من خلال بيع المساحات الإعلانية، وشح مصادر الخبر وإشكالية الوصول إليه.. وغيرها من عشرات المتاعب التي هي القوت اليومي لهذه المهنة أو "الهواية" عند البعض الآخر، ولكن أيضا على مستوى ضعف سوق القراءة بل وتراجعه من يوم لآخر. وكان قد دار بيني وبين أحد الزملاء الصحفيين حديث حول هذه الظاهرة الغريبة إذ رغم تطور الصحافة المغربية كما وكيفا فقد لاحظنا أن سوق القراءة لم يواكب هذا التطور بل ربما شهد في الآونة الأخيرة تراجعات إضافية عن فترات سابقة ،تراجعات تضررت منها الصحف وتضرر منها الموزعون أيضا. وقد ذهبنا مذاهب شتى في تفسير هذه الظاهرة والبحث عن أسبابها فرددناها تارة إلى منافسة الفضائيات خاصة مع انتشار الأجهزة اللاقطة الرقمية، ورددناها تارة أخرى إلى التدهور المتواصل في القدرة الشرائية للقارئ المغربي، وثالثة إلى تكاثر العناوين وميل بعضها إلى تكرار الآخر سواء على مستوى الأشكال أوالمضامين ورابعة إلى غياب الإبداع والمهنية.. ولاحظت ولاحظ زميلي الصحافي أنه على عكس ازدهار القراءة مع حرب الخليج الثانية وتزايد الإقبال على الصحافة اليومية فإن أحداث 11 شتنبر على أهميتها وضخامتها والحرب الأمريكية على أفغانستان لم تستطع أن تؤثر على توسيع دائرة القراءة. واتفقنا رغم ذلك على أن المغرب يعيش في الآونة الأخيرة بدون أحداث كبيرة، أحداث في مستوى المسيرة الخضراء، أو فضيحة الكوميسير ثابت، نسأل الله أن يقينا من الفضائح والمصائب، ووفاة الملك الحسن الثاني رحمه الله وإقالة وزير الداخلية االأسبق إديس البصري. وفي مقابل "اللاحدث" من الناحية الاجتماعية والسياسية، أصبح من قدر الصحافة ومطلوبا منها أن تصنع الحدث وأن تخلقه وهو ما نجحت فيه بعض الصحف >المستقلة< التي تمتلك >ميزة< التباعد مع الأحداث والهيئات، وتستفيد من بعض الفراغ الذي لم تستطع ملأه الصحافة الحزبية، ومن هنا كانت الملفات الساخنة التي أثارتها ونذكر على سبيل المثال الرسالة الشهيرة للفقيه البصري، وتصريحات البخاري وقضية مولاي هشام.. وهلم جرا. وفي مقابل غياب الحدث أو ما سميناه ب "اللاحدث" السياسي اختار نمط جديد من الصحافي ينسب نفسه ل "الحداثة" نوعا من الأحداث اعتبر أنها هي "الأحداث المغربية"، وهي أحداث تتناول كل أنواع الانحرافات والشذوذ بدعوى أنها أحاديث من القلب إلى القلب والواقع أنها أقرب إلى الممارسات الجنسية التي تتم بطريقة مفضوحة علي شاكلة إفضاء الكلب إلى الكلبة.. . ونافس بعضهم الآخر في هذا الاتجاه فصار ينشر "اعترافات" لمومسات تحدثن بالتفاصيل عن رحلتهن في الغواية والإغواء ووصفوا عملية الزنى ولم يتركوا في الوصف الشاذة والفادة من المقدمات إلى الخواتيم، وصار بعض رؤساء التحرير "العظام" ينزلون بكل ثقلهم كي يفرضوا صورة الصفحة الأخيرة.. وما أدراك ما صورة الصفحة الأخيرة : غانية مكشوفة الجسم أو بغي كاسية عارية.. أما بعض المهووسين بحب الظهور من الذين أرادوا أن يحولوا فشلهم إلى نجاح فاختاروا طريق "خالف تعرف" وجعلوا من أنفسهم أبطالا في التحدي بل أرادوا أن يجعلوا من أنفسهم ضحايا وشهداء لحرية التعبير فصاروا في مصادمة عقيدة الأمة وشعائرها ومشاعرها ومصادمة الثوابت الوطنية تحت شعار زحزحة الخطوط الحمراء. كان الله إذن في عون الصحافة الملتزمة، وكان الله في عون الصحافة العصامية: ذلك ما قلته وقاله زميلي واتفقنا أن قدر هذه الصحافة أن نناضل على واجهتين: أن تسهم في صنع الحدث في غياب "اللاحدث "السياسي دون أن تسقط في وحل صحافة الإثارة الجنسية الرخيصة أو صحافة البطولة الفارغة التي يصفها المغاربة في المثال الدراج قائلين: (بُخ والطر مشرك). محمد يتيم