سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الدكتور عبد الوهاب الرامي، أستاذ وباحث بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، في حوار مع التجديد بمناسبة اليوم الوطني للإعلام: لا يكفي إعلان النيات لكي يستقيم الأمر في المشهد الإعلامي المغربي
تسنح مناسبة الاحتفال باليوم الوطني للإعلام، الذي يوافق الخامس عشر من نونبر من كل عام، للإعلاميين بأخذ النفس من جهد إعلامي متواصل طوال السنة والتفكير قليلا في معالجة قضيتهم الأولى: قضية الإعلام نفسه، بإشكالاته وقيوده وتعقيداته ورهاناته. ولعل اليوم الإعلامي لهذه السنة يطفح بأسئلة زاخمة ترتبط بعدد من المتغيرات مست جوانب حرية التعبير وفك احتكار الدولة للإعلام السمعي البصري ومشروع إصلاح قطاع الإعلام وغيره من المتغيرات التي نبحث فيها مع الدكتور عبد الوهاب الرامي، أستاذ وباحث بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، في حوار شامل مع التجديد في وقت تنحو فيه الدولة منحى إقرار مجتمع الحق والقانون الذي أساسه حرية التعبير والإعلام، يراها البعض أنها في الآن نفسه تكرس كثيرا من التراجعات على مستوى تدبير مجال الإعلام أو مستوى التضييق على الحرية الإعلامية وعلى رجال الإعلام بل محاكمتهم بقسوة وفق قانون جديد عرف بقانون مكافحة الإرهاب، كيف تشرحون مثل هذه المفارقة؟ يجب أن ننطلق من مسلمة أن المجتمعات المتحولة عموما، تعيش جملة من المفارقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل حتى النفسية. وفي الوقت الذي يبدو فيه الإعلام كمقوم أساس لمواجهة التحديات بكل تلاوينها، وخاصة تحدي استتباب الديمقراطية بمعناها الجواني المنسرب من خصوصية المجتمع والمتماهي معه، والمتناغم في نفس الآن مع إكراهات التعايش مع المجتمعات الأخرى، نجد بأن هناك جملة من الأصوات التي ترتفع منددة بمحاولات التكميم الذي يخضع لها هذا الإعلام بالمغرب، وهي أصوات تجد لها سندا موضوعيا في تمظهرات سلبية تتعلق بحرية التعبير، تتجلى بشكل ضارب في سجن صحفيين بتهم متعددة، وبتفعيل بنود قانونية تظل في كل الحالات، مقترنة بالتعبير عن الرأي الذي هو حر وفق المقولة المتواضع عليها الخبر مقدس والرأي حر. إلا أنه يجب التدقيق في اصطلاح التراجعات الذي قد يفرغه التداول الصحفي من حشوته. فكل تراجع يقاس بتقدم، ولاشك أن هناك تقدما عاما على مستوى حرية التعبير بالمغرب منذ بضع سنوات، ويمكن وصفه بالتقدم الأفقي الذي يجرف معه كثيرا من المحظورات الصحفية وعلى نطاق واسع. إلا أن التقدم العمودي الصاعد يصطدم بما يسمى بمنطق الدولة الذي هو في كنهه محافظ وأمني، ولا يتزحزح بسرعة، بل هو رهين في حركيته في مطالب التغيير المعبر عنها من طرف القوى الحية المؤطرة داخل المجتمعين السياسي والمدني، ومن هذا المنطلق أرى بأن هناك تقدما على مستوى التعبير الجماعي عن الرأي لكنه يظل مراقبا، ويعرف مساقط مؤسفة حين يصطدم بالمنطق الذي يمليه الحفاظ على هيبة الدولة. إنه بقدر ما يجب أن نكون متأهبين للدفاع عن حرية التعبير والصحافة مجلى هذه الحرية يجب كذلك أن نميز بين التراجعات الهيكلية والعثرات التي تمس حرية الإعلام. وفي المغرب هناك تقدم بالمعنى الكمي لكن هناك أيضا سقف مرصود بالمعنى النوعي. ومن الوظائف الأولى للصحافة أن ترفع مستوى هذا السقف، دون هوادة، وبتناغم مع سيرورة المجتمع العامة. طيب، على مستوى تدبير المجال الإعلامي.. بالنسبة لتدبير مجال الإعلام بالمغرب، أو ما يطلق عليه المشهد الإعلامي المغربي، فكلنا نعرف أن هذا من الأمور العصية إذ لا يكفي إعلان النيات لكي يستقيم الأمر. فالإعلام في قلب الحركية المجتمعية، وتدبيره سياسي بالدرجة الأولى لأنه يرتبط بمدى الحرية التي يمنحها الحكم للإعلام كي يمارس حقه في المراقبة، وتعني هذه الأخيرة، في النظرية الليبرالية للإعلام، بشكل صريح مراقبة الصحافة لباقي السلط الأخرى وخاصة منها الحكومة أو دوائر الحكم. وهذه المراقبة، كما هو متفق عليه، يجب أن تكون موضوعية لا تتسم بالتهجم غير المسنود ولا بالمحاباة. وإذا اعتبرنا محاور خطة إصلاح قطاع الإعلام بالمغرب المتمحورة حول إصلاح القطاع السمعي البصري الوطني، وتأهيل المقاولة الصحفية، وتنظيم وتطوير قطاع الإشهار، وتكوين وتأهيل الموارد البشرية، وإعادة تحديد دور مهام وزارة الاتصال، هذه الخطة التي عرضها وزير الاتصال منذ شهور، فإنها تطرح ثلاثة استفهامات أساسية: ماهي الأولويات داخل هذه الخطة والتي من شأنها أن تعجل بتوسيع الانفراج الديمقراطي، ولاشك أن تحرير قطاع الإعلام السمعي البصري من أول أوائلها؟ ثم ماهي جدولة هذا الإصلاح؟ وهل هي ذات طبيعة تقنية تتعلق بالإمكانيات أم ذات طبيعة سياسية خاضعة لتجاذبات القوى المجتمعية؟ وأخيرا كيف سيتم تمويل هذا الإصلاح وهل هو يملك تبعا لذلك، وسائل سياسته؟ هذه الأسس مبهمة، مما يجعل من الإصلاح المسطر على الورق شيئا براقا رغم ما يمكن أن يؤخذ عليه بالنظر إلى واقع حال. فإذا تناولنا بندا واحدا من الخطة الوزارية لإصلاح القطاع السمعي البصري، والذي ينص على التوفر على قطب سمعي بصري قوي لتهييء انفتاح القطاع على الخواص، نلاحظ بأن انتظار أن يصبح الإعلام السمعي البصري العمومي بالمغرب قويا قد يكلف سنوات، مما يخرق حتى إمكانية الحديث عن جدولة للتحرير، والأمثلة متعددة. لكن هذا لا ينفي، على مستوى التصور، أن هناك نفسا تحديثيا يمكن إذا هو تم تفعيله، أن يحقق خطوة إلى الأمام، ومكسبا ذا أهمية لا ريب فيها. بخصوص القوانين المنظمة للمجال الإعلامي كما ذكرتم، أيمكن الحديث عن قانون للصحافة يحمي الصحافيين، وهو ما زال يضم بين بنوده تجريم الصحافييين والقضاء بعقوبات حبسية؟ إن الدولة التي تقدمت على مستوى الممارسة الصحفية، لا تطرح فيها الآن مسألة القوانين المنظمة بحدة ولا نجد فيها مشاحنات ومناظرات من قبيل تلك التي تثار اليوم في المغرب. وذلك لأننا في المغرب نريد أن نضبط إيقاع الممارسة بما توفره النصوص القانونية من ضمانات. وهنا يطرح سؤال المحيط المساعد على الممارسة الحرة للصحافة. ويكون قانون الصحافة والنشر، ونزاهة القضاء المختص في قضايا الصحافة والنشر قطبي هذا المحيط. إذ ما يحمي الصحفي هو القانون والقضاء الساهر على التطبيق العادل لبنوده. وهما أمران مازالا يطرحان جملة من الأسئلة عندنا. أما عن الإكراه البدني، فالكل داخل الجسم الصحفي ضد العقوبات الحبسية التي تقرب صورة الصحفي من المجرم المحتمل. وهذا رأي النقابة الوطنية للصحافة المغربية التي تدافع عن فكرة التشطيب على العقوبات الحبسية داخل قانون الصحافة، بموازاة مع اعتماد قانون الصحافة لمحاكمة الصحفيين وليس قوانين أخرى تنفي، في النهاية، صفة القانونية عن هذا النص المؤطر لاشتغال الصحافة. على مستوى القوانين دائما، قانون الصحافي المهني الذي يتضمن حقوق وواجبات الصحافي، لماذا لا يجد طريقا للتطبيق في أغلب المقاولات الصحافية؟ لا يجد قانون الصحفي المهني سبيلا إلى التطبيق داخل المؤسسات الصحفية، لأن هذه المؤسسات معظمها على وجه التحديد لا يشتغل بمنطق المقاولة، بل تعتبر بأن الصحفي الذي تشغله في ظروف غير إنسانية أحيانا يضطر معها كمثال فقط، أن يعمد أحد الصحفيين المشتغلين بالصحافة المكتوبة إلى تحرير ثلث الجريدة، فيتحول معها هذا الصحفي إلى كاتب بالجملة، وإنها تعتبره نوعا من البروليتاريا، وهناك طواقم صحفية تشتغل بما يقل عن عشرة أشخاص، وهناك صحفيون لا يجدون الهندام اللائق لإجراء استجواب مع شخصية تجل الناس على قدر اللباس الخ. إن تطبيق النظام الأساسي للصحفيين المهنيين رهين بتغيير عقلية المؤسسات الإعلامية التي يجب أن تخرج من وهم الكتابة النضالية إلى المهنية القائمة على التدبير المقاولاتي. بارتباط بالحريات نتحدث عن حرية الوصول إلى المعلومة ببلادنا، البعض يشتكي من أن هناك تمييزا ممارسا من طرف الإدارات والمسؤولين لمنح المعلومة لوسائل الإعلام، هل يمكن أن يخدم مثل هذا التمييز حرية الإعلام؟ وما السبيل الذي تقترحونه لضمان حرية الوصول إلى المعلومات؟ لضمان الوصول إلى المعلومات، يجب أن يحدد القانون حصريا المعلومات التي تعتبر سرية. وعلى سرية هذه المعلومات أن تكون مبررة بارتباطها بالصالح العام. ثم إن على القانون أن يرتب ما يعقب الامتناع عن إعطاء معلومات تدخل في دائرة العمومي من إجراءات تصحيحية أو زجرية حتى. وعلى القائمين على المؤسسات العمومية أن يكونوا أكثر شفافية تجاه المسؤولين عن الاتصال مع الإعلام داخل هذه المؤسسات، وأن يتفاعلوا من خلال هؤلاء مع وسائل الإعلام، بانفتاحهم على الصحافة حماية لهم أولا من الإشاعة وسوء التقدير من لدن بعض أصناف الصحف. ويجب على الانفتاح على وسائل الإعلام أن يعد مكونا من مكونات المواطنة الصالحة ولهذا نجد في المغرب أن عدم انفتاح بعض القطاعات على الإعلام يؤدي إلى واقع يجهل فيه المواطنون الذين يتابعون الصحافة حتى أسماء الوزراء الذين يديرون شؤونهم. إن هناك نقصا في الانفتاح لا يخدم فقط المواطنين، بل هو لا يخدم كذلك مصادر المعلومات المنغلقة على ذواتها. جرى الحديث منذ مدة عن تحرير قطاع السمعي البصري وأنشأت لذلك الهيأة العليا للإعلام السمعي البصري وعين مديرها ومع ذلك ما زالت هناك عدة تعثرات في مسألة التطبيق، هل تعود هذه التعثرات إلى وجود عدم رغبة لدى المسؤولين في المضي بعيدا نحو الإنهاء التام للاحتكار أم هناك أسباب أخرى؟ هناك مسائل تنظيمية وأخرى متعلقة بالأوضاع العامة لأن فك الاحتكار عن قطاع الإعلام السمعي البصري ليس أمرا هينا. وأظن أن سؤال متى؟ يظل في عمقه سياسيا أكثر منه تقنيا. على مستوى تحرير قطاع السمعي البصري ألا تلحظون أن هناك نوعا من الاضطراب لدى الحكومة في تدبير الرخص على هذا المستوى، ففي وقت ما زالت الهيأة العليا للسمعي البصري لم تخرج إلى الوجود لتنظيم هذا الميدان، نجد الحكومة تمنع الرخص عن وسائل إعلام، خاصة منها الأجنبية، وتمنحها لأخرى كإذاعة سوا الأمريكية. كيف تفسرون هذا الاضطراب؟ الترخيص لإذاعة سوا الأمريكية، يدخل ضمن اعتبارات جيوسياسية واستراتيجية، والسؤال هو إلى أي حد كان هامش الرفض محتملا؟ وعلى كل فهذا يعطي ذريعة للمنادين بتحرير القطاع السمعي البصري للتعجيل بإرضاء هذا الطلب، والمؤسف هو أن هذه الإذاعة قد استطاعت أن تستقطب اهتمام الشباب بشكل اضطرت معه إذاعة ميدي آن أن تبرمج وصلات إشهارية تؤكد أنها الأولى على مستوى المغرب العربي، وهذا الاستقطاب لم تنجح لحد الآن أن تحققه إذاعة دار البريهي. بالنسبة للصحافة المكتوبة، الوضع أكثر قتامة لا على مستوى تدبير المقاولة الصحافية ولا على مستوى إنتاجات الصحف أو غيره من المستويات، برأيكم، ما الذي يجعل هذا القطاع في هذا الوضع؟ غياب المهنية، والفهم السيء للتعددية، وانعدام شروط المقاولة، وتصنيع الخبر، وضعف الموارد المالية، ووهن كتلة القراء وعزوفها أو عدم مواظبتها، وضيق سوق الإشهار، واللائحة تطول. على هذا المستوى يجري الحديث أخيرا عن مسألة الدعم، ألا يمكن اعتبار أن طريقة دعم الجرائد الوطنية ما زالت ترتهن بنظرة بالية تخص الرفع من مستوى الجرائد الحزبية والواجب يقتضي العدل في توزيع هذا الدعم؟ هناك مفارقة أصلية على مستوى الدعم المباشر من طرف الحكومة للصحافة، فقد يكون هذا الدعم آلية لمراقبة الصحف وهنا تنقلب الآية، إذ على هذه الأخيرة أن تنهض في ظل الديمقراطية بهذا الأمر. وبما أنه من العسير إيجاد معايير عادلة لدعم الصحافة (الحزبية؟ الجودة؟ المشاكل المالية؟...) فإنه من الأفضل أن تتم تقوية الدعم غير المباشر، على آليات الصناعة الصحفية مثلا (الورق، المداد، الهاتف، التنقل...) وأتصور، إذا كان هناك من دعم مباشر فيجب، وفق مسطرة شفافة، أن يتوجه لخلق صحف جهوية بمعنى الكلمة، استشرافا للمستقبل. ختاما، الكل يعلم الدور الريادي الذي يلعبه التكوين الجيد في تطور الإعلام، أسألكم بعد التغييرات التي حدثت في هرم السلطة الإدارية لديكم بالمعهد، كيف يمكن لهذه المؤسسة أن يعاد لها الاعتبار في المشهد الإعلامي المغربي؟ إنه لم يعد جائزا أن نتصور أن تقوم ممارسة الأجيال الجديدة للصحافة دون تكوين وإعادة التكوين، وما حدث من تغيير على مستوى إدارة المعهد العالي للإعلام والاتصال هو مؤشر على رغبة في ابتعاث دينامية جديدة على مستوى رفد المهنية. فهذه ليست معطى موضوعا على رفوف هيئات التحرير. إنها تخضع لتنشئة لها محدداتها. إن كثيرا من إشكالات أخلاقيات المهنة، كمثال فقط، تحسم على مستوى الإمساك الجيد بآليات الاشتغال الصحفي المهني. وأظن أنه يمكن الآن للمعهد العالي للإعلام والاتصال، المؤسسة الوحيدة بالمغرب التي تعتمد طواقم متخصصة في التكوين الصحفي والتواصلي، أن ينهض بدوره الذي أوكل إليه منذ البداية، وهو ليس فقط تخريج أفواج من المهنيين، بل تطوير الأداء المهني، والملاحظ أن المعهد كان يقوم بالتكوين وفق ما يمكن أن نسميه الطاقات الفردية وأن همه الآن أن يحولها إلى طاقات جماعية فإن هو أفلح سيكون قد اقترب كثيرا من وظيفته داخل سلسلة الإنتاج الإعلامي بالمغرب. أجرى الحوار: يونس البضيوي